اخبار اليمن
موقع كل يوم -سما نيوز
نشر بتاريخ: ٢ حزيران ٢٠٢٥
عدن، الشيخ عثمان – سما نيوز – 2 يونيو 2025
في نزول ميداني اليوم لمستشفى الأمراض النفسية والعصبية بمديرية الشيخ عثمان في العاصمة المؤقتة عدن، وقفت صحيفة 'سما نيوز' على واقع مأساوي يعكس بشكل جلي التأثيرات النفسية العميقة التي خلفتها سنوات الحرب والأزمات المتلاحقة على المجتمع. المستشفى، الذي يفترض به أن يكون ملاذاً للمرضى، بات اليوم شاهداً حياً على حجم المعاناة، وبات عاجزاً عن استيعاب الأعداد المتزايدة من الحالات النفسية، ليصبح مرآة تعكس انهياراً مجتمعياً واسعاً.
ففي عدن، التي يصفها مواطنون بمرارة بأنها تحولت إلى 'قفص تجارب' والمجتمع فيها بمثابة 'فئران' تتعرض لكل أنواع الضغوط والتجارب القاسية، تتكشف فصول مأساة إنسانية يومية. هذا الوصف، وإن بدا قاسياً، يجد مبرراته في حديث الناس هنا: فئات تغرق بالأموال الخارجية المشبوهة لخدمة أهداف سياسية، بينما يتم إفقار الموظفين وتجويعهم عبر تلاعب ممنهج بالعملة، ليصبح الراتب الشهري لا يكفي نفقات ثلاثة أيام. يضاف إلى ذلك، تلويث مياه الشرب، واستهداف ممنهج للمدارس، وإفساد للغذاء، وإغراق للشباب بالمخدرات، وتدمير للمؤسسات وتحويل خدماتها إلى رحلة من 'التنطيل والتعذيب'، فضلاً عن الدور المشبوه لمنظمات دولية تغذي برامج تثير الريبة، ونهب منظم للأراضي العامة. وفي خضم هذا الانهيار، تزدهر مصالح فئات معينة، حيث تنتشر البنوك وشركات الصرافة بشكل لافت.
كل هذا يحدث والمجتمع العدني، الذي انتصر في 2015، يجد نفسه يدخل عامه الحادي عشر حبيس هذا القفص من الأزمات المتراكبة.
المستشفى يئن تحت وطأة الواقع: 'لا نستطيع استقبال المزيد'
خلال زيارتنا، كان السؤال الأبرز: إلى أي مدى تأثر المجتمع نفسياً؟ الإجابة وجدناها صارخة داخل أسوار مستشفى الأمراض النفسية. المستشفى، الذي يتجاوز قدرته الاستيعابية بكثير، لم يعد قادراً على استقبال حالات جديدة، حيث أكد عاملون فيه أن 'أغلب الحالات تُرجع، وآلاف المرضى ينتظرون'.
يقول أحد موظفي المستشفى بأسى: 'الإمكانيات محدودة جداً. نعاني من نقص حاد في الكادر الوظيفي المؤهل، ولا توجد لدينا الإمكانيات اللازمة لتشغيل المستشفى بكفاءة. الميزانية المخصصة لنا لازالت محجوزة لدى وزير المالية، ولا نعلم متى سيتم الإفراج عنها'.
تشاركه الرأي إحدى الموظفات التي وصفت عملهم بأنه أصبح 'شبه مجاني'، مضيفة: 'الرواتب حقيرة ومُهينة، لا تكفي حتى لتغطية مواصلاتنا اليومية للوصول إلى المستشفى. نشعر بأننا نعمل بلا مقابل'.
ويسود شعور عام بين العاملين بأن المستشفى 'مستهدف من قبل الدولة بإهمال متعمد، وهناك عدم اهتمام واضح بمتطلباته واحتياجاته الأساسية'. الأمر المثير للقلق هو أن أغلب نزلاء المستشفى الذين وجدناهم هم من فئة الشباب، الذين يفترض بهم أن يكونوا وقود المستقبل.
جرائم متزايدة وأمراض نفسية: حلقة مفرغة
وفي إشارة خطيرة إلى تبعات هذا الوضع، أشار موظف في البحث الجنائي التقيناه إلى أن 'أغلب الجرائم التي ترتكب الآن في المجتمع هي نتاج مباشر لأمراض نفسية غير معالجة أو نتيجة للضغوط الهائلة التي يتعرض لها الأفراد'.
هذا الرأي تؤكده الكوادر الطبية في المستشفى، حيث أكد الكثيرون منهم أن 'الأوضاع الكارثية التي تمر بها البلاد هي المتسبب الرئيسي في الزيادة المخيفة لهذه الحالات'. وأضافوا بلهجة تحذيرية: 'الأوضاع تتفاقم بشكل يومي، فعدد زوار العيادات الخارجية اليومي للمستشفى أصبح أكثر بعشرة أضعاف مما كان عليه قبل خمس سنوات فقط'.
إن ما يشهده مستشفى الأمراض النفسية في عدن ليس مجرد أزمة قطاع صحي، بل هو جرس إنذار مدوٍ بأن النسيج المجتمعي يتعرض لتمزق خطير، وأن الصحة النفسية للمواطنين باتت ضحية أخرى تضاف إلى قائمة طويلة من ضحايا هذا الوضع المأساوي الذي طال أمده.