اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢٨ أيلول ٢٠٢٥
د. زياد بن عبدالعزيز آل الشيخ
أعلنت شركة (ديب مايند) الأسبوع الماضي عن إنجاز لا يقل أهمية عن انتصارها الشهير في لعبة (غو). فقد نجح نموذج جيميني الجديد في حل معضلة توزيع السوائل بكفاءة عبر قنوات وخزانات متعددة تحت عشرات القيود المتعارضة. فقد توقف أفضل المبرمجين في العالم إلى سقف ظن الجميع استحالة تجاوزه، لكن جيميني لم يتجاوزهم فحسب، بل اكتشف حلا ظنه الجميع مستحيلا.
قد يبدو الأمر حتميا في مسار التطور الطبيعي للذكاء الاصطناعي، أولا المحادثة ثم الرؤية، ثم التغلب في الألعاب، والآن الحلول اللوجستية. لكن للقصة بعد آخر، أعمق وأخطر فقد انتقل الذكاء الاصطناعي هذه المرة من التقليد إلى الابتكار.
كانت قوة الذكاء الاصطناعي حتى عهد قريب في التنبؤ. اتقنت نماذج اللغة الكبيرة في المحادثات توقّع الكلمة التالية، وفي الصور توقع البكسل التالي، وأنظمة التوصية تخمّن النقرة التالية، وهكذا. كانت تتغذى على بيانات تبهرنا بإعادة إنتاجها، لكنها محدودة في إعادة إنتاج ما يبدعه الإنسان. أما في حالة الحلول الجديدة، فلا توجد بيانات يعيد إنتاجها لتحقيق الحلول المثالية، إنما عليه أن يخرج إلى مناطق جديدة لم تكتشف من قبل، ويجرب ملايين الاحتمالات، ويجرب استراتيجيات جديدة. عليه إجمالا أن يفكر لا أن ينسخ، وبذلك يعد إنجاز (ديب مايند) تاريخيا. إنه تحول من الأتمتة إلى الابتكار، ومن إعادة إنتاج المعرفة البشرية إلى توليد معرفة جديدة.
لننظر في المجