اخبار اليمن
موقع كل يوم -سبأ نت
نشر بتاريخ: ١ أب ٢٠٢٥
صنعاء - سبأ:
نص كلمة قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، حول آخر مستجدات العدوان على قطاع غزة والتطورات الإقليمية والدولية 06 صفر 1447هـ 31 يوليو 2025م:
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبِين، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبِين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أَيُّهَـــــا الإِخْـــــــوَةُ وَالأَخَـــــــوَات:
السَّــــــلَامُ عَلَيْكُـــمْ وَرَحْمَـــــةُ اللَّهِ وَبَـرَكَاتُـــــهُ؛؛؛
في تطورات العدوان الإسرائيلي الهمجي، الوحشي، الإجرامي، على الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، العنوان الأول لمظلومية ومأساة الشعب الفلسطيني في القطاع هو الأطفال، وهذا يكشف عن حجم المعاناة والمظلومية والمأساة للشعب الفلسطيني من جهة، وعن مستوى الإجرام والتَّوَحُّش الإسرائيلي، وعن طبيعة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، الأطفال هم العنوان الأول لهذه التطورات، ولهذه المظلومية، وهم في مظلوميتهم الرهيبة جدًّا يكشفون حجم الخذلان الكبير على المستوى العالمي، وعلى المستوى الإسلامي، وهذا شيءٌ مؤسف.
(مائة ألف طفل) في قطاع غزَّة يواجهون خطر الموت جوعاً، بينهم (أربعون ألف) طفل رضيع، الرُّضَّع، الأطفال الرُّضَّع يعانون من انعدام الحليب (حليب الأطفال)، في وقتٍ تضطر فيه الأمهات إلى إرضاع أطفالهنَّ المياه بدلاً عن الحليب، بعد منع العدو الإسرائيلي لدخول الحليب إلى قطاع غزَّة.
العدو الإسرائيلي يستهدف الأطفال الرُّضَّع بكل أشكال الاستهداف، هم جزءٌ من أهدافه العملياتية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة:
- يمنع عنهم حليب الأطفال المخصص للأطفال؛ لأنه يريد إبادتهم، ويسعى إلى إبادتهم.
- ويمنع عنهم أيضاً المكملات الغذائية.
- ويعانون كما البقية من منع دخول المواد الغذائية.
شهداء التجويع يرتقون يومياً، كل يوم هناك شهداء، دفعة من الشهداء من شهداء التجويع، الذين أبادهم العدو الإسرائيلي بالتجويع، والواقع أصعب بكثيرٍ مما تحصيه الأرقام، الأرقام التي يعلن عنها في وسائل الإعلام تقتصر عادةً على الذين يصلون إلى المستشفيات المتبقية، التي لا تتوفر فيها- أصلاً- الرعاية الطِّبِّيَّة اللازمة؛ لانعدام ما تحتاج إليه لتقدِّمه للشعب الفلسطيني؛ لأنها جزءٌ من الاستهداف والحصار، ومنع وصول مستلزماتها إليها من أدوية وغيرها، فعادةً ما تكون الأرقام مركِّزةً على ما يصل إلى المستشفيات؛ أمَّا الواقع فهو أصعب بكثير وأكبر مما تحكيه الأرقام.
والأطفال هم الأكثر تضرراً قبل غيرهم، والأسرع وفاةً واستشهاداً نتيجةً للتجويع؛ لأنهم الفئة المستضعفة الأكثر والأقل تحمُّلاً، الأطفال الرُّضَّع بالدرجة الأولى، ومن بعدهم بقية الأطفال في مختلف سنوات الطفولة، هم الأقل تحملاً للتجويع، الذي يمارسه العدو الإسرائيلي؛ بهدف إبادتهم، وقتلهم بهذه الطريقة الوحشية جدًّا، والبشعة في مستوى الإجرام، بل حتى الأَجِنَّة من بطون الأمهات، في هذا الأسبوع كان هناك مشهد وثقته وسائل الإعلام، وانتشر في وسائل الإعلام، مشهد مؤلم للغاية، يكشف عن مستوى التَّوَحُّش والإجرام الصهيوني اليهودي، الاستهداف بالقصف للنساء حتى أثناء الولادة، انظروا إلى هذا المستوى من التَّوَحُّش والإجرام، والانعدام التام لكل المشاعر الإنسانية والقيم الإنسانية، الاستهداف للنساء حتى أثناء الولادة، الأم تُستشهد؛ لأن العدو الإسرائيلي استهدفها، والجنين يخرج إلى الأرض في مظلومية من يومه الأول، معاناة كبيرة جدًّا.
والمأساة والمظلومية للشعب الفلسطيني- بشكلٍ عام- هي شاملة، كذلك في قطاع غزَّة تشمل مليوني إنسان، مظلومية شاملة، معاناة شاملة، المجاعة شملتهم جميعاً، الاستهداف بشكلٍ مُكَثَّف كذلك يستهدفهم جميعاً، التهجير القسري، والحشر لهم في مناطق ضيقة مكتظَّة، ثم الاستهداف لهم فيها، وهذا شيءٌ مستمر، يعني: العدو الإسرائيلي حشر سكان قطاع غزَّة بمئات الآلاف، في مساحة تُقدَّر باثني عشر بالمائة من مساحة القطاع، هناك كثافة سكانية بالنظر إلى مستوى القطاع من حيث السعة والجغرافيا، فالعدو الإسرائيلي يحشرهم إلى أماكن ضيقة، يسمِّيها بالآمنة، ويسمِّي بقية المناطق بالمناطق الحمراء، ثم يستهدفهم بشكلٍ مستمر في داخل المناطق التي أعلنها مناطق آمنة، يجوِّعهم فيها، يستهدفهم بالتجويع، يستهدفهم أيضاً بالقصف، بالغارات الجوِّيَّة، بالقصف المدفعي، بالقناصة... بكل وسائل الاستهداف.
في إطار هذه المعاناة للجميع في قطاع غزَّة، معاناة النساء عنوانٌ بارزٌ أيضاً، وتحدثنا عنها في كلمة الأسبوع الماضي، في حالات الحمل، معاناة كبيرة جدًّا، والمرأة الحامل تحتاج إلى رعاية خاصة، وهُنَّ في معاناة شديدة جدًّا، الحالة أيضاً حتى أثناء الولادة، وما بعد الولادة، ما بعد الولادة، تحتاج المرأة التي تلد إلى رعاية خاصة، رعاية غذائية وطبِّيَّة، وكذلك الجنين الذي ولدته، فلا هي ولا وليدها يحظى بأي رعاية، أو يمكن أن تتوفَّر له الرعاية اللازمة، هي تعاني من التجويع، وما بعد الولادة كذلك هي في حالة تجويع، ووليدها أيضاً يخرج إلى الحياة ليستقبل هذا التجويع، هذا الظلم الذي يمارسه العدو الإسرائيلي، مستوى رهيب جدًّا من الإجرام، والتَّوَحُّش، والعدوانية، وانعدام كل القيم والأخلاق، هذا هو العدو الإسرائيلي، هكذا هم اليهود، هذه هي الصهيونية، التي لها هذا النتاج المتوحِّش، الإجرامي، العدواني، السيء جدًّا.
