اخبار اليمن
موقع كل يوم -صحيفة ٤ مايو الالكترونية
نشر بتاريخ: ١٦ تشرين الثاني ٢٠٢٥
4 مايو / تقرير: مريم بارحمة
في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها الملف اليمني، يعود الحديث بقوة عن ضرورة صياغة مسار سياسي جديد يعالج جذور الأزمة ويضع أسسًا واقعية لسلام عادل ومستدام. وفي هذا السياق، تتجدد التأكيدات الجنوبية بأن السلام الحقيقي لن يتحقق إلا باستعادة دولة الجنوب واعتراف الأطراف الدولية والإقليمية بالحق الجنوبي المشروع في تقرير المصير وإعادة بناء الدولة على حدود ما قبل 22 مايو 1990م.
هذا التوجه لا يأتي من فراغ، بل يستند إلى معطيات سياسية وميدانية أفرزتها سنوات الحرب وتبدل موازين القوى، إضافة إلى التحولات الاجتماعية العميقة التي جعلت من الجنوب طرفًا رئيسيًا لا يمكن تجاوزه في أي تسوية قادمة.
-السلام يبدأ من معالجة الجذور وفي مقدمتها قضية الجنوب
تؤكد القيادات الجنوبية والمجلس الانتقالي الجنوبي، أن الحديث عن السلام دون معالجة قضية الجنوب لن يكون أكثر من محاولة تجميلية لإدارة الأزمة وليس حلها. فالأزمة اليمنية، في جوهرها، أزمة هوية وسيادة وشراكة سياسية مختلة منذ الوحدة القسرية عام 1990م، التي تحولت إلى صراع دموي بعد حرب صيف 1994م، واستمرت إفرازاتها حتى اليوم.
ومن هذا المنطلق، يشدد الجنوبيون على أن السلام العادل والمستدام يبدأ من معالجة جذور الأزمة، وأن قضية شعب الجنوب تمثل المفصل الرئيسي لأي انتقال سياسي ناجح. فبدون الاعتراف بالجنوب كطرف أصيل وبحقوقه الكاملة، سيكون أي اتفاق سياسي هشًا، سرعان ما يعيد إنتاج الصراع.
-خطوة إيجابية لكنها ناقصة
جاءت دعوة مجلس الأمن الأخيرة لوقف الحرب وتهيئة الظروف لعملية سياسية شاملة، كخطوة إيجابية على طريق التهدئة، إلا أن مضمون البيان فتح بابًا واسعًا للنقاش. فرغم أهمية الدعوة، إلا أنها تجاهلت تحديد إطار واضح لحل قضية الجنوب، واكتفت بالحديث عن ضرورة 'حل سياسي شامل يقود إلى سلام دائم'.
وهنا يتجلى الاعتراض الجنوبي، لن يكون هناك انتقال سياسي حقيقي إذا تم ربط العملية السياسية بمرجعيات قديمة مثل “مبادرة الخليج” و“مخرجات الحوار الوطني 2013م”، التي يرى فيها شعب الجنوب إطارًا تجاوزه الزمن.
-حقائق الأرض تغيّرت
تبيّن التجربة العملية خلال سنوات الحرب أن مبادرة الخليج ومخرجات حوار 2013م باتت سابقة للواقع الجديد. فهي مرجعيات صيغت في مرحلة مختلفة كليًا، ولم تأخذ بعين الاعتبار التحولات العميقة التي فرضتها الحرب ومنها: بروز قوى سياسية جديدة في الجنوب، وتشكّل الهياكل الأمنية والعسكرية الجنوبية، وتغير موازين القوى بين الشمال والجنوب، وتراجع فعالية الحكومة المركزية، وتنامي المطالب الشعبية باستعادة الدولة.
ولذلك، لم تعد تلك المرجعيات قادرة على توفير أفق واقعي لحل قضية الجنوب. بل إن تجاهل مجلس الأمن في بيانه الأخير للقرار 2216 يعكس إدراكًا دوليًا ضمنيًا بأن الإطار القديم للحل السياسي أصبح غير صالح.
-عملية سياسية شاملة وبتمثيل جنوبي كامل
تشدد القيادة الجنوبية على أن أي عملية سياسية مقبلة يجب أن تكون شاملة، وأن تعتمد إطارًا حديثًا يتناسب مع الواقع الراهن. وهذا يقتضي تمثيل الجنوب كطرف رئيسي، وليس كملف ضمن ملفات الحكومة اليمنية.
فالجنوب يمتلك اليوم مؤسسات سياسية وعسكرية وإدارية وشرعية شعبية واسعة، تجعل منه جزءًا لا يتجزأ من الحل، بل الضامن الأساسي لاستقرار أي اتفاق سياسي.
كما أن أي مسار تفاوضي لا يعترف بحق الجنوبيين في تقرير مستقبلهم السياسي بإرادتهم الحرة سيظل مسارًا قاصرًا، لأن الحلول المفروضة أو القائمة على الوصاية أثبتت فشلها عبر التاريخ.
-الرئيس الزبيدي موقف ثابت في مجلس الأمن
وقد كان الرئيس القائد عيدروس بن قاسم الزبيدي واضحًا في كلمته أمام مجلس الأمن في الجلسة رفيعة المستوى قبل عام، حين قال إن القضايا الأساسية والأطراف الرئيسية تم تهميشها لسنوات طويلة. وأكد حينها أن حل قضية الجنوب يشكل حجر الزاوية لأي تسوية سياسية، مستشهدًا باتفاق مشاورات مجلس التعاون الخليجي في الرياض عام 2022م، الذي نص صراحة على وضع إطار تفاوضي خاص بقضية الجنوب.
كما شدد الرئيس الزبيدي على أهمية تمثيل الشباب والنساء والأقليات، معتبرًا أن السلام المستدام لا يتحقق إلا بعملية سياسية جامعة وشاملة.
-السلام الحقيقي لا يقوم على الإنكار بل على الاعتراف
الحديث عن السلام دون الاعتراف بحقوق الجنوبيين ـ كما يقول المحللون ـ بمثابة تجاوز للحقائق، وهو ما يهدد بانهيار أي تسوية مستقبلية.
فالجنوب اليوم يمتلك إرادة سياسية وشعبية صلبة، ويتحرك في مشروع وطني واضح، استعادة دولة الجنوب كاملة السيادة.
إن أي محاولة لفرض حلول شكلية ستزيد من الاحتقان وقد تعيد إشعال الصراع، بينما الاعتراف بالحقوق الجنوبية يفتح الطريق أمام سلام واقعي ومستقر بين الجنوب والشمال، قائم على التعاون والمصالح المشتركة وليس على الهيمنة.
-إطار تفاوضي جديد ضرورة لا خيار
المرحلة الحالية ـ كما يشير الخبراء ـ تتطلب وضع إطار تفاوضي جديد يعكس حقائق الأرض، ويواكب المتغيرات السياسية والعسكرية.
هذا الإطار يجب أن يتضمن: الاعتراف بالجنوب كطرف تفاوضي مستقل، ويحدد مستقبل العلاقة بين الجنوب والشمال. ويضمن حق الجنوبيين في تقرير المصير. كما يُبنى على دعم دولي وإقليمي واضح، ويأخذ بالحسبان التحولات التي فرضتها الحرب. بدون ذلك، ستظل العملية السياسية تدور في حلقة مفرغة.
-مشروع وطني ثابت وصمود سياسي وشعبي
الصمود الذي يبديه المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم لا يُعد مجرد موقف سياسي، بل مشروع وطني راسخ قائم على استعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة على حدودها الجغرافية والتاريخية المعترف بها دوليًا قبل وحدة 1990م.
وقد انعكس هذا الصمود في بناء مؤسسات جنوبية فاعلة. ومشاركة سياسية واضحة في المشهد الإقليمي والدولي. وكذلك قدرة عسكرية وأمنية أثبتت فعاليتها على الأرض، والتفاف شعبي واسع حول مشروع الاستقلال.
هذا المشروع لم يعد شعارًا، بل أصبح واقعًا سياسيًا يتقدم بثبات نحو تحقيق أهدافه.
-السلام يبدأ من الجنوب
أمام هذا المشهد، يتضح أن الطريق نحو السلام في اليمن يمر عبر الجنوب أولاً. فحل قضية شعب الجنوب هو صمام الأمان لأي استقرار قادم، والاعتراف بحقوق شعبه هو المدخل الوحيد لبناء علاقة مستقبلية قائمة على الندية والشراكة أو على الانفصال السلمي المنظم. السلام لن يتحقق ببيانات دبلوماسية أو مرجعيات قديمة، بل بإطار جديد يعكس الإرادة الشعبية ويخاطب حقائق الواقع وفي مقدمتها حق الجنوب في استعادة دولته الجنوبية كاملة السيادة.













































