اخبار اليمن
موقع كل يوم -المهرية نت
نشر بتاريخ: ٢٠ أيار ٢٠٢٥
تشهد مناطق الامتياز النفطي في محافظة شبوة جنوبي اليمن كارثة بيئية إثر استمرار تسرب النفط الخام، والذي وُصِفَ بكونه الأكبر من نوعه خلال العقود الماضية.
وقد خلّف الأمر جدلاً واسعاً حول المخاطر الكبيرة لهذا التسرب المخيف على الحياة البيئية والأراضي الزراعية للمواطنين.
هذا المشهد يتكرر بشكل أو بآخر في بعض مديريات محافظة شبوة النفطية، التي كانت أول محافظة في جنوب اليمن يُكتشف فيها النفط في العام 1987، حتى أصبح التلوث النفطي وأخطاره حديث الشارع المحلي في المحافظة.
أثناء زيارة مراسل المهرية إلى مديريتي الروضة ورضوم المنكوبتين، شاهد كيف تختلط المياه العذبة بكميات متسربة من أنبوب نقل النفط الخام، وكيف تتجمع النفايات المشبعة بالنفط بجانب الأراضي الزراعية، وأيضاً اختلاطها بمياه البحر وتضرر الأسماك والأحياء البحرية، مشكّلة عدداً من البقع الزيتية التي امتدت لمئات الأمتار.
سبب هذا التسرب هو تهالك أنبوب نقل النفط المتصل من حقول الإنتاج في منطقة عياذ غرب محافظة شبوة إلى ميناء التصدير في منطقة النشيمة على البحر العربي.
التداعيات الصحية والبيئية
تشير الدلائل المحلية إلى ارتفاع ملحوظ في معدلات الإصابة بأمراض السرطان في مديرية الروضة وبعض مديريات محافظة شبوة التي تقع على مسار خط أنبوب النفط أو بالقرب منه.
ويرجّح مسؤولون في القطاع الصحي بالمحافظة أن هذا الارتفاع هو نتيجة مباشرة للتعرض المزمن للملوثات النفطية التي تتسرب إلى المياه والتربة ثم تنتقل إلى السلسلة الغذائية، لاحتواء النفط على هيدروكربونات عطرية متعددة الحلقات (PAHs)، وهي مواد كيميائية معروفة بسموميتها العالية وقدرتها على التسبب بالسرطان عند التعرض لها على المدى البعيد.
كما كشفت تقارير بيئية حديثة أن مديرية الروضة تتعرض لتلوث نفطي مستمر منذ العام 2010 وحتى اليوم جراء تهالك الأنبوب الذي يمر عبر أراضيهم، والذي يمتد من القطاع 4 النفطي في منطقة عياذ الذي تديره الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية المعروفة باسم (الوايكم).
ولم تقم الشركة ذاتها بإجراءات المعالجة الضرورية لإزالة الضرر البيئي الذي تتعرض له مناطق تمورة ووادي غرير التابعة لمديرية الروضة، إضافة إلى مناطق في مديرية حبان، والذي أدى إلى تلوث مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية وتلوث مصادر المياه الجوفية تمثلت بتلف وطمر أربع آبار مياه للشرب ويعتمد عليها المزارعون أيضاً في ري محاصيلهم الزراعية.
مخاوف الصيادين وسكان المنطقة المنكوبة
تظهر اللقطات التي وثقتها عدسة المهرية وجود كميات كبيرة من النفط الذي يطفو على سطح مياه بحر منطقة عين بامعبد، مكونة طبقة نفطية تنتشر فوق سطح الماء.
وبحسب خبراء في مجال البيئة، فإن اللتر الواحد من النفط المتسرب في البحر يغطي بانتشاره مساحة تزيد عن أربعة آلاف متر مربع من المياه السطحية.
أما من ناحية الحجم، فتقول بعض المراجع إن لتراً واحداً من النفط يستطيع تلويث مليون لتر من الماء.
ومن مظاهر تأثير التلوث النفطي انخفاض إنتاجية المصائد، أو قد يعود إلى عزوف الناس عن شراء الأسماك خوفاً من أخطار التلوث، أو أن الصيادين أنفسهم يتوقفون عن الصيد في المناطق الملوثة خوفاً من تلف معداتهم.
وهذا ما يخشاه صيادو منطقة عين بامعبد الذين يعتمدون بشكل أساسي على مهنة الصيد في كسب قوتهم اليومي، إذ يعد ساحل عين بامعبد أحد أكثر المناطق الساحلية تنوعاً في الأحياء البحرية ويمثل قرابة 30% من أنشطة الصيد في مديرية رضوم.
ويقول الصياد صالح علي الجعش إن الصيادين تضرروا بشكل كبير جراء استمرار تسرب النفط، وإن قوتهم اليومي يكسبونه من مهنة صيد الأسماك على هذه الشواطئ المتضررة، مؤكداً أنه منذ أن بدأ التسرب لم يشاهدوا أي جهة مسؤولة نزلت لتفقد الأضرار الناجمة عن التسرب.
ونبه إلى أن بقع الزيت ظهرت واضحة على الأسماك التي يتم اصطيادها، وأدى إلى هجرة الأسماك إلى أماكن بعيدة عن سواحل عين بامعبد التي يعملون فيها، مما دفعهم إلى قطع مسافات بحرية طويلة بحثاً عن الأسماك.
خطر ينذر بكارثة
بدوره، يقول الناشط المجتمعي محمد عابد إن ما حدث من تسرب نفطي في سواحل عين بامعبد يعد كارثة بيئية على الحياة البحرية وألحق ضرراً كبيراً بشريحة الصيادين الذين يعتبر صيد الأسماك مهنة رئيسية لهم، مطالباً بوقفة جادة لسرعة معالجة الآثار الكارثية للتلوث البيئي في سواحل محافظة شبوة وما تسببه من أضرار بيئية على الحياة البحرية والثمن الباهظ الذي سينجم عنها إذا تم تجاهل هذا الأمر.
ويحذر عابد من أن الواقع خطير في ظل تجاهل مجتمعي وتخاذل رسمي من الجهات المختصة، وهذا ما اطلعنا عليه خلال زيارتنا لبعض المناطق المتضررة من هذا التسرب ومشاركتنا في العديد من الورش واللقاءات النقاشية عن مشكلة التلوث النفطي في المحافظة.
وفي مقابل ذلك، هناك تقاعس ومماطلة من الجهات الحكومية ذات العلاقة بالموضوع.
ويدعو عابد أبناء مديرية رضوم على وجه الخصوص وأبناء شبوة عامة إلى التحرك الجاد والاستشعار الحقيقي بخطورة التلوث النفطي، لافتاً إلى أن التحرك المطلوب يكون عن طريق صناعة وعي بيئي كخطوة أولى لصناعة رأي عام محلي ضاغط على الجهات المسؤولة ضد هذا الخلل والتجاهل.
موقف شركة الوايكم
حاولنا التواصل مع شركة الوايكم في قطاع 4 النفطي، وهي الجهة المسؤولة عن إصلاح الأضرار في الأنبوب وتعويض المواطنين، لمعرفة وجهة نظرهم والاطلاع منهم على المشاهد التي تم توثيقها.
وكان الرد من أحدهم برفض المقابلة، مكتفياً بإخبارنا أن الشركة ستعمل على إصلاح الأضرار.
وفعلاً تم نزول فريق هندسي وعمل إصلاحات للأنبوب، إلا أنه سرعان ما عاد التسرب من جديد بعد فترة قصيرة كعادته كل مرة.