مع جرائم التجويع، يواصل العدو الإسرائيلي أيضاً الإبادة بالقتل، بالغارات الجوِّيَّة، والقصف المدفعي، والقناصة... وكل وسائل القتل، وأباد العدو الإسرائيلي واستهدف في هذا الأسبوع، الذي أعلن فيه هدنةً إنسانية، أكثر من أربعة آلاف فلسطيني، معظمهم- كالعادة- من النساء، والأطفال، والنازحين، المهجَّرين قسرياً في مربعات محدودة ضيقة، وكثيرٌ منهم أيضاً من طالبي الغذاء، من الساعين للحصول على الغذاء؛ لسد جوعهم وجوع أطفالهم ونسائهم، معاناة كبيرة جدًّا.
العدو الإسرائيلي، من خلال مصائد الموت في هندسته للجوع، وأساليبه العدائية المتوحِّشة، يستهدفهم ويقتل منهم باستمرار، في كل يوم هناك حصيلة وعدد معيَّن من الشهداء، يستهدفهم أثناء سعيهم للحصول على الغذاء، وأضاف إلى ذلك أيضاً وسيلة أخرى، هي وسيلة كذلك يستخدمها بهدف الإضرار بهم والاستهداف لهم من جهة، ومن جهة أخرى لخداع العالم، لخداع الرأي العالمي؛ لأن هناك في هذا الأسبوع ضجَّة عالمية تجاه مستوى التجويع، وهذا الظلم الرهيب جدًّا، والمشاهد المأساوية للغاية، لمجاعة الشعب الفلسطيني، المجوَّع في قطاع غزَّة، مشاهد رهيبة للأطفال في هياكلهم العظمية، للناس، للكبار، للصغار، مشاهد رهيبة جدًّا، مخزية للمجتمع البشري، مخزية للناس في هذا العصر، الذين يقدِّمون أنفسهم أنهم في عالم الحضارة والتَّقَدُّم والرُّقي، مخزية للمجتمع الغربي، الذي يقدِّم نفسه على أنه يقود الإنسانية، ويقود المجتمع البشري تحت راية الحضارة، وفي إطار القيم الليبرالية، هي تكشف حقيقته؛ لأنه ضالعٌ في كل ما يرتكبه العدو الإسرائيلي من إجرام ضد الشعب الفلسطيني، فأمام كل ذلك حاول العدو اسرائيلي أن يقدِّم خدعةً جديدة، هي عنوان: إنزال المساعدات جوّاً، وماذا فعل؟ ثلاث عمليات إنزال، معظمها ذهب إلى ما يسمِّيها العدو الإسرائيلي بمناطق حمراء، يعني: مناطق أي فلسطيني يذهب إليها يقتل على الفور، وفعلاً البعض جرَّبوا وحاولوا أن يذهبوا، وضغط عليهم التجويع والمعاناة؛ فقتلهم العدو الإسرائيلي مباشرةً، بإطلاق النار عليهم.
العملية (عملية إنزال المساعدات جوّاً) قد تكون سائغة كطريقة، في بعض المناطق من العالم، التي لا يتهيأ فيها إيصال المواد الغذائية إلى الناس، هذا ليس موجوداً فيما يتعلَّق بقطاع غزَّة، لا يمكن أن يكون هناك أي مبرِّر لاستخدام هذه الطريقة، التي الهدف منها الخداع من جهة، واللعب بكرامة وحياة الناس في قطاع غزَّة من جهةٍ أخرى، في قطاع غزَّة من المتاح جدًّا أن يتم إدخال المواد الغذائية، والمساعدات الإنسانية، ومستلزمات الحياة الإنسانية برّاً، والإيصال لها إلى من يقوم بتوزيعها، من العاملين في الأمم المتَّحدة، في منظماتها، والمنظمات الأخرى، والهلال الأحمر الفلسطيني، هذا متاح، العائق الوحيد هو: المنع من جهة العدو الإسرائيلي فقط، ليس هناك عوائق أخرى تَحُوْل دون دخولها ووصولها، ولكنَّ العدو الإسرائيلي يتعمَّد التَّهَرُّب من الاستحقاق الإنساني والأخلاقي، في فتح المجال لدخول المواد الغذائية إلى الناس، إلى اللجوء إلى هذا الأسلوب، الذي يلعب فيه كمثل ما فعله في مصائد الموت مع الأمريكي تماماً، كلاهما اشترك في تلك الجريمة، وتلك الطريقة، التي محصِّلتها واضحة في وجبات القتل اليومية.
فالعدو الإسرائيلي بثلاث عمليات إنزال تساوي قريباً من حمولة شاحنتين، ماذا تفعل شاحنتان لمليوني إنسان؟! مليوني إنسان في قطاع غزَّة، ماذا تمثِّل هذه النسبة الضئيلة جدًّا جدًّا، والتي لم تصل حتى بكلها إلى مناطق آمنة؟! بل أكثرها إلى مناطق توغَّل فيها العدو الإسرائيلي، جنوده متواجدون فيها للقتل بشكلٍ مباشر، أي فلسطيني يتحرَّك وراء تلك المساعدات للحصول عليها في تلك المناطق، التي هي مناطق جعلوها مناطق نيران، واستهداف دائم، يُقْتَل على الفور، يقتلونه مباشرةً، فهذا ما يحصل.
العدو الإسرائيلي يستخدم أسلوب المخادعة، في الوقت الذي يُقَدَّر الاحتياج للشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة بستمائة شاحنة يومياً، من المواد الغذائية، والمواد الطِّبِّيَّة، والمواد الأساسية، الوقود بينها محسوب، العدو الإسرائيلي يستخدم وسيلة غير مجدية، لا تفي بالاحتياج ولا بالقليل من الاحتياج، وبطريقة مخادعة، ثم القليل من القليل، الذي يمكن أن يصل، يصل في حالة قد يُصيب البعض، شُحنات صغيرة في صناديق خشبية قد تقتل من تصل عليه، وإذا وصلت، فمن الممنوع إسرائيلياً أن يكون هناك أي عملية تنظيم للتوزيع؛ لأن من أكثر ما يحاربه العدو الإسرائيلي، ويستهدفه في قطاع غزَّة، أي عملية تنظيم لتوزيع المساعدات، يريد أن تحكم الفوضى الواقع بكله؛ ليكون هناك اقتتال عليها، ليكون هناك تنازع عليها، على الشيء اليسير جدًّا جدًّا من المساعدات؛ لأنه يصنع كل أشكال المعاناة للشعب الفلسطيني، كل أنواع المعاناة يصنعها ويتلذذ بها، وهو متفنن، ولديه سعة في هذا المجال، يعني: يصنع كل أشكال المعاناة والظلم والإجرام، ويستمتع بذلك.
