اخبار اليمن
موقع كل يوم -الثورة نت
نشر بتاريخ: ٣١ تشرين الأول ٢٠٢٥
تحليل / أبو بكر عبدالله
فيما تستعد القاهرة لاستضافة مؤتمر إعادة إعمار غزة في نوفمبر القادم، يتعاطى كثير من الدعمين الدوليين مع هذا المؤتمر بفتور في ظل الحسابات السياسية والأمنية التي صارت اليوم تشكل عقبة أمام خطة جمع التمويلات المالية اللازمة للإعمار، وبالتالي تأخير تفعيل هذا الملف الذي ينتظر الغزيون بفارغ الصبر البدء بتنفيذه لضمان توفير المأوى لنحو مليون نسمة يعيشون في مخيمات أو في بنايات مدمرة.
قياساً بكل ملفات خطة الرئيس ترامب إنهاء حرب غزة، يقبع ملف إعادة الإعمار في ذيل قائمة الأولويات رغم الاستحقاقات الإنسانية الملحة لهذا البند الذي يُنتظر أن يأوي نحو مليون ونصف المليون نسمة مشردون أو يقطنون مخيمات أو يقيمون في مبان مهدمة وسط محيط من الخراب غير القابل للحياة.
منذ وقت مبكر كانت العديد من الأصوات تدعو إلى وضع ملف إعادة الإعمار ضمن استحقاقات المرحلة الأولى من الخطة نتيجة الدمار الهائل في مدن القطاع، وتعرض أكثر سكانه للتشرد واحتياجاتهم الملحة للمأوى تماما مثل احتياجاتهم للغذاء والدواء خصوصا مع اقتراب فصل الشتاء القارس، إلا أن التمويلات لهائلة لإعادة الاعمار وضعته في مراحل تالية وضعت في الحقيقة سكان غزة أمام طريق طويل لبلوغ حالة الاستقرار.
طبيعة الخراب الذي أحدثته الحرب الإسرائيلية والذي طاول كل مظاهر الحياة جعل إعادة الإعمار عملية شاملة وممتدة لا تقتصر على إعادة بناء المساكن والجدران فقط، بل تشمل مساقات متعددة تستهدف إيجاد المأوى وإحياء الأرض والإنسان والبيئة القابلة للعيش بصورة عامة.
وطبقا لتقييم مشترك بين الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، قُدرت تكاليف إعادة الإعمار بحوالي 70 مليار دولار، تشمل إعادة بناء قطاعات الإسكان والبنية التحتية للمياه والكهرباء والصحة والتعليم والطرق وصولا إلى الحجم الهائل للأنقاض التي تمثل بحد ذاتها تحدياً كبيراً وتحتاج إلى سنوات لإزالتها.
وتقديرات الخبراء تشير إلى عملية معقدة قد تستغرق وقتًا طويلا ربما يزيد عن عشر سنوات، في حين حددت مدى زمني قدره ثلاث سنوات للاحتياجات قصيرة الأجل بكلفة مالية قدرها 20 مليار دولار للإيواء الطارئ واستعادة الحد الأدنى من الخدمات الأساسية.
لكن الإشكالية تكمن في أن العمل بهذا البند لم يبدأ بعد، والوقت الطويل الذي تحتاجه ترتيبات الشروع فيه مرهونة بما يتم إنجازه من استحقاقات المرحلتين الأولى والثانية من الخطة التي انطلقت في 10 أكتوبر الجاري بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن، ولا يزال أمامها الكثير من الوقت لتنفيذ استحقاقات المرحلة الصعبة من الاتفاق المتمثلة بتفكيك 'حماس' ونزع سلاح فصائل المقاومة بشكل عام، وتشكيل قوة استقرار دولية، فضلا عن تشكيل إدارة فلسطينية دولية تتولى الإشراف على جهود إعادة الإعمار.
لكن ما حدث في الواقع كان مفاجئا، حيث سجل اليوم الأول بعد إعلان وقف الحرب، عودة مئات الآلاف من النازحين إلى مناطقهم حيث رصدت الأمم المتحدة حركة أكثر من 470 ألف مدني تحركوا نحو منازلهم المدمرة في شمال القطاع واضطر كثير منهم إلى الإقامة في خيام، لأن منازلهم لم تعد موجودة.
والكابوس الذي ينتظر هؤلاء وغيرهم، هو عدم وجود موعد محدد لبدء عملية الإعمار التي قد تستغرق 10 سنوات أو أكثر، بما يعني بقاء معظم سكان القطاع في حال تشرد طويلة، في ظل انعدام مقومات الحياة التي قد تساعد الغزيين على المبادرة لإعادة بناء مساكنهم وإعادة بناء الحد الأدنى من مظاهر الحياة.
وكل ما تم تجاه بند إعادة الإعمار حتى الآن هو تحضيرات لمؤتمر دولي مقرر عقده في العاصمة المصرية القاهرة في نوفمبر المقل، كأول منصة لوضع آليات العمل والخطط والتفصيلية، وكذلك خطة التمويلات والمانحين المحتملين لهذا المشروع الذي يوصف بأنه أكبر عملية بناء في القرن الـ 21.
دمار شامل
أدت الحرب الإسرائيلية الوحشية في قطاع غزة إلى حدوث دمار هائل وشامل، طال البنية التحتية والمناطق السكنية وشبكات الطرق بشكل غير مسبوق.
وطبقا لتقديرات المسؤولين المحليين في القطاع، فإن نحو 1.5 مليون فلسطيني فقدوا منازلهم خلال عامي الحرب في حين طاول الدمار أكثر من 80 % من المباني السكنية والمنشآت الخدمية بواقع 300 ألف وحدة سكنية بشكل كلي و200 ألف بشكل جزئي في حين قدرت تقارير الخبراء دمار 90 % من البنية التحتية المدنية.
وبصورة تفصيلية، فقد دمرت الحرب الإسرائيلية نحو 300 كم من شبكات المياه ونحو 85 % مرافق المياه والصرف الصحي، بما في ذلك جميع محطات معالجة مياه الصرف الصحي الست في غزة والتي تضررت بشكل كبير.
كما دمرت الحرب نحو 95 % من مدارس القطاع، وأُخرجت 25 مستشفى من أصل 38 عن الخدمة، فضلا عن الدمار الذي طاول 103 مراكز للرعاية الصحية الأولية.
اما خدمات الكهرباء، فهي اليوم مقطوعة بشكل كامل، مما أثر على جميع مناحي الحياة، في حين دمر قطاع الاصطياد السمكي بشكل شبه كلي بخسائر تقدر بـ 65 مليون دولار، وقضية الركام المتشكل من جراء هذا الدمار، ينظر اليها اليوم بكونها معضلة كبيرة، حيث يقدر حجم الركام ما بين 37 ـ 55 مليون طن، منتشر في كامل تراب القطاع ويتعين إزالته أولا في ظل ظروف إنسانية صعبة تتمثل في الحاجة إلى انتشال جثامين 9 آلاف مدني يعتقد أن جثامينهم مدفونة تحت الأنقاض، ناهيك عن التحديات الأمنية البالغة الصعوبة والمتمثلة نحو 20 ألف قذيفة وصاروخ غير منفجر تحت الركام فضلا عن احتواء الركام على أكثر من 8 آلاف طن من مادة الأسبستوس الخطرة.
وللمقارنة، فقد أعلن مسؤولون في الأمم المتحدة أن كمية الركام التي يتعين إزالتها في غزة، أكبر من تلك الموجودة في أوكرانيا، رغم أن طول غزة لا يتجاوز 25 ميلاً بينما تمتد جبهة القتال في أوكرانيا لحوالي 600 ميل.
خطط متعددة
حتى اليوم هناك العديد من الخطط المقترحة لإعادة إعمار غزة، تتوزع بين خطط دولية تركز على الربط بين الإعمار والضمانات الأمنية، وأخرى تؤكد على أولوية الحل السياسي والقيادة الفلسطينية للعملية، وسط تباينات في الشروط والأهداف وآليات التمويل والجدول الزمني.
خطة الرئيس ترامب تذهب إلى الجمع بين الأمن والتمويل والحوكمة، وتقترح تشكيل هيئة دولية مؤقتة للإشراف وإدارة فلسطينية تكنوقراطية انتقالية وتمويل متعدد الأطراف، ومرحلة للتعافي تمتد إلى 36 شهرا تشمل خدمات أساسية وبرامج محدودة، كما تقترح أن يبدأ الإعمار الفعلي في 'المناطق الآمنة'.
هذه الخطة تحظى بتأييد إسرائيلي مع تعديلات تقضي بتقسيم غزة لمنطقة خاضعة لسلطة جيش الاحتلال وأخرى، تشمل المناطق خارج سيطرتها وتقترح حصر جهود الإعمار على المنطقة الخاضعة لإسرائيل. ومدى استجابتها للحاجات الإنسانية منخفضة جدًا، في حين يخشى منها في أن تقسيم القطاع سيعمق الأزمة الإنسانية ويعرقل وصول المساعدات بصورة موحدة.
والعمل بهذه الخطة مرهون بشروط أمنية تتمثل في الانتهاء من استحقاقات المرحلة الثانية، ولا سيما نزع سلاح حماس وتشكيل سلطة تكنوقراط فلسطينية انتقالية بمشاركة دولية، وهي شروط قد تعطل جهود الاستجابة العاجلة.
وثمة خطة اقترحتها جامعة الدول العربية وهي تقترح إعادة إعمار القطاع خلال 5 سنوات بتكلفة تقديرية 53 مليار دولار، لكنها أيضا مشروطة بإنجاز بنود المرحلتين الأولى والثانية من خطة انهاء الحرب.
والحال لا يبدو مختلفا من ناحية التأخير في الخطة الأممية التي تشترط حلا سياسيا كأساس للإعمار، كما تقترح قيادة الأمم المتحدة مؤتمرات تمويل دولية واستثمار في برامج 'كاش مقابل العمل' بفارق أنها تعطي أولوية للإغاثة الفورية وإعادة الخدمات الأساسية وحماية الوجود الفلسطيني بغزة.
ومن بين هذه التقاطعات، يمكن الحديث عن سيناريوهين إثنين لإعادة الاعمار، الأول متفائل يفترض التطبيق الكامل لبند إعادة الإعمار، بطريقة سلسلة في كل قطاع غزة، كنتيجة لالتزام الأطراف بتنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية من الخطة، ولا سيما في ملفي نزع سلاح 'حماس' ونشر قوة الاستقرار وتشكيل الإدارة الفلسطينية الدولية المؤقتة.
والسيناريو الثاني متشائم إلى حد كبير، وهو يفترض ببساطة عدم تنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية من الخطة وبالتالي فتح الطريق لمشاريع أحادية من جانب حكومة الكيان التي تبدو مستعدة لتقسيم غزة وإعادة إعمار الأجزاء الواقعة تحت سيطرة جيش الاحتلال، بما يجعل المناطق الأخرى مدمرة وغير صالحة للحياة، وربما مسرحا لحرب مفتوحة طويلة.
تحديات عميقة
كافة الخطط المطروحة لإعادة إعمار غزة، ستواجه حتما تحديات كبيرة، يتصدر ذلك الشروط السياسية والأمنية التي يطرحها المانحون الإقليميون والدوليون، للمشاركة في تمويل مشروع إعادة الإعمار.
يتساوى في ذلك الأمريكيون والإسرائيليون وكذلك المانحون العرب والأجانب، حيث تربط إسرائيل وحلفاؤها بين عملية الإعمار واستعادة جثامين جميع الأسرى الإسرائيليين، وتصر على نزع سلاح المقاومة بشكل كامل، كما تشترط ضمانات أمنية، وإجراء إصلاحات في السلطة الفلسطينية.
