اخبار اليمن
موقع كل يوم -شبكة الأمة برس
نشر بتاريخ: ٢٥ حزيران ٢٠٢٥
محمد علي اللوزي*
من اول خيط يشدك الى سرديته، لتتابع التحولات والاحداث منذ الطفولة، السنين الاولى،لطفلين بريئين (عصام و دنيا) بنزوع الى الحب والاشتهاء البريء للآخر وتعلق يكبر مع الايام والسنين، ويتحول الى وجد وشوق وآهة وكثير من الحنين والالتياع.
إنه الحب البريء الطاهر الطفولي، وذكريات اللعب والمنادمة، وهدايا الحلوى وتبادل الابتسامات.
حتى يصير اگثر معنى، مع اشتداد العود وبلوغ سن الزواج.
للحبيب هنا معنى آخر، وهو يتوارى ويكاد يغيب عن الناظر، فيماهو محتل للقلب والذاكرة في أدق التفاصيل وأجمل الذكريات ، وتسأل ماذا بعد؟! ولما كل هذا الشرود والتعب والسهر والقلق.؟! اي حب هذا الذي يتملك المشاعر كلها؟!
هكذا الروائي (عبد الباري العرشي) بمداد قلبه يصيغ سرديته المدهشة، التي تأسرنا وتأخذنا الى فضاءات واسعة، لنعرف معنى الطفولة والشباب فالرجولة، ولكل مرحلة طعمها ومذاقها وأحداثها وتحولاتها، التي تارة تقبل على القلب فتنعشه، وأخرى تنأى عنه فلاتبقى سوى الحيرة والقلق من قادم لايجيء، من حب لايتوج بفرح.
( عبد الباري العرشي) في سرديته يبرع في فهم البعد الأخلاقي للصداقة، فيرسمه بجماليات روحه المترعة بالوفاء، يأخذنا الى عوالم من الصداقات التي تداري الآخر، تؤازره، تقف معه، وتمنحه الثقة بالغد.
ل(لعرشي عبد الباري) أكثر من حضور يرقى الى مستوى عال من الترابط الدلالي والجمالي، فيسرد لنا بأناقة حرفه انتظام الحدث وتآزره وتناميه، عن الدراسة في الجامعة وما يكتنفها من محطات تلاقي بين ماض ولى، ومستقبل يفر من بين الاصابع، وبحث عن نقلة اخرى عن وجدانيات تردم السابق، وتعوضه عن تعب لازمه إن استطاع الى ذلك سبيلا.
بطل الكاتب (عصام) في روايته، بريء، وقلق، وجواب أمكنة يتنفس فيها الصعداء، ويداري الحلم المترحل من شجن الى شجن، الى تبرم ووجع متلاحق، بشيء من السهر والانكباب على الفن ومنادمة الصحب لعل شيء ما يعيد له ترتيب زمن آخر.
البطل في الرواية يلتقي بكثير من الزملاء، وكل له عالمه وحكايته، وحتى أستاذه في الجامعة بذات الروح المحبة والحظ العاثر، الجميع هنا يتقاسمون الحلم ويغرقون في المشاعر، ويهزمون ثم يعودون للعيش كيفما اتفق، كما هو حال استاذه في الجامعة. يرسم( عبد الباري العرشي) شخصيات روايته باحتراف عال، بقدرة على سبر اغوار نفسياتها، ويضيف عليها الكثير من الاحداث، بما يجعل لسرديته قوة تأثير بالغه لاتستطيع معها إلا أن تتابع الحدث من اوله حتى النهاية، فالاحداث تتصاعد لتبلغ ذروتها مكللة بزواج الشخصية الاولى في الرواية (عصام) من فتاة الجامعة يلتقيها وتنجذب اليه ليصيغا معا حياتهما من جديد لقد قرر(عصام) إحداث مايستحق ان يجعل للحياة معنى، ويخرجه من جراحاته وذكرياته وأمانيه وأحلامه، لذلك نراه هنا يختار الزيجة، ويجعل من القادم منعطفا لتكوين سيرة أخرى بزواجه الذي يستقر عليه، ويعيد له توازنه، وترتيب اولوياته في الحياة المقبل عليها.
بطل الرواية عصام عند الاستاذ (العرشي) مرهف الحس والمشاعر، يقع على كثير من الاحزان من موت والدته، الى وفاة أبيه، الى حب لايكتمل بتوويج لقاء.
( العرشي) في رسمه معالم شخصية (دنيا و عصام) وهما محور ومرتكز الرواية، وبطلاها اللذان يطلان على عالمهما ببراءة الاطفال، وهما ينتظران الغد حتى إذا ماوصلا اليه تفرقا لسبب لايعد سببا، وهو مقياس العمر فكلهما في سن متقاربة ولابد لتزويج (دنيا) من رجل يكبرها سنا.
هكذا تتحطم اماني وتتعثر احلام لسبب لامعنى له، لكنه تقاليد العائلة، في كل الاحوال الرواية كتجربة اولى تبقى في مصاف الروايات الجيدة، فهي كتجربة لاشك ناجحة تشي بروائي قادم سيحقق حضوره في عالم الابداع بجدارة.
*كاتب وناقد يمني