ولـذلك ينبغي ألَّا ينخدع أحدٌ أبداً، لا بما أعلنه من هدنةٍ إنسانية، وهو يقتل فيها بشكلٍ مستمر، يستهدف الشعب الفلسطيني فيها دون توقُّف، ولا بإعلانه هذه الطريقة، التي تثبت المشاهد التي تُنقل من قطاع غزَّة وتُنشر في وسائل الإعلام أنها لمجرَّد الخداع، وليست مجدية، ولم تَحُلّ شيئاً من المشكلة، ولم توفِّر أيضاً أي حل لمعاناة الشعب الفلسطيني، لم تسدّ شيئاً من جوعهم وعنائهم، الحالة مستمرَّة كما هي، المأساة مستمرَّة كما هي، والعدو الإسرائيلي مع الأمريكي يستمرُّون في الخداع للجميع.
العدو الإسرائيلي، في تعبير عن مستوى التَّوَحُّش والحقد، والتَّلَذُّذ بمعاناة الشعب الفلسطيني، معاناته من التجويع والقتل والتعطيش، وفي استفزازٍ واحتقارٍ للعرب وللمسلمين بشكلٍ عام، أرسل مجموعةً من اليهود الصهاينة من قطعان المغتصبين، الذين يسمُّونهم بالمستوطنين، لإقامة حفلة شواء قرب حدود غزَّة؛ للتعبير عن التَّلَذُّذ بمعاناة أهالي قطاع غزَّة، الذي يقبع تحت واحدة من أبشع جرائم الحصار والتجويع في العصر الحديث، وهذه هي الحالة القائمة في واقع العدو الإسرائيلي، يرتكب أبشع الجرائم وأفظع الجرائم، ويتلذَّذ، يتلذَّذ بمعاناة الضحية، بمعاناة المظلوم المضطهد، يتلذَّذ، ويُسَرّ، ويرتاح بما يفعله من إجرام ضد الأطفال حتى الرُّضَّع منهم، ضد الجميع كباراً وصغاراً، هذا يكشف عن وحشية من جهة، ثم هو يستهتر أيضاً بالمسلمين بشكلٍ عام.
كما أتلف جنود العدو الإسرائيلي- العصابات الإجرامية، التي تسمِّي نفسها بالجيش الإسرائيلي- كميات كبيرة من مواد المساعدات الإنسانية المخصصة لقطاع غزَّة، في معبر (كرم أبو سالم)، أكثر من ألف شاحنة من المواد الغذائية والطِّبِّيَّة، وزجاجات المياه، قام بإحراق البعض منها، وبدفن البقية منها في التراب، في الوقت الذي يتضوَّر أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة جوعاً، وتلك المساعدات هي لهم، هي حقٌّ لهم، ومرسلةٌ إليهم.
العدو الإسرائيلي ما قبل ذلك، ما قبل حربه على المساعدات، وسعيه لمنع وصولها للشعب الفلسطيني، دمَّر كل مقومات الحياة في قطاع غزَّة، استهدف الزراعة، حتى المزارع استهدفها بالقصف، استهدفها بالتجريف... بكل وسائل الاستهداف، عمل على إنهاء الزراعة في قطاع غزَّة بشكلٍ عام؛ حتى لا ينتج الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة أي مواد غذائية، أو يحصل على أي غذاء من الإنتاج الزراعي والمحاصيل الزراعية. استهدف الأسواق، المحلات التجارية، دمَّرها فيما دمَّر، دمَّر قطاع غزَّة في تدمير يستمر فيه، يريد أن يصل إلى أن يستكمل كل قطاع غزَّة بالتدمير والنسف لكل ما فيه من مبانٍ، دمَّر الأحياء والمدن، الأحياء السكنية والمدن، واستهدف كل الوحدات السكنية، وهو مستمرٌّ في ذلك حتى بمقاولين؛ لنسف ما تبقى من المباني.
ومع ذلك، العدو الإسرائيلي بعد أن أنهى كل مقومات الحياة هناك، اتَّجه إلى منع دخول المساعدات التي بقيت هي الشيء الوحيد، يعني: الطريقة الوحيدة التي يحصل من خلالها الشعب الفلسطيني على غذائه ودوائه، لم يعد لديه أي مقومات من خلالها يحصل على ما يحتاجه من غذاء، فالعدو الإسرائيلي بهذه الوحشية، بهذا الإجرام، حتى الصيد في البحر، يمنع الصيد في البحر، يستهدف الصيادين وبشكلٍ متكرِّر، كلَّما شاهد مجموعة تحاول أن تدخل من الصيادين يستهدفهم؛ ولـذلك هو يرتكب أبشع الإجرام.
العالم بمختلف بلدانه يشهد هذه المأساة والمظلومية، لم تعد مأساة الشعب الفلسطيني ومظلوميته، ولا حجم الإجرام الصهيوني اليهودي ضده، مسألة خافية على أحد في العالم، مشاهدها تُنشر في كل وسائل الإعلام، في كل أنحاء العالم، وتصدر الانتقادات من معظم البلدان، معظم البلدان في شرق الأرض وغربها، في القارات كلها، تصدر منها الانتقادات للعدو الإسرائيلي، وما يفعله من إجرام، تجاه هذا التجويع، تجاه هذه المأساة ومظلومية، تصدر بيانات، تصريحات، تعليقات، بل هناك صوتٌ للضمير الإنساني، للناشطين الأحرار، الذين يخرجون في مظاهرات، ووقفات، ومسيرات، مع أنهم في بعض البلدان يُقمعون بعنف وشِدَّة، كما يحصل في ألمانيا، وفي بعض البلدان الأوروبية، كما يحدث في أمريكا أيضاً.
لكن بالرغم من هذا الحجم الإجرامي، الذي لم يعد يليق بأحد أن يسكت عنه، على مستوى الانتقاد، التصريحات، البيانات، الإدانات، لكن لا يكفي ذلك، هذا الإجرام الفظيع جدًّا لا تكفي في مقابله بيانات استنكار وتصريحات تنديد، ولا تعبير عن الانطباعات والمشاعر، أنه يحزننا، يؤسفنا، والاكتفاء بذلك، لا يكفي أبداً، لابدَّ من مواقف عملية، وإجراءات عملية.
العدو الإسرائيلي يتكئ تماماً بظهره إلى الأمريكي، ثم لا يبالي بما يصدر في كل العالم من أصوات، تنديدات، إدانات، استنكار، مع أنه يقلق الصهاينة، ما هناك من استياء شعبي عالمي واسع، تنتج عنه كراهة لهم، نظرة إليهم بعين الحقيقة، كمجرمين، متوحِّشين، سيئين، هذا يقلق العدو الإسرائيلي، ويحاول أن ينشط في حرب دعائية، يحاول أن يُجَمِّل فيها وجهه القبيح جدًّا، والإجرامي جدًّا، البشع للغاية، لكنه فاشل، يعني: حجم الإجرام رهيب جدًّا جدًّا.
لكن مع كل ذلك ربما الكثير من البلدان، من الحكومات والأنظمة في مختلف القارات، هم يدركون أيضاً أن انتقاداتهم تلك لا تكفي، وأن وضع حد للإجرام اليهودي الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني لابدَّ فيه من إجراءات عملية، لكن كثيراً من البلدان يعتبرون أنفسهم- وبالذات غير الإسلامية- أن المعني الأول في أن يتصدر الساحة، وفي أن يكون له مواقف عملية، هم المسلمون، وفي الوسط الإسلامي: العرب بدايةً؛ لأن بعض البلدان قد يعتبر نفسه أنه ليس معنياً لأن يكون عربياً أكثر من العرب، وأن يكون مهتماً بقضايا المسلمين أكثر من المسلمين أنفسهم، عليهم هم مسؤولية تجاه أنفسهم، ما الذي ينقصهم؟ أُمَّة ملياري مسلم، تمتلك كل القدرات المادية والمعنوية، كل الإمكانات لأن يكون لها مواقف قوية.