وتربط العديد من الدول الخليجية مثل الإمارات والسعودية تقديم التمويل بشروط سياسية وأمنية يتصدرها استبعاد 'حماس' من الحكم وضمانات بعدم تجدد الحرب، وتنفيذ خطة إصلاحات للسلطة الفلسطينية.
وثمة تعقيدات إضافية على صلة بالخلاف الدولي القائم حول شكل الإدارة الدولية التي ستشرف على غزة خلال مرحلة الإعمار، بين رؤية أمريكية تدعو لإدارة دولية 'تكنوقراط' وخطط عربية تسعى لعودة السلطة الفلسطينية في ظل تحفظات وشروط من حركة 'حماس'.
والتعقيدات تأتي من كون استحقاقات المراحل الأولى والثانية من الخطة والتي يطالب المانحون المحتملون إنجازها كشرط لتمويل جهود الاعمار، ستحتاج إلى مدى زمني طويل، ربما يمتد لسنوات خصوصا مع الشروط التي تطالب بأجواء استقرار تضمن عدم تجدد الحرب.
والعديد من الدول المانحة لا تزال تشترط ربط التمويل بوجود خطة سياسية واضحة تؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية على أساس 'حل الدولتين' وهي مسألة محاصرة بتعقيدات يصعب التوقع بتخطيها خلال السنوات القادمة.
وحتى مسألة وجود سلطة فلسطينية انتقالية تتمتع بصلاحيات تمكنها من إدارة وتنسيق جهود إعادة الإعمار، لا يزال طموحا يواجه عقبات، وغيابها سيخلق على المدى القصير فراغا قد يؤدي إلى جهود مجزأة ومخاطر سوء إدارة الأموال ستنعكس على حركة تدفق التمويلات.
وبصورة عامة، فإن أكثر ما يخشاه المانحون هو استثمار مليارات الدولارات لمشروع إعادة الإعمار في ظل مخاطر أن تتعرض أي جهود للدمار نتيجة تجدد الحرب، وهو أمر لا يزال حتى اليوم يضعف الحوافز التمويلية لدى سائر المانحين المحتملين.
وإلى جانب ذلك، تواجه خطة التمويل، تحفظات خليجية وعربية واسعة تتجاوز الجانب المالي إلى أبعاد استراتيجية وسيادية عميقة، وهو أمر عبرت عنه بوضوح الجامعة العربية التي طالبت بأن يتم ربط أي ترتيبات أمنية وسياسية بخطة طويلة الأمد تتيح إنشاء دولة فلسطينية كاملة السيادة وفق لحل الدولتين.
هذا المشهد تتصدره اليوم السعودية التي يعول عليها الرئيس ترامب كأكبر ممول محتمل لخطة الإعمار، وهي تشترط للمشاركة في التمويل إقامة سلطة فلسطينية موحدة قابلة للاستمرار، كون إعادة الإعمار بلا تغيير سياسي ليس أكثر من 'إعادة إنتاج للأزمة '.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن أي خطة يجب أن تبتعد عن كل هذه التعقيدات وأن تبدأ فورا بجهود الإغاثة والتعافي المبكر، وإعطاء الأولوية لتوفير المأوى والمياه النظيفة والرعاية الصحية بشكل عاجل، إلى جانب إطلاق البرامج الأممية بصورة عاجلة كبرنامج 'النقد مقابل العمل' الذي يمكن أن يوفر دخلاً فورياً للأسر ويساعدها في إعادة بناء مساكنها وإزالة ركام الأنقاض.
يتطلب الأمر أيضا بناء أي ترتيبات في هذا البند بطريقة تلبي الاحتياجات الإنسانية العاجلة، والتحرك المتعدد في مسارات جهود الإيواء وإزالة الأنقاض الخطرة، مرورا باستعادة الحد الأدنى من الخدمات الضرورية كالمياه والكهرباء والصرف الصحي في ظل إدارة فلسطينية تتيح للمؤسسات المحلية المشاركة في التخطيط والتنفيذ، بما يضمن أن تكون جهود إعادة الإعمار أكثر فعالية واستجابة للاحتياجات الإنسانية العاجلة.
