اخبار اليمن
موقع كل يوم -شبكة الأمة برس
نشر بتاريخ: ٢٨ حزيران ٢٠٢٥
في عالم الأعمال المتسارع والمتغير باستمرار، يصبح التفويض أكثر من مجرد مهارة إدارية، إنه فن ضروري لقيادة ناجحة، ولتحقيق الإنجازات وتحرير الوقت والطاقة للتركيز على الأمور الهامة، بحسب الرجل.
وعندما يكون المديرون مثقلين بالعمل، فإن النصيحة القيادية المعتادة هي تفويض المزيد من المهام، ولكن ماذا لو قمت بتفويض كل ما تستطيع تفويضه وما زال عبء العمل يفوق طاقتك؟ وماذا لو كان فريقك غارقًا أيضًا في المهام ولا يمكنه تحمّل المزيد من الأعباء؟ كيف يمكن المحافظة على الإنتاجية رغم ذلك؟
الإجابة تكمن في استراتيجيات إعادة تقييم وإعادة هيكلة العمل الذي تقوم به أنت وفريقك، لتوفير المزيد من الوقت والطاقة.
التفويض: سر المدير الذكي
تفويض المهام هو فن على كل مدير اتقانه
التفويض هو حجر الزاوية في فن الإدارة، وهو ليس مجرد توزيع للمهام، بل نقل جزء من المسؤولية والسلطة من المدير إلى أعضاء فريقه، مع احتفاظه بالمساءلة النهائية، وذلك وفق تعريف 'هنري فايول'، أب الإدارة الحديثة ضمن مبادئه الأربعة عشر للإدارة.
ومنذ أوائل القرن العشرين شدد رواد الأعمال مثل 'فريدريك تايلور'، و'فايول'، على أهمية هذا المفهوم في بناء فرق ناجحة وفعالة، فالمدير الناجح كقائد أوركسترا، لا يعزف كل الآلات ولكنه يوزّع المهام على الموسيقيين، ويشرف عليهم لتكون النتيجة مبهرة.
ورغم وضوح فوائد هذا التوزيع، يواجه المديرون تحديات عديدة عند تطبيقه، فقد تجد مديرًا يتردد في تسليم المهام خوفًا من فقدان السيطرة، أو آخر يواجه صعوبة في الثقة بقدرات فريقه، خصوصًا عندما يكون الفريق مكوّنًا من أعضاء لا يملكون الكثير من الخبرة.
وأحيانًا قد تكون المشكلة في غموض المهام نفسها أو نقص الدعم اللازم لإنجازها بشكل صحيح، ولا ننسى طبعًا معضلة 'أنا الأسرع'، حيث يرفض المدير التفويض بحجة أن إنجاز المهمة بنفسه أسرع من تدريب الآخرين عليها.
تخيل مديرًا يحمل عبء كل المهام بنفسه، بينما فريقه ينتظر التوجيهات، والنتيجة مدير منهك لا يملك الوقت لإدارة فريقه الذي بدوره لا يملك التعليمات أو الخبرة للمساعدة، وهذا الواقع يؤكد أن التفويض ليس مجرد توزيع المهام، بل فن يتطلب توازنًا دقيقًا بين الثقة والوضوح والتمكين.
استراتيجيات التفويض: حتى عندما لا يكون ممكنًا!
حتى مع إتقان هذا الفن وتحقيقك التوازن المثالي بين العناصر قد تصل إلى مرحلة يكون فيها الجميع مثقلًا بالمهام، وهنا التفويض يكون غير كافٍ وأحيانًا غير ممكن، في هذه الحالة، عليك إعادة التفكير في آلية العمل وطريقة توزيعه.
قوة مفهوم 'جيد بما يكفي':
محاولة جعل كل مهمة مثالية مقاربة غير واقعية، ترهق فريق العمل وتهدر الطاقة وتبطئ التقدم، والحل ببساطة هو اعتماد مبدأ 'ملائمة للغرض'.
ومبدأ ملائمة الغرض هو مفهوم ظهر في منتصف القرن العشرين، ويُعزى إلى عدد من رواد الأعمال الذين ركزوا على فكرة بسيطة تتلخص في: تحقيق الهدف المطلوب دون أي إضافات أو تعقيدات غير ضرورية. وببساطة، الفكرة تقول إن كوب الماء لا يحتاج لأن يكون مصنوعًا من بلور فاخر ليؤدي وظيفته في إرواء العطش.
هذا المبدأ هو الأساس الذي انطلق منه 'جوزيف جوارن' في كتابه 'الملاءمة للاستخدام Fitness for use'، والذي طوّره لاحقًا 'إدواردز ديمنغ'، الذي ركز على الكفاءة الوظيفية كأساس للجودة.