ولهـذا الكل في العالم، ممن قد يتعاطف مع الشعب الفلسطيني، أو يهوله حجم الإجرام اليهودي الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني، هم ينظرون باستغراب إلى موقف المسلمين، هذه الأُمَّة أُمَّة الملياري مسلم، إلى العرب بين المسلمين، الذين هم مئات الملايين، ويمتلكون أيضاً كل المقومات اللازمة لأن يكون لهم موقفٌ رادعٌ وحاسم.
ولـذلك نعود إلى المشكلة والمعضلة الكبرى، وهي: الخذلان، خذلان المسلمين في معظمهم، حالات الاستثناء حالات محدودة، في الوقوف الصادق مع الشعب الفلسطيني؛ لكن الحالة العامَّة هي الخذلان، وفي المقدِّمة العرب، الخذلان الرسمي أولاً، ويتبعه الشعبي، والشعبي متأثر بالموقف الرسمي، وفي معظم البلدان هناك قرار رسمي، قرار رسمي بتجميد أي موقف شعبي، وأن تكون الحالة السائدة هي حالة الصمت، الجمود، الركود، التجاهل لما يجري، مجرَّد التعاطف من البعض قلبياً وشعورياً ووجدانياً، انطباعات ومشاعر دون أي مواقف عملية، وهذه حالة رهيبة جدًّا؛ ولـذلك ينبغي أن نُسَلِّط الضوء على هذه النقطة: لماذا هذا التخاذل العربي والإسلامي؟
حجم ومستوى ما وصل إليه الطغيان، والظلم، والإجرام اليهودي الصهيوني على الشعب الفلسطيني، أسهم فيه- بلا شك- التخاذل العربي، والحالة أكثر من التخاذل، هي إلى درجة الموقف السيء الرسمي العربي، في معظمه، نحن نتحدث عن الحالة الأغلب.
لإدراك ومعرفة سلبية الدور الرسمي العربي، وأنه ليس فقط يخذل الشعب الفلسطيني، ولا يقدِّم له الدعم، ولا المساعدة، ولا العون؛ بل أكثر من ذلك: أنه يدعم العدو الإسرائيلي، لإدراك هذه الحقيقة؛ فلتعرف يا كل عربي، ويا كل مسلم، أن:
- الطائرات الإسرائيلية، التي تلقي القنابل الأمريكية على الشعب الفلسطيني لإبادته في قطاع غزَّة، هي تتحرَّك معتمدةً على الوقود من النفط العربي، من نفط العرب، الطائرات الإسرائيلية تتحرَّك بنفط العرب، الدبابات الإسرائيلية تتحرَّك لاجتياح قطاع غزَّة، وقتل أبناء قطاع غزَّة، الشعب الفلسطيني العربي المسلم، بالنفط العربي، وقودها من النفط العربي.
- ثم (اثنين وعشرين مليار دولار) قدَّمتها أمريكا في العدوان على قطاع غزَّة، من أين؟ من التريليونات العربية، تريليونات الدولارات تُقَدَّم للأمريكي، والأمريكي يُقَدِّم للإسرائيلي، إلى هذا الحد!
ثم لتنظر أيضاً إلى جوانب أخرى تتبع هذا الموقف (الموقف السيء الداعم للعدو الإسرائيلي)، أشكال من أشكال الدعم للعدو الإسرائيلي، وليس فقط الخذلان للشعب الفلسطيني:
· جمود أكثر الشعوب العربية، وعدم تحرَّكها بأي شكل من أشكال التَّحَرُّك، حتى كأنه ليس هناك فلسطين، ولا شعب فلسطيني، ولا مجازر، ولا جرائم، ولا تجويع، ولا شيء اسمه شعب فلسطيني، ولا مظلومية فلسطينية، ليس حالة تلقائية حاصلة هكذا، أن تلك الشعوب غفت، ونامت، ولم تعد تدرك ما يحدث، ولا تسمع بشيء، ولا تعرف بشيء، هذا ناتجٌ عن قرار رسمي، قرار رسمي في بعض البلدان العربية.
هناك أنظمة وحكومات تمنع شعبها- رسمياً- من أي تحرُّكٍ مناصرٍ، أو متضامن مع الشعب الفلسطيني:
- لا نشاط في جامعات، ولو أنشطة عادية، في حدود أنشطة تضامنية: فعاليات، تظاهرات، مسيرات، ندوات، ندوة للتضامن مع الشعب الفلسطيني... بأي مستوى من الأنشطة والأعمال، أي خطوة عملية لمناصرة الشعب الفلسطيني في داخل بلدانهم هي ممنوعة ومحظورة.
- النشاط الشعبي، على مستوى مظاهرات كبرى ومسيرات، محظور في مناطق عربية، بقرار رسمي، حينما يكون لمناصرة الشعب الفلسطيني، وضد الطغيان، والإجرام، والتَّوَحُّش الإسرائيلي اليهودي الصهيوني... وهكذا أشكال كثيرة.
· على مستوى ما هو قائمٌ بين بعض الأنظمة العربية والعدو الإسرائيلي، مما يسمّونه بالتطبيع: فتح لأجوائهم ومطاراتهم لصالح العدو الإسرائيلي:
هذا حاصل ومستمر في بلدان عربية، وتستمر فيه أنظمتها، ولم توقف هذا الإجراء، الذي هو خطوة متقدِّمة مع العدو الإسرائيلي، من ضمن هذه الأنظمة: النظام السعودي، أجواؤه مفتوحة بشكلٍ مستمر، مطاراته مفتوحة للعدو الإسرائيلي، ولم يوقف هذا المستوى من التعاون؛ لأن هذا التعاون مع العدو الإسرائيلي خدمة للعدو الإسرائيلي تُقدَّم، لم يوقف حتى هذا المستوى من التعاون مع العدو الإسرائيلي، مع أنه بإمكانه أن يفعله؛ سلطنة عمان حضرت أجواءها على العدو الإسرائيلي، خطوة محسوبة، وموقف محسوب؛ السعودي وأنظمة عربية أخرى أجواؤهم مفتوحة منهم للعدو الإسرائيلي، مطاراتهم مفتوحة.
· التعاون الاقتصادي:
هذا تعاون مع العدو الإسرائيلي، في الوقت الذي يقوم العدو الإسرائيلي بتجويع حتى الأطفال الرُّضَّع في قطاع غزَّة، ويمنع عنهم حليب الأطفال، تذهب من بلدان عربية، وبلدان إسلامية أخرى، شحنات ضخمة، آلاف الأطنان، مئات الآلاف من الأطنان من مختلف البضائع، هذا تعاون، تعاون مع العدو الإسرائيلي، وهم مستمرون في ذلك.
