(سبتمبر نت) يستعرض تجربة صحفي مصري عاش أياماً مع الثوار ضد الاستعمار جنوب الوطن.. أرواح ظامئة إلى النصر

سبتمبر نت/ محمد سعيد الحامدي

كان للجهد الإعلامي الذي قدمته مصر في مراحل النضال الوطني اليمني أثراً بالغاً في دعم الثوار وكفاحهم ضد الاستعمار البريطاني، إذ لا تخلو الصحافة المصرية في ستينيات القرن الماضي من أخبار معارك الثوار اليمنيين وتغطية انتصاراتهم ونجاحاتهم.

ومع حلول الذكرى الـ 55 للاستقلال الوطني المجيد يسلط موقع 'سبتمبر نت' الضوء على دور الصحافة المصرية، ودورها في دعم كفاح اليمنيين واستقلالهم، وذلك من خلال استعراض لتحقيق مطول نشرته مجلة 'المصور' المصرية في 8 سبتمبر 1967م، والذي أعده موفدها إلى عدن الذي عاش تجربة صحفية فريدة من خلال مكوثه لأيام في معاقل الثوار اليمنيين الذين يخوضون معركة الكفاح المسلح ضد الاستعمار.

الاحتلال يبحث عن مخرج

بعد أن وصل موفد 'المصور' إلى مدينة عدن وهي تستعد لطرد المحتل البريطاني، التقى مجموعات الثوار الأحرار، التي كانت تتمركز، في قاعدة عدن، أكد أن الثوار انشأوا جيشاً نظامياً حديثاً، وذلك قبل حلول موعد الاستقلال بأربعة أشهر.

ويسترسل موفد مجلة المصور المصرية في حديثه عن مشاهداته على أرض الواقع وفي وسط معاقل الثوار:  'إن هذا الجيش لم يتكون في أيام أو أسابيع، لقد عمل الثوار ليل نهار وطوال عام كامل وفي سرية تامة لإنشاء هذا الجيش وبالتعاون مع القاهرة على أسس وعلوم عسكرية حديثة وحرب العصابات والجبال ثم ضموا إلى وحداته العناصر الثورية العسكرية '.

وتقول المجلة 'إن إنشاء هذا الجيش وفي هذه الفترة بالتحديد هو أسلوب ثوري لمواجهة مناورات قوات الاحتلال وقيادتها حول شكل الحكم بعد 9 يناير القادم، فتكثيف العمل العسكري المسلح هو خطوة إلى الأمام لا يمكن التراجع عنها وقيام مثل هذا الجيش أعطى من الفعالية والإيجابية ما يمهد بسرعة ودون إبطاء إلى قيام الوحدة بين القوى الوطنية الثورية على أن تصبح جبهة متحدة تعمل وفق ميثاق وطني'.

وتضيف المجلة 'كان القادة من الثوار يبحثون وينقبون عن صفوة وخيرة الشباب الوطني المؤمن بضرورة التغيير الجذري وبخصائص الثورة الشعبية ونسف القديم بكل أدواته المختلفة، وقد نجحوا في هذه المهمة فأنشأت الفرق الثورية الجديدة ودربتهم عسكريا في القاهرة والتحق رؤساء المناطق بالكلية الحربية المصرية'.

أرواح ظامئة للقتال

ويعبر موفد 'المصور' عن تعجبه مما شاهده من الإصرار والزخم النضالي للشعب اليمني في سبيل تحرير بلاده من الاستعمار البريطاني البغيض ويقول 'لقد رأيت هناك بعض الجنود ممن كانوا ضباطا بشرطة عدن أو موظفين بالشركات الإنجليزية يحصل كل منهم على ما يقرب من مائة جنيه مصري شهريا، أو موظفين في البلاد العربية الشقيقة تحولوا إلى جنود وتبرعوا بكل ثرواتهم التي جمعوها خلال السنوات العشر الأخيرة الى جيش وطنهم الجديد وجنود آخرين تركوا زوجاتهم ومنازلهم وانضموا إلى الجيش'.

ويضيف: 'هؤلاء الرجال أصحاب أرواح ظامئة دائما إلى القتال وحول كلمات التآخي والشرف والإيمان والمستقبل يتجمعون وكل مناقشاتهم جادة وعنيفة ومثمرة للغاية بعضهم حارب مع القوات المصرية ضد الملكيين عامي 1962 و 1963م وعندما قامت ثورة 14 أكتوبر التحقوا بها ليؤدوا دورهم الجديد…رأيت عددا ليس بقليل من هؤلاء الرجال هم الآن من قادة الكتائب النظامية الجديدة'.

يومان في معاقل الثوار

عاش موفد مجلة المصور المصرية يومين مع الثوار في جبهات القتال فكتب قائلاً: 'أية مقارنة مذهلة بين ثوار الأمس وجنود اليوم بينهم الفتى الصغير والرجل الذي بلغ الأربعين ولكنك تشعر بأنهم عاشوا جميعا أضعاف أعمارهم وأضعاف تجارب الانسان العادي، الحب يمتد كالشريان بين أجسادهم فيحولها إلى جسد واحد وإيمانهم ينشر على معسكرهم جوا من الطمأنينة والرسوخ يبدأون يومهم في الرابعة صباحا، ظهورهم كدروع من الصلب وسيقانهم كأعمدة حديدية بل كل أعضاء أجسادهم  متصلبة من فرط التعامل مع الصخور والصحراء، ورغم تواضعهم الهائل فهم يفيضون معرفة ونضجا وقدرة تنقب عن الصواب بلا ملل وأنماط سلوكهم تحقق لهم كل يوم إيمانا جديدا بنضالهم'.

وأضاف 'شاهدت كل جندي هناك والفرحة تملأ روحه بجنديته الجديدة، بجيشه الجديد الذي يحمل شرف عضويته بالقيم العسكرية التي بدأ يمارسها ويتغنى بها بالواجب الضخم الذي سيحققه دفاعا عن مستقبل الوطن'.

في النهاية لمن النصر؟

يختتم الصحفي المصري حديثه 'ستظل الثورة رافعة سلاحها مسيطرة على أرضها وسيقدم الشعب الصامد البطل التضحيات يوما بعد يوم ويواجه حركات الخيانة المسمومة في شجاعة وثبات بل ستزيده هذه الخيانات إصرارا على مواصلة الكفاح المسلح حتى يقترب من ناصية التاريخ والنصر'.