إسرائيل بين الهدنة وسيولة النار.. واقع جديد في غزة يكرّس الاحتلال
ٹ/ متابعات
في الوقت الذي تتحدث فيه إسرائيل والولايات المتحدة عن مرحلة تهدئة في قطاع غزة، تتواصل العمليات العسكرية بوتيرة متفاوتة، لتكشف ما يصفه محللون فلسطينيون بأنه “هدنة مشروطة بالنار”، حيث يختلط الحديث عن وقف إطلاق النار باستمرار القصف والاغتيالات، وسط صمت دولي وتبرير أميركي متكرر لما يجري.
ونفذ جيش الاحتلال منذ مساء الثلاثاء، عشرات الغارات على أرجاء قطاع غزة أسفرت عن أكثر من 100 شهيد بينهم 35 طفلا وعشرات الإصابات، في أقل من 12 ساعة، قبل أن يعلن عند العاشرة من صباح اليوم استئناف وقف إطلاق النار بناءً على توجيهات المستوى السياسي.
واستأنف جيش الاحتلال عمليات القتل في غزة بحجة مقتل جندي إسرائيلي برصاص قناص في رفح الخاضعة لسيطرة إسرائيلية كاملة، وهو الحدث الذي نفت المقاومة علاقتها به بشكل قاطع. ومع ذلك، سارعت سلطات الاحتلال إلى توظيف الحدث كغطاء لاستئناف الحرب، في استمرار واضح لسياسة خرق اتفاق وقف إطلاق النار، الذي لم تلتزم إسرائيل منذ لحظة إعلانه.
ويقول الخبير العسكري العميد حسن جوني إن الغارات الجوية وعمليات القتل التي تمارسها قوات الاحتلال تجاه كلما تعتبره خرقاً للاتفاق، يرمي إلى فرض وضع جديد عقب المرحلة الأولى من الاتفاق، يشمل “استهداف واغتيال” مقاتلين معينين بذريعة انتهاك تفاهمات أو إعادة بناء بنى تحتية للمقاومة.
وحذّر الخبير العسكري من أن تحويل هذا النهج الإسرائيلي إلى سلوك متكرر يشكل خطرا إذا ما استمر.
سيولة النار
في حين، يرى الكاتب والمحلل السياسي علاء الريماوي، أن إسرائيل وواشنطن تتبنيان شكلاً جديدًا من وقف إطلاق النار، يقوم على إبقاء اليد العسكرية طليقة مع الحفاظ على صورة سياسية هادئة.
ويشير الريماوي في حديث لمراسل المركز الفلسطيني للإعلام إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يعتمد ما يسميه بـ “سيولة النار”، أي تنفيذ عمليات محدودة ومستمرة ضد أهداف يراها تهديدًا أمنيًا، دون أن يُعتبر ذلك خرقًا رسميًا للهدنة.
ويضيف أن إسرائيل تسعى لتسويق نفسها أمام العالم كطرفٍ ملتزم بالتهدئة، بينما تقدم للولايات المتحدة رواية مغايرة تزعم فيها أن هناك تهديدات أمنية مستمرة تبرر العمليات العسكرية في غزة ولبنان وسوريا.
أما واشنطن، فيبدو أنها تتبنى هذه الرؤية، ما يمنح الاحتلال مساحة للتحرك العسكري دون ضغط سياسي فعلي.
ويؤكد الريماوي أن الخطة الإسرائيلية في قطاع غزة تقوم على ثلاث ركائز رئيسية: الأولى الاغتيالات المستمرة لشخصيات وازنة تعتبرها قوات الاحتلال مؤثرة في بنية المقاومة.