العدو الإسرائيلي يزيد من طغيانه، يزيد من ظلمه، يزيد من بطشه وجبروته، يرتكب أبشع الجرائم، يتفنن في ذلك، إلى هذا المستوى من الاستهداف للرُّضَّع، الأطفال الرُّضَّع، ومنع حليب الأطفال عنهم، وتلك الأنظمة زادت نسبة ومعدلات تعاونها التجاري مع العدو الإسرائيلي خلال هذه الفترة، زادت؛ لِتُعَوِّض ما ينقص عليه بسبب الحصار في البحر الأحمر، وخليج عدن، وباب المندب، فهي تسعى لتعويض ما ينقص عليه نتيجةً لهذا الحصار، هذا شكل من أشكال التعاون مع العدو الإسرائيلي.
· الموقف من المجاهدين في قطاع غزَّة:
عِدَّة أنظمة عربية تصنِّفهم بالإرهاب، دون أي ذنب، سوى أنهم يدافعون عن شعبهم، وكرامتهم، ومقدَّساتهم، التي هي جزءٌ من هذه الأُمَّة، فلسطين جزءٌ من هذه الأُمَّة، الشعب الفلسطيني جزءٌ من هذه الأُمَّة، يعني: دفاع عن هذه الأُمَّة، وعن مقدَّساتها، في مواجهة عدوٍ لها هو عدوٌ للجميع.
لم يرفعوا هذا التصنيف، لم يقوموا بإلغائه، يُصِرُّون على الاستمرار فيه، مع أنها ستكون خطوة ذات أهمية، لو أعلنت تلك الأنظمة إلغاء التصنيف للإخوة المجاهدين في قطاع غزَّة بالإرهاب، وتعتبرهم يؤدُّون واجبهم الصحيح، وتعلن عن مساندتها لهم، خطوة محسوبة، ومن تلك الأنظمة النظام السعودي.
وهكذا خطوات متعدِّدة، هي في حقيقتها تعاون مع العدو الإسرائيلي؛ لأن اعتبار من يتصدَّى للطغيان الإسرائيلي من أبناء الشعب الفلسطيني، من يقاتل دون شرفه، وعرضه، وأرضه، وكرامته، ومقدَّساته (مقدَّسات هذه الأُمَّة)، التصنيف له بالإرهاب، واعتباره إرهابياً، هذا تعاون مع العدو الإسرائيلي، عندما يعتبرون من يتصدَّى له بأنه مخطئ، ويجرِّمون، يجرِّمون أي موقف ضد العدو الإسرائيلي، وهذا هو موقفهم أيضاً من الآخرين، يعني: في الشعب الفلسطيني، الحركات المجاهدة في فلسطين يصنِّفونها بالإرهاب، ويصنِّفون غيرها، من له موقف صادق عملي ضد العدو الإسرائيلي، يتَّخذون منه موقفاً معادياً وسيئاً، كما هو حالهم مع بقية المحور.
هكذا هي الحالة: الحالة أنَّ هناك في الواقع تعاون مع العدو الإسرائيلي، منع وتكبيل للشعوب، وهذا في نفسه ليس مبرراً للشعوب؛ لأن بوسع الشعوب أن تضغط على حكوماتها، وأن تتحرَّك في موقفٍ جماعيٍ كبير، ولكن حتى في الوسط الشعبي أين النخب؟ أين النخب؟ لأن الشعب الفلسطيني هو ينادي كل هذه الأُمَّة: ينادي الحكومات والقادات، وينادي الأوساط الشعبية من نخب، وأحزاب، وقوى، ومكونات، وينادي الجميع، لكن حتى في الأوساط الشعبية، لماذا هذا الركود؟ لماذا هذا الجمود؟ هذا يكشف أيضاً عن الحالة، عن الواقع الشعبي، عن الواقع رسمياً وشعبياً، في الوقت الذي يأتي الصوت الفلسطيني لينادي الجميع.
في الأوساط الشعبية، أين هو دور المساجد في مختلف البلدان العربية والإسلامية؟ دور الجامعات؟ أين هو دور وسائل الإعلام؟ لتؤدي دوراً استنهاضياً للأُمَّة، يُحَرِّك الأُمَّة، يشعرها بمسؤوليتها، في إطار خطوات عملية واضحة، وأهداف عملية واضحة... وغير ذلك.
لكن الأنظمة العربية في المقدِّمة، ومؤثِّرة في ذلك على موقف كثيرٍ من البلدان الإسلامية، والموقف العالمي، هي مؤثرة على موقف شعوبها، ومانعة لموقف شعوبها، الآن لماذا لا تبادر الأنظمة العربية لإدخال المساعدات إلى قطاع غزَّة، وإيصال المساعدات إلى قطاع غزَّة كعمل إنساني، كعمل إنساني؟! حتى هذا المستوى من الدعم للشعب الفلسطيني لا يقدمونه أبداً.
· على مستوى السياحة المتبادلة بينهم وبين العدو الإسرائيلي:
لا زالت هناك بلدان، أو بالأحرى أنظمة عربية مستمرِّة في السماح بذلك، والاستمرار في ذلك، هذا الشكل من أشكال العلاقة والتعاون مع العدو الإسرائيلي، قائم مع النظام السعودي، قائم مع أنظمة عربية أخرى: تعاون اقتصادي، استمرار في السياحة المتبادلة... وغير ذلك، يعني: علاقة وتعاون.
· لم يتَّخذوا قراراً بالمقاطعة الدبلوماسية، ولا السياسية، ولا الاقتصادية... ولا أي شكل من أشكال المقاطعة مع العدو الإسرائيلي، بل يستمرُّون في حال تعاون مع العدو الإسرائيلي، هذه حالة مؤسفة جدًّا في الواقع العربي والإسلامي!
والعدو الإسرائيلي في المقابل يزيد من طغيانه، من إجرامه، من وحشيته؛ لأنه هكذا هو: عدوٌ مجرم، لا يمتلك أي شيءٍ من القيم الإنسانية ولا الأخلاقية، إجرامه- كما قلنا- مؤدلج، ينطلق من خلفية فكرية ظلامية باطلة، ويتربى عليها، ومعها أحقاد، معها أطماع كبيرة جدًّا، وأحقاد شديدة للغاية.
العدو الإسرائيلي بمساره الإجرامي في مقابل هذا التعاون، هذا التشجيع، هذا التواطؤ، وما في الخفاء أكثر، بل بعضه في العلن، حتى السلطة الفلسطينية، السلطة الفلسطينية ماذا تعمل؟ هل تحمي الشعب الفلسطيني؟ هي لا توفِّر للشعب الفلسطيني ولا أي مستوى من الحماية؛ لكنَّها تتعاون مع العدو الإسرائيلي حتى في الاختطاف للمجاهدين، في الاستهداف للمجاهدين، في التعذيب لمن تعتقلهم، في سوء المعاملة مع الشعب الفلسطيني، ومعها ما تسمِّيه بالتنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي، فما بالك بغيرها!
