اخبار اليمن
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٦ أيار ٢٠٢٥
تأكيد دعم مسار السلام ووقف التصعيد الحوثي في المياه الدولية
حال من الترقب انتظرها اليمنيون في ختام القمة الخليجية-الأميركية 'الاستثنائية'، التي انعقدت داخل العاصمة السعودية الرياض اليوم الأربعاء، انتظاراً لما ستطرحه في شأن القضية اليمنية الدامية التي حضرت على نحو عابر ضمن حزمة الملفات الحيوية والاستراتيجية، التي كانت محل اهتمام مشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، وفي طليعتها الملف الأمني والتدخلات الإيرانية في المنطقة.
ومع جملة التطورات التي شهدتها المنطقة العربية في إطار الفعل الشعبي المقاوم للقوى التابعة للمحور الإيراني المعزز بالموقف الإقليمي والدولي منها، احتل الوضع الأمني والسياسي الإقليمي صدارة جدول أعمال القمة نظراً إلى سلسلة التحديات والتوترات المتصاعدة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط.
وناقش القادة سبل تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي وتنسيق الجهود لمواجهة التهديدات المشتركة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والتطرف والتعامل مع النزاعات الإقليمية المعلقة، وضمان أمن الممرات المائية وحركة التجارة العالمية وبخاصة التهديدات الحوثية للملاحة الدولية.
هل هناك دفع لتسوية؟
مع غياب التمثيل السياسي بعكس الملف السوري الشبيه في ظروفه والمتنافر في فاعلية أصحابه، حضرت الأزمة اليمنية بتشديد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على أهمية التوصل إلى حل شامل لها، مؤكداً دعم السعودية الكامل لهذا المسار.
ويشير ذلك إلى احتمالية العودة للحديث عن مفاوضات الحل السياسي وربما خريطة الطريق التي كانت مطروحة قبل أحداث غزة والبحر الأحمر، وإن بصيغ جديدة خلال وقت انتظر اليمنيون تصريحات من القمة تشير في مضمونها إلى الطرف المعرقل لكل دعوات السلام والحل السياسي في جولات تفاوض سابقة، وتعنت ميليشيات اليمن تجاه كل دعوات السلام قبل حال الانكسار المتتابع للأذرع الإيرانية داخل المنطقة، وفي مقدمها الحوثيون الذين باتوا في أضعف حالاتهم.
ومع عودة الحديث الأممي عن رؤية تدفع بالعودة إلى مفاوضات الحل السياسي، وهو ما يخشى اليمنيون أن يؤدي إلى ما يمكن وصفه بتبريد الأزمة والتخلي عن مشروع استعادة الدولة من قبضة الميليشيات الحوثية عبر تسويات ترعاها الأمم المتحدة، ستكسب هذه الميليشيات شرعية قانونية ودولية وواقعاً سياسياً يمنحها تمكيناً إضافياً، وهو ما يعدونه تأجيلاً تراكمياً لمشكلات مستقبلية إضافية مع الجماعة الطائفية الأصولية، التي خبروا تجاربها من عشرات الاتفاقات منذ عام 2004.
ولعل أبرز المخاوف اليمنية، اليوم، تخلي المجتمع الدولي عنهم بعدما تحولت قضيتهم إلى ما يشبه المشكلة الهامشية، وسعي الحوثيين وإيران وبعض الجهات لإفراغ شحنتها من محتواها المقاوم بعدما توقفت عند كثير من المفترقات، لعل أهمها افتراق القوى السياسية اليمنية نفسها وانشغالها بقضايا لا علاقة لها بجذر المشكلة التي سببت كل هذا الخراب المقيم.
إلا أن السياسي والسفير اليمني لدى منظمة العلوم والثقافة 'يونيسكو' محمد جميح يرى أن مثل هذه اللقاءات الدولية ذات المستوى العالي، تغلب فيها لغة الدبلوماسية على لغة الصراع والحرب، و'دائماً نقول إن العامل الداخلي هو العامل الحاسم سلماً أو حرباً كما فعل السوريون'. ويضيف جميح أن 'العوامل الخارجية دائماً تأتي تبعاً للعامل والقوة الداخلية التي تستطيع جذب القوة الخارجية لدعم المشروع الوطني، لكن هناك كثيراً من الإشكاليات ينبغي التغلب عليها قبل أن يصار لدعم هذا المشروع'.
كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعلن مطلع مايو (أيار) الجاري أن الولايات المتحدة ستوقف الغارات على الحوثيين، الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات الشمالية، بعدما أبلغ الحوثيون واشنطن بأنهم 'لا يريدون القتال بعد الآن'. وقال ترمب من المكتب البيضاوي 'لقد استسلموا' عقب الحملة التي شنتها البحرية الأميركية ضد الحوثيين منذ منتصف مارس (آذار) الماضي، رداً على هجمات الجماعة على ممرات الشحن في البحر الأحمر وإسرائيل.