وعندما نتحدث عن تطبيق المبدأ، فإننا نعني تقديم الجهد المناسب لنوعية المهمة، دون تعقيدات غير ضرورية. فمن المهم أن تسأل نفسك: أين يمكنك وفريق عملك تقديم عمل بجودة مقبولة تلبي التوقعات، دون بذل مجهود إضافي؟ وأين يمكنك تبسيط الإجراءات وتقليل التفاصيل لتوفير الوقت والطاقة؟
على سبيل المثال، هل يمكن اختصار التحديثات الأسبوعية وجعلها نقاطًا كبديل عن التقارير المطولة؟ هل يمكن الاستعانة بأدوات الذكاء الاصطناعي للمهام الروتينية؟
فبدلًا من إرسال تقارير مطولة ومنقحة لمجلس الإدارة، يمكن توفير الكثير من الوقت بإرسال خلاصات سريعة غير منقحة، تركز على النقاط الأساسية. كما يمكن خلال فترات الضغط تقليل عدد الاجتماعات ومدتها، وذلك لتتمكن من السير قدمًا خلال فترة منهكة وصعبة.
تحديد وإزالة المهام منخفضة القيمة:
الكثير من المهام التي نقوم بها يوميًا لا تضيف قيمة حقيقية للعمل، ولكننا نقوم بها دون وعي، إذ إنها تتحول إلى عادات تستهلك الوقت والجهد.
ووفق تقرير نُشر في مجلة “هارفرد بيزنس ريفيو” للكاتبين 'فرانس فان لوف'، وهو مدرب متخصص في مساعدة القادة والفرق المثقلة بالعمل، و'جوردان ستارك'، الشريكة في “نكست ستب بارتنرز”، فإن تحديد المهام منخفضة القيمة يحتاج عادة إلى جولتين. وإليك طريقة بسيطة ينصح بها التقرير لتحديد هذه المهام:
اطلب من كل عضو من الفريق تحديد المهام التي يمكن التخلص منها.
خلال هذه المرحلة سيقترحون مهام يقوم بها الآخرون، وهذه خطوة تمهيدية جيدة.
اطلب من كل فرد أن يفكر في المهام التي يمكنه هو شخصيًا التوقف عن القيام بها إذا كان أسبوع عمله أقصر يومين.
وعند رؤية الصورة شاملة من منظورين مختلفين، ستتمكن من تحديد المهام منخفضة القيمة التي يمكن حذفها. وبطبيعة الحال، عليك كمدير التأكد من أن حذف بعض المهام لا يؤثر سلبًا على العملاء أو الزملاء أو الموارد المالية قبل اتخاذ القرار.
إليك مثال لتوضيح الفكرة أكثر: لاحظ مدير فريق تمريض أن الممرضات مثقلات بالأعمال الإدارية، ولا يجدن الوقت الكافي لرعاية المرضى كما يجب. وبعد نقاش معمق قرروا التوقف عن ملء قائمة تحقق مؤلفة من 100 سؤال لكل مريض، والاكتفاء بتسجيل الحالات غير الاعتيادية فقط. المقاربة هذه وفّرت لكل ممرضة بين 3 و4 ساعات أسبوعيًا.
قلّل تواجدك بشكل استراتيجي:
كثير من القادة يعتقدون أنهم بحاجة إلى أن يكونوا متاحين بشكل دائم، لكن هذه المقاربة تؤدي إلى خلق فريق يعتمد عليهم أكثر مما ينبغي. لذلك، عليهم منح الفريق مساحة أكبر وفرصة لأخذ زمام المبادرة.
على سبيل المثال، لو كنت تعمل على أكثر من مشروع، والمهام التي عليك إنجازها لا تُعد ولا تُحصى، يمكنك أن تقترح على فريقك أن تكون متواجدًا في بداية المشروع، تتابع مرة أو مرتين خلال التنفيذ، ثم تحضر الجلسة الختامية، أو تتوفر كمستشار عند الحاجة فقط.
هذا التغيير يمنحك الوقت للتركيز على ما هو أهم، كما يمنح الفريق شعورًا بالاستقلالية والثقة، ما يمكنهم من إنجاز الأعمال بشكل أسرع.
لتطبيق هذه الاستراتيجية، اطرح على نفسك الأسئلة التالية:
ما هي المشاريع أو المبادرات التي أشارك فيها أكثر مما يجب؟ وما الذي يمكنني الانسحاب منه تمامًا؟
كيف يمكنني تقليل مشاركتي مع استمرار دعم الفريق؟
هل يمكن الاعتماد على التحديثات غير المتزامنة مثل البريد الإلكتروني أو التقارير بدلًا من الاجتماعات؟
هل يمكن استبدال الاجتماعات الطويلة بجلسات مختصرة؟
كن مبدعًا في تقليل تواجدك حيثما أمكن، واشرح لفريقك وللزملاء الدوافع وراء ذلك كي يفهموا موقفك.
ومن خلال هذه الاستراتيجيات، يمكنك إعادة هيكلة العمل خلال الفترات الصعبة، وتفويض المهام بطريقة فعالة تحافظ على الإنتاجية من دون أن تُرهق نفسك أو فريقك.