مما لا شك فيه، ومما أيضاً تتحدث عنه وسائل إعلام، تسربه جهات غربية، هو تعاون قائم بين العدو الإسرائيلي، وبين بعض الأنظمة العربية، حتى على المستوى المعلوماتي، والاستخباراتي... وغير ذلك، سواءً فيما يتعلَّق بالاستهداف للشعب الفلسطيني، أو بالاستهداف لمن تستهدفه إسرائيل، لمن يقوم العدو الإسرائيلي بأي عدوانٍ عليه، كمثل ما هو الحال في لبنان، ما يفعله العدو الإسرائيلي في سوريا، هناك تعاونٌ معه، ما يفعله العدو الإسرائيلي ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، وضد اليمن أيضاً... وهكذا.
العدو الإسرائيلي يبرهن، وهو معتمدٌ على الشراكة الأمريكية، والدعم الأمريكي المفتوح، والدعم الغربي، يبرهن في تصاعد سلوكه الإجرامي، أنَّ الظالمين والأشرار يتمادون ويتنامى شرُّهم وإجرامهم، إذا لم يقابل ذلك تحرُّكٌ ضد إجرامهم وطغيانهم، وهذه حقيقة قائمة في واقع الحياة، يعني: من يتوقع أنَّ العدو الإسرائيلي- وتلقائياً- سيوقف إجرامه وطغيانه دون أي موقف، دون أي تحرُّك، فهو واهم، هو لا يعرف الواقع، لا يعرف الناس، لا يمتلك أي رؤية تقييمية لا للناس، ولا للواقع، ولا للأحداث، ولا للتاريخ.
العدو الإسرائيلي هو حقودٌ مجرم، وسُنَّة الله تعالى في عباده لإيقاف شرِّ الأشرار، وتمادي الطغاة والمجرمين، هي السُّنَّة التي أعلن عنها في القرآن الكريم: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}[البقرة:251].
العدو الإسرائيلي فيما هو عليه من هذه الوحشية، التي يستهدف فيها حتى الأطفال الرُّضَّع، والنساء الوالدات، ويستهدف الكبير والصغير، ويجوِّع مئات الآلاف من الناس بشكلٍ جماعي؛ لإبادتهم بشكلٍ جماعي، ويستهدفهم بالقنابل جميعاً (كباراً، وصغاراً؛ أطفالاً، ونساءً)، بهذا المستوى من الإجرام والتَّوَحُّش، هو يشكِّل خطورة على الحياة من حيث هي، على الناس جميعاً، على أي مجتمع؛ لأنه يحمل هذه النزعة الإجرامية المتأصِّلة فيه؛ لأنها ناتجة عن تربية على باطل، عن عقائد وخلفية فكرية ضالَّة، باطلة، ظلامية، سوداوية، متوحِّشة، نتاجها دائماً هذا المستوى من الوحشية والإجرام، فهو يشكِّل هذه الخطورة نفسها التي نراها ضد الشعب الفلسطيني، وعلى الشعب الفلسطيني، على كل شعوب المنطقة، تجاه العالم أجمع، هو يشكِّل خطورة- يجب العمل على مواجهة هذه الخطورة، والتَّصَدِّي لها- على الحياة.
ولهذا لا يمكن إطلاقاً أن تستقر المنطقة بكلها، وهو يتحرَّك فيها بكل هذا الدعم، بكل هذه المساعدة الأمريكية، والشراكة الأمريكية، والدعم الغربي، والمساندة الغربية، والتخاذل العربي في المقابل، ومن ورائه الإسلامي، إلَّا القليل في حالات استثنائية، لا يمكن أن تستقر الحياة، حتى لو ظن البعض أنهم تحت عنوان التطبيع... انظروا في سوريا، خلال هذه الفترة، بالرغم من الاِتِّفَاقِيَّات التي فيها تنازلات كاملة: إخلاء الجنوب السوري بكله، من أن يكون فيه أي تواجد عسكري لتلك الجهات المسيطرة في سوريا، وأن يبقى مسرحاً مفتوحاً للعدو الإسرائيلي، يتوغَّل فيه، يتحرَّك فيه، ينشئ فيه القواعد، يفعل فيه ما يفعل، خلال هذه الفترة ثمانمائة اعتداء! ثمانمائة اعتداء في جنوب سوريا، كل أشكال الاعتداءات: قتل، اختطاف، تدمير، استهداف للبشر، استهداف لقطعان المواشي، للأبقار، للأغنام، استهداف للمزارع وتجريف لها، نسف للمنازل، مداهمات للبيوت ليلاً، إذلال للمجتمع... كل أشكال الاستهداف والإذلال، وحالة مستمرِّة.
علينا كأُمَّةٍ مسلمة أن نكون أُمَّةً واقعية، أن نعالج مشكلتنا الإدراكية، مشكلة الوعي، أن نتخلَّص من عمى القلوب، لماذا لا نرى أولئك على حقيقتهم بالرغم من كل ما يفعلون؟! وهذا ليس جديداً في واقعهم، الجديد هو مستوى وحجم الإجرام الذي يفعلونه في هذه المرحلة، وإلَّا فالعدو الإسرائيلي كيانٌ مجرمٌ قائمٌ على الإجرام من يومه الأول، ورصيده الإجرامي هائل، بكل هذا النوع من الإجرام: الإبادة للناس، القتل للمدنيين، القتل للأطفال، القتل للنساء، الاستهداف لِلعُزَّل من السلاح، التهجير من الأراضي قسرياً، الاغتصاب، الانتهاكات بكل أنواعها؛ وإنما يتعاظم جرمه، يكبر طغيانه، يتنامى شرُّه يوماً بعد يوم، لماذا؟ لأنه يقابل بالخذلان، بالعمى، بانعدام الرؤية الصحيحة، بإفساح المجال له، البعض يقدِّرون أو يتصورون أنه سيقدِّر لهم ذلك، وهو إنما يرى الفرصة تتاح أكثر وأكثر للسعي للوصول إلى أهدافه الكبرى.
الله 'سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى' قال في القرآن الكريم: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ}[التوبة:14-15]، {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ}[التوبة: 15]، لابدَّ من أن تقاتلوهم، هذه مسؤوليتكم في إطار هذه السُّنَّة: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ}[البقرة:251].
الأنظمة العربية لم تصل إلى درجة أن تدعم من يقاتل (أبناء الشعب الفلسطيني)، أن تدعم المجاهدين المقاتلين، بل البعض منها يعتبر ما يقومون به في إطار الامتثال لأوامر الله، والموقف الحق، والموقف المشروع بكل الاعتبارات، حتى في القانون الدولي، ومواثق الأمم المتَّحدة، وهم يدافعون عن أنفسهم، وعن شعبهم، وعن أرضهم، وعن حقوقهم، يجرِّمون كلَّما شرعه الله، ومسموحٌ به في كل أعراف الدنيا، حالة غريبة جدًّا! تأتي بعض الأنظمة العربية لتجرِّم ذلك، هذه حالة مؤسفة جدًّا!
ولـذلك لا يمكن الانتظار من الإسرائيلي أن يبادر هو هكذا، في مقابل هذا الخذلان، هذا التفريط، بل حالة تواطؤ وتعاون معه، ليتوقف عن إجرامه.