غياب جذر المشكلة
من دون التطرق إلى جذور المشكلة اليمنية التي تحولت إلى إشكال داخلي مأسوي وإقليمي ودولي، اكتفت كلمات بعض القادة في القمة الخليجية-الأميركية والرئيس ترمب بالإشارة إلى الاتفاق الذي جرى بين الولايات المتحدة والميليشيات الحوثية، المدرجة على لوائح الإرهاب العالمي، بوساطة عمانية خلال السادس من الشهر الجاري وقضى بوقف الضربات الأميركية مقابل التزام الحوثيين بوقف استهداف السفن الأميركية في البحر الأحمر، مما أغضب إسرائيل ونفاه الحوثيون ولكنهم عملياً التزموه حرفياً.
ولهذا لم تر الإدارة الأميركية من حاجة لإدراج الأزمة اليمنية الدامية في أجندة الزيارة التاريخية الأولى للرئيس ترمب منذ توليه الرئاسة إلى المنطقة، على رغم مساعي الحكومة الشرعية إلى اكتساب مواقف أميركية من الحوثيين أكثر التزاماً وتشدداً، عبرت عنها سلسلة من المشاورات مع وزير الخارجية ماركو روبيو والسفير الأميركي والمبعوث الخاص وعدد من أعضاء وقادة الكونغرس وغيرهم.
كما أن اكتفاء الإدارة الأميركية بحصر المشكلة اليمنية في كف الحوثيين، فحسب، عن عملياتهم في المياه الدولية، يؤكد انعدام الاهتمام الغربي بما يشهده الداخل اليمني، بعكس ما كانت تعول عليه القوى المناهضة للحوثيين.
'أضعنا كثيراً'
عن حال غياب فعالية الشرعية اليمنية من المعترك الداخلي وكذا الدولي في هيئته الدبلوماسية، يرى السفير جميح أن 'الإشكال الذي نواجهه في اليمن يكمن في أن المجتمع الدولي في حقيقة الأمر بذل كل ما في وسعه من دعم سياسي ودبلوماسي، ولكننا للأسف بددنا كل ذلك الدعم وأضعنا كل تلك الفرص ولم نستفد منها'.
ومع ذلك، 'لا يجب على اليمنيين طلب الخلاص من الخارج، كما لن يمنع أحد اليمنيين من تحرير بلادهم إذا أجمعوا أمرهم ووحدوا صفهم ووُجدت الإرادة السياسية والاستعداد لمعركة الخلاص'، وفق جميح.
لكن مع دعوة الرعاة الإقليميين والدوليين الداعمين للحكومة المعترف بها دولياً للعودة إلى مسار الحل السياسي الذي استبعدت الشرعية بقاء صلاحيته، في تصريحات سابقة، عقب الضربات العميقة التي كابدها 'المحور الإيراني' في المنطقة العربية، وتنامي المزاج الشعبي ضد ميليشيات الحوثي وتحفز القوى اليمنية المناوئة للمشروع الإيراني لتكرار المصير الذي واجهته نظيراتها في كل من لبنان وسوريا، لا يتوقع الباحث السياسي محمد الصعر أن يشهد الملف اليمني 'عودة إلى خريطة الطريق السابقة التي أقرتها الأمم المتحدة، على رغم الدعوات للعودة إلى السلام، وذلك بسبب مستجدات الوضع السياسي والعسكري والاقتصادي اليوم'.
على المستوى السياسي، يعد 'التدخل الأميركي بقيادة ترمب غير كثيراً من ملامح الموقف الغربي المعروف سابقاً من ميليشيات الحوثي لضدها تماماً'. و'لن يكون هناك أي تحديث لخريطة السلام إلا بموازنة معادلة القوة وذلك بسلب الحوثيين محافظة الحديدة'.
ويعتقد أن 'الإطار المتجدد لجمع الأطراف اليمنية على كلمة سواء بات حتمياً ويسعى إلى معالجة هذه التحديات بآليات أكثر مرونة وعملية، بدلاً من الاعتماد على خطط قديمة لم تعد تتماشى مع الواقع'، ومن بين هذه الآليات 'عمل عسكري ناجز يستعيد الشريط الساحلي الغربي المطل على البحر الأحمر، بما فيه مدينة وميناء الحديدة الاستراتيجية'.
بمجرد استعادة السيطرة على الحديدة 'سيصاب الحوثي بالموت البطيء للمكانة السياسية والاقتصادية الفارقة التي تمثلها له هذه المنطقة، وأظن أن هذا الأمر بات أقرب من أي وقت مضى'.