اخبار اليمن
موقع كل يوم -المشهد اليمني
نشر بتاريخ: ٢٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥
'إسقاط الجرعة' عبارة استطاعت الميليشيا الحوثية بها اختراق وعي الشارع اليمني المتعب من الغلاء والفساد وتردّي الأوضاع المعيشية، فقدّمت نفسها يومها كمنقذ للفقراء ومدافع عن المواطن في وجه سياسات اقتصادية قاسية، غير أن ما جرى لاحقًا أثبت أن تلك الذريعة لم تكن سوى غطاء لانقلاب سياسي وعسكري أطاح بالدولة ومؤسساتها، وأغرق اليمن في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية في العالم.
استغلت الميليشيا حالة الغضب الشعبي الناتجة عن رفع أسعار المشتقات النفطية وركبت موجة الاحتجاجات لتحوّلها من مطالب معيشية مشروعة إلى منصة لتحقيق مشروعها الخاص، فبدأت بالزحف نحو العاصمة صنعاء مستندة إلى شعارات براقة، بينما كانت في الواقع تُعدّ العدّة لإسقاط النظام السياسي بالقوة وفرض وجودها كأمر واقع خارج أي إطار دستوري أو قانوني.
في 21 سبتمبر، لم تُسقط الميليشيا 'جرعة سعرية' كما زعمت، بل أسقطت الدولة ذاتها وسيطرت على مؤسساتها ووضعت يدها على البنك المركزي والمعسكرات والمنشآت السيادية، وهكذا، وجد اليمنيون نفسهم أمام أزمة اقتصادية غير قابلة للحل، يواجهون الانهيار الكامل لمنظومة الدولة بكل ما تعنيه من حقوق وقوانين وخدمات.
ومع بسط سيطرتها، كشفت الميليشيا سريعًا عن وجهها الحقيقي فأوقفت رواتب الموظفين وفككت المؤسسات العامة ودمّرت الخدمات الأساسية، وبدلًا من معالجة الأزمات، أنتجت أزمات جديدة أثقلت كاهل المواطن وحمّلته أضعاف ما كان يعاني منه سابقًا، جبايات وإتاوات تحت مسميات متعددة وضرائب ورسوم مستحدثة لا علاقة لها بأي نظام اقتصادي معروف.
تحولت 'الجرعة' من قضية اقتصادية محدودة إلى سياسة ممنهجة للإفقار والتجويع، تستخدمها الميليشيا لإخضاع اليمنيين وتمويل مشروع الحرب، ومن المفارقات المؤلمة أن المواطن الذي خرج يومًا إلى الشارع مطالبًا بإسقاط 'جرعة' الوقود في عام 2014، يجد نفسه اليوم يدفع عشرات الجرعات القاتلة في الغذاء والدواء والماء والكهرباء، دون أن يحصل بالمقابل على أدنى خدمة من الخدمات.
لقد أثبتت التجربة أن الحوثي لم يكن يومًا مشروع إصلاح، بل مشروع هدم ولم يكن منقذًا لاقتصاد اليمن، بل عاملاً رئيسيًا في تدميره، ولذلك فإن فهم كل ما جرى في الماضي هو خطوة ضرورية لحماية اليمن من تكرار الخديعة، فالجرعة الحقيقية التي تجرّعها اليمنيون لم تكن في سعر الوقود، بل في سقوط الدولة نفسها وحين تُركت لقمة الشعب ومستقبله رهينة لميليشيا لا تؤمن بوطن ولا بحقوق ولا بإنسان.













