أو هل العرب يراهنون على الأمريكي؟ بعضهم يعلن عن ذلك، يعني: بالأمس وقبل الأمس سمعنا تصريحات تردِّدها وسائل الإعلام لأحد الزعماء العرب، وهو يكرِّر هذا المنطق: [أنه لا يتمكن أحد من وقف العدوان الإسرائيلي وإدخال المساعدات إلى غزَّة إلَّا ترامب]، يقول: [الرئيس ترامب]، ماذا يفعل الأمريكي؟
الأمريكي واضحٌ تماماً في أنه يتبنَّى ويدعم ما يفعله العدو الإسرائيلي، يعلن عن ذلك، تصريحات من كل المسؤولين الأمريكيين البارزين، الرئيس الأمريكي يصرِّح بذلك بكل وضوح، وزير خارجيته... غيرهم، هناك تصريحات واضحة، إعلان واضح، تبنٍ واضح، معظم الفريق الحالي في الإدارة الأمريكية هم من المتشدِّدين في الصهيونية، يعني: هناك في أمريكا الاتِّجاه الصهيوني المؤيِّد لليهود، المتبنِّي لمسألة احتلالهم لفلسطين، بل وإقامتهم بما يسمَّى بـ [إسرائيل الكبرى] على بقية البلدان العربية، وسيطرتهم على هذه المنطقة بشكلٍ عام، فهو اتِّجاه صهيوني في أمريكا وفي الغرب، ولكن داخل هذا الاتِّجاه أيضاً تيارات متشدِّدة جدًّا، يعني: بعضها أكثر حقداً من كثيرٍ من الأعداء، هم كما قال الله عنهم في القرآن الكريم: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[المائدة:51]، هذه حقيقة قرآنية، حقيقة في كتاب الله تعالى، يشهد بها واقعهم.
أمَّا عملياً، فكل الدعم المفتوح الذي تقدِّمه أمريكا عسكرياً في البداية: من سلاح، من تخطيط، من مشاركة، من إدارة... كل أشكال التعاون العسكري هي حالة قائمة مع العدو الإسرائيلي، وواضحة، وليست خفية، ويفتخر بها الأمريكي، بل يقول وزير الخارجية الأمريكي: [من الشرف لأمريكا أنها تدافع عن إسرائيل]، هكذا بهذا المنطق، يعتبرونه شرفاً، شرفاً لهم أنهم يشاركون في الإجرام الإسرائيلي، ويحمون الإجرام الإسرائيلي، والطغيان الإسرائيلي، ويقدِّمون لإسرائيل الحماية والدعم الكامل؛ ليقوم بتجويع عشرات الآلاف من الأطفال الرُّضَّع، ويسعى إلى إبادتهم، وإبادة الأطفال والنساء والكبار والصغار، وتجويع مليوني إنسان، والسعي لإبادتهم.
الأمريكي يتبنَّى التهجير القسري من غزَّة، الأمريكي لديه موقف واضح في مسألة مصادرة الحق الفلسطيني بالكامل، (ترامب) هو من أهدى الجولان السوري وكأنه ملك أبيه، قدَّمه وأعلنه هديةً للعدو الإسرائيلي، وقال: [مستعد لإهداء أي أراضي أكثر، أي أراضٍ عربية مستعد أن يقدمها هدية]! هذا منطق ساخر جدًّا من العرب والمسلمين، الأمريكي هو ذراعٌ من أذرعة الصهيونية، حاله حال الإسرائيلي، وحال البريطاني، ويتحرَّك في ذلك بالقول وبالفعل، وهو واضحٌ وصريح.
الرهان على المواقف الأوروبية رهانٌ على سراب، بعض الأنظمة العربية يقولون: [انظروا، هذه فرنسا تعلن أنها عازمة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية]، ووفق ما يقدمه الغرب عن الدولة الفلسطينية ماذا يعني؟ يعني: عن كيان فلسطيني على جزءٍ ضئيلٍ جدًّا من أرض فلسطين، ومنزوعاً من السلاح، مصادراً عليه كل المقومات الحقيقية للدولة، يعني: لا يمتلك جيشاً، لا يمتلك سلاحاً يستطيع أن يدافع به عن نفسه، لا يمتلك علاقات خارجية حُرَّة، لا يكون وضعاً طبيعياً؛ ولهـذا يُسَمُّونه بـ [قابلة للحياة]، يعني: بالكاد أن تكون حالة قابلة لأن يعيشوا، وكأنهم قطيعٌ من الأغنام في حضيرة صغيرة! هذا هو مفهومهم الذي يعلنون عنه، يعبِّرون عنه، يشرحونه، حينما يقولون: [نعترف بالدولة الفلسطينية]، مع مصادرة معظم فلسطين للعدو الإسرائيلي، وأن يبقى العدو الإسرائيلي هو الحاكم العام حتى لتلك المنطقة الصغيرة جدًّا، التي قد تقدَّم وهي أيضاً في كنتونات صغيرة مقطعة الأوصال، وأشبه بسجون وحظائر يحشر فيها الشعب الفلسطيني، يعني: شيء غير منطقي إطلاقاً إطلاقاً.
ومع ذلك لماذا تقول فرنسا ذلك؟ لماذا تقول بريطانيا ذلك؟ ومعروف الدور البريطاني، الأساس من اليوم الأول لما حدث من احتلال لفلسطين؛ لأن البريطاني هو احتل فلسطين لمدَّة طويلة، نكَّل بالشعب الفلسطيني، ارتكب أبشع الجرائم ضد الشعب الفلسطيني؛ ثم استقدم الصهاينة، ومكَّنهم؛ ليقوموا بالدور ما بعد انسحابه في الاحتلال لفلسطيني، واستمر هذا.
البريطاني أيضاً عندما يتحدث، كلٌّ منهم يتحدث بذلك؛ لأن الوضع القائم هو فضيحة مخزية لهم، حجم الإجرام اليهودي الصهيوني في فلسطين ضد الشعب الفلسطيني، من تجويع، وإبادة جماعية، وجرائم رهيبة، فظيعة، بشعة للغاية، هي مخزية للغرب، الغرب الذي يحرص على الخداع للشعوب، الغرب الذي يرتكب أبشع الإجرام ضد شعو ب العالم المستضعفة، ينهب ثرواتها، يظلمها، يضطهدها، ومع ذلك لا ينفك ليلاً ونهاراً عن الحديث عن القيم الليبرالية، عن حقوق الإنسان، عن الحُرِّيَّة... عن تلك العناوين التي هي لمجرَّد الخداع، والتي هو على نقيضٍ تامٍ معها، وحتى عندما يروِّج لها، ويسوِّقها، ويحاول أن يعممها في أوساط بلداننا وشعوبنا، فهو يربطها بمضامين أخرى، وليست بمعانيها الحقيقية، مضامين مختلفة تماماً؛ لأنهم {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ}[المائدة:13].