أما الركن الثاني فهو الضغط الاجتماعي والميداني عبر استمرار القصف وهدم البنية التحتية وإضعاف البيئة المدنية.
في حين أن الركن الثالث هو إعادة ترتيب الجغرافيا من خلال توسيع المناطق التي تصفها إسرائيل بـ«الآمنة»، وخلق مناطق نفوذ لمجموعات مسلحة موالية لها، في محاولة لتكريس واقع أمني وجغرافي جديد يقسم القطاع إلى مناطق تحت سيطرة المقاومة وأخرى خاضعة للاحتلال.
ذرائع للسيطرة النارية
وفي الإطار ذاته، يقول الكاتب السياسي عزيز المصري، إن الخرق المزعوم الذي سوغه نتنياهو وجوقته للتصعيد، هو الاستعراض الإعلامي في طريقة تصوير واستخراج جثة المحتجز الإسرائيلي في خانيونس بشكل استعراضي.
ويقول في منشور على موقع فيسبوك، إن الإدارة الأمريكية ردت على هذا المبرر بالقول “هذا خرق معنوي وليس مادي ولا يستحق الرد وأن حصل رد يجب أن يكون في أضيق صورة لإشباع الغرور”، مشيرا إلى تبخر الحدث الأمني المزعوم في رفح، لأنه لم يكن موجود أساساً.
ويضيف أن ما يجري هو محصلة أمنية لعملية جمع بنك أهداف في فترات التقاط الأنفاس منذ إعلان وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر الجاري، “اخترع حجة للتصعيد لإشباع الغرور والسطوة والسيطرة.. هذا السيناريو الإسرائيلي في التعامل هذه الفترة”.
هدنة على الورق
من جانبه، يرى الباحث السياسي عماد أبو عواد أن ما يحدث في غزة ليس وقفًا لإطلاق النار بقدر ما هو إدارة مدروسة لوتيرة إطلاق النار.
ويقول أبو عواد في تصريح لمراسل المركز الفلسطيني للإعلام إن الخروقات اليومية التي تشهدها غزة، وسقوط الشهداء المستمر، يعكسان محاولة إسرائيلية لإبقاء الهدنة ضمن القدرة على التصعيد، بحيث تظل قادرة على فتح النار متى شاءت، تحت ذريعة “الرد على انتهاكات المقاومة”.
ويضيف أن إسرائيل تحاول إقناع واشنطن والعالم بأنها أوقفت الإبادة وتدافع عن نفسها، بينما تستمر فعليًا في تشويش الحياة اليومية داخل القطاع، وإبقاء الوضع الإنساني والأمني في حالة احتقان دائم.
ويشير إلى أن الولايات المتحدة تتجاوب مع هذه الرواية، ما يتيح لإسرائيل ممارسة تصعيدها دون خوف من المساءلة الدولية.
الوسطاء بين الواقع والمأزق
ويرى أبو عواد أن الاحتلال يفهم الهدنة من منظوره الخاص، فهي لا تعني إنهاء الحرب، بل مجرد تجميد العمليات الكبرى مع إبقاء خيار التصعيد مفتوحًا.
ويحذر من أن استمرار هذا النمط يجعل دور الوسطاء – خصوصًا مصر وقطر – أكثر صعوبة، إذ يتطلب منهم كبح الخروقات الإسرائيلية المتكررة ومنع تحول الهدنة إلى غطاء لاستمرار العدوان.
ما بين رؤية الريماوي والمصري وتحليل أبو عواد، تبدو صورة الواقع في غزة متناقضة: هدنة تُعلن سياسيًا، لكنها تُخرق ميدانيًا؛ وهدوء يُسوَّق إعلاميًا، بينما تستمر نيران الحرب المنضبطة في التهام ما تبقّى من مقومات الحياة في القطاع.







 
  
  
  
  
  
  
  
  
  
 











































 
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
  
 