التجييش الطائفي من أخطر أدوات الصراع السياسي، إذ يُستخدم لتفتيت المجتمعات وإشعال الفتن عندما تعجز القوى المتصارعة عن بناء مشروع وطني يقوم على العدالة والمواطنة والمصالح المشتركة. إنه سلاح الضعفاء الباحثين عن السلطة. وقد جاء الخطاب القرآني واضحاً في قوله تعالى: “وما أنت عليهم بوكيل” و “وما جعلناك عليهم حفيظاً”، ما يدل على أن العلاقة بين الإنسان وخالقه شأن خاص، ولا ينبغي تحويل الاختلاف الديني أو المذهبي إلى سبب للصراع أو العداء.

التاريخ يؤكد أن الحضارات لم تنهض إلا عندما تجاوزت الانقسامات الضيقة ووضعت المصلحة العامة فوق كل اعتبار. فالأمم والقبائل خُلقت للتعارف والتعاون “وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا”. لكن الواقع السياسي يُشوه هذا المعنى، عبر استغلال الهويات الطائفية لتغذية الأحقاد وتحقيق مكاسب سياسية سلطوية أو اقتصادية.

التجييش الطائفي يمزق الولاءات الوطنية ويعزل الأفراد داخل هوياتهم الضيقة، ما يؤدي إلى استنزاف الدول وتمزيق المجتمعات. وفي المقابل، أثبتت التجارب أن تجاوز هذه الانقسامات ممكن إذا قامت الدولة على المواطنة المتساوية، والمصالح المشتركة كالاستقرار والتنمية والمنافع المتبادلة.

مواجهة الطائفية تبدأ بوعي جماعي يرى التنوع الديني والثقافي مصدر قوة لا لعنة. فلا استقرار لمجتمع ينظر أفراده لبعضهم عبر مرآة الطائفة، بل عبر برامج وسياسات تعزز المصالح الوطنية.

الاستهزاء بالمعتقدات أو الرموز الدينية لا يبرر ردود الفعل الطائفية. “ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم”. والتحريض ليس سوى محاولة لصرف الانتباه عن القضايا الجوهرية، ولا ينبغي السقوط في هذا الفخ.

الصراع الناضج يجب أن يدور حول البرامج السياسية وبناء المستقبل والمنافع المشتركة، لا حول اجترار الخلافات التاريخية. فالتجييش الطائفي غطاء لضعف المشاريع السياسية وغياب الرؤية الوطنية.

القوة الحقيقية للأمم تُبنى عندما تتجاوز الهويات الابتدائية من عرق وطائفة وقبيلة ومذهب لتؤسس هويتها الجامعة على المواطنة والمصلحة المشتركة. ومن يبقى أسيراً لهويته الضيقة يظل عالقاً في الكراهية، أما من يعلو فوقها فهو من يبني الجسور إلى المستقبل.

*من حساب الكاتب على منصة إكس