على من يمكن أن تراهن شعوبنا؟! بريطانيا تقول: [نحن عازمون على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، إذا لم توقف إسرائيل التجويع]، في نفس الوقت تقدِّم السلاح للإسرائيلي، تقدِّم له كل أشكال الدعم، فرنسا تقدِّم له كل أشكال الدعم، ألمانيا تقدِّم له كل أشكال الدعم، يبيعون للعرب خبز الشمس، ويرسمون لهم في الماء والهواء، خداع، خداع مكشوف، وخداع واضح، إذا كانوا صادقين، لماذا لا يوقفون ما يقدِّمونه من دعم عسكري للعدو الإسرائيلي؟ لماذا أعلن الاتحاد الأوروبي الاستمرار في كل اِتِّفَاقِيَّاته مع العدو الإسرائيلي؟ اِتِّفَاقِيَّات عسكرية، تجارية، اقتصادية... وغير ذلك؛ ولـذلك نرى أنَّ المسؤولية الحقيقية هي على المسلمين قبل غيرهم وأكثر من غيرهم؛ لأن أولئك واضحون.
المؤسسات الدولية ماذا تفعل؟ الأمم المتَّحدة ماذا يمكن أن تفعل؟ لن تفعل شيئاً منذ أن أُسِّست، القضية الفلسطينية أكبر منها وقبلها، وهي منذ أن أُسِّست وإلى اليوم لم تفعل شيئاً للشعب الفلسطيني، مجلس أمن المستكبرين، والظالمين، والطغاة في العالمين، لم يفعل شيئاً لأي شعبٍ مستضعف، وفي المقدِّمة: الشعب الفلسطيني، وهكذا الأمور واضحة جدًّا، الأمم المتَّحدة اعترفت بالعدو الإسرائيلي، وجعلته عضواً فيها، فهل يعوَّل عليها؟! يعني: هذا- بحد ذاته- خطيئة كبرى، وشاهدٌ واضح على أنها لا تعتمد على ميزان عدل، ولا على أسسٍ مُحِقَّة، ولا عادلة، ولا إنسانية، ولا صحيحة.
المسؤولية عن المسلمين قبل غيرهم، الشعب الفلسطيني يناديهم، وهو مجروحٌ جدًّا من هذا المستوى من التخاذل والتواطؤ، وهو يدرك أنَّ هذا حاصلٌ أيضاً بقرار، يعني: كموقفٍ سلبي، موقف سيء، حينما نرى شعوباً عربيةً كبرى، الشعب المصري أكبر الشعوب العربية من حيث العدد، شعب مُكَبَّل، لا يفعل شيئاً، ليس له صوت، ليس له حضور، ليس له موقف، ثم نجد الأنظمة كذلك، وغير مصر، بقية البلدان، كان بإمكان بلدان الطوق لفلسطين أن تكون حاضرة في الموقف شعبياً ورسمياً بشكل كبير، وأن تقف معها بقية الأنظمة والشعوب، وتلتف حولها، إذا لم يلتف الناس حول قضية بهذا المستوى من المأساة والمظلومية، وبهذا المستوى من الحق الواضح جدًّا، المعترف به عالمياً عند البر والفاجر، والمسلم والكافر، ففي أي قضيةٍ يتحرَّكون؟! ولأيِّ همٍّ يجتمعون؟! ولأيِّ مظلومٍ ينصرون؟! حالة واضحة من التخاذل الرهيب الذي هو بقرار، بل تواطؤ، تواطؤ واضح.
الشعب الفلسطيني، وقادة المجاهدين، والصوت صوت المجاهدين الناطق في قطاع غزَّة، يُذكِّرون العرب بمسؤوليتهم، يُذكِّرون المسلمين بواجبهم، يناشدون هذه الشعوب، لماذا لا تتحرَّك؟! التجاهل والتَّنَصُّل عن المسؤولية لن يعفي هذه الأُمَّة (لا شعبياً، ولا رسمياً) من كل التبعات الخطيرة عليها جدًّا، في عاجل الدنيا، في سُنَّة الله تعالى، هذه سُنَّة من سنن الله، والله هو المدبِّر لشؤون السماوات والأرض.
قد يثق الكثير من الشعوب والأنظمة بما يفعلونه، ما أقدموا عليه من تخاذل، وتواطؤ، وتفرُّج، وتجاهل لما يجري، ويتصوَّرون أنَّ السلامة في ذلك، ولكن الله 'سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى' حينما قال: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[التوبة:24]، الله مدبِّر، ويصنع المتغيِّرات، والشعوب والأنظمة بنفسها حينما تُعاقب في الدنيا، ستـدرك أن تخاذلها لم ينفعها شيئاً، ولم يحقق لها السلامة.
التبعات خطيرة في الدنيا قبل الآخرة، ثم في الآخرة، وعيد الله تعالى: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}[التوبة:39]، الله صادقٌ في وعده ووعيده، {لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ}[الزمر:20]؛ ولـذلك يصنع المتغيرات، وترى الأُمَّة العقوبات العاجلة في الدنيا؛ أمَّا في الآخرة فالأمر خطير جدًّا، الوعيد هو بجهنم، الوعيد هو بنار جهنم، {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا}[التوبة:81]، الوعيد في هذه الآية بنار جهنم لمن؟ وعلى ماذا؟ لمتخاذلين، وعلى تخاذلهم، المسألة خطيرة جدًّا.
كلَّما زاد طغيان العدو الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وكلَّما زاد ظلمه، كلَّما كبرت مأساة الشعب الفلسطيني ومعاناته؛ نتيجةً لهذا الإسهام العربي بالتخاذل والتواطؤ؛ كلَّما عظمت المسؤولية أكبر على هذه الأُمَّة، يعني: ليست المسألة أنه كلَّما طال الوقت والأُمَّة في تجاهل، والأُمَّة في تخاذل، انتهى الموضوع، وأصبحت الأحداث التي تحصل في شعب فلسطين، والمظلومية الكبرى على الشعب الفلسطيني، مجرَّد أحداث اعتيادية روتينية يومية عند الكثير من الناس، انتهى الموضوع، المسألة خطيرة على هذه الأُمَّة، بل تعظم المسؤولية، يكبر الوزر، يعظم الذنب، وتكبر معه العقوبة الإلهية في الدنيا والآخرة، المسألة خطيرة على هذه الأُمَّة.
لا تظنوا أيُّها المسلمون أنَّ الحساب والعقاب ليس فقط إلَّا على مسألة الصلاة والصوم والصيام، وعلى جرائم محدودة معيَّنة، بل حينما تكون الأُمَّة مسهمة في صناعة أكبر إجرام على مستوى العالم، مساهمة في ذلك بتنصُّلها، وتفريطها، وتخاذلها، وتواطؤ البعض منها، فهي تُعَرِّض نفسها لعقوبة كبيرة من الله 'سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى'، وهذا حصل للمسلمين في تاريخهم، كم تخاذلوا عن مثل هذه القضايا؛ فعوقبوا.
انظروا في تاريخ المسلمين فيما يتعلَّق بالحروب الصليبية، وفيما يتعلَّق بالمغول، والحروب مع المغول، كان المسلمون في بقية الأقطار يتفرَّجون على قطرٍ هناك، وبلدٍ إسلاميٍ هناك، يُفْعَل فيه مثلما يُفْعَل في فلسطين اليوم، أو قريباً منه، لم يكن الأعداء آنذاك يمتلكون مثل الوسائل التي يمتلكها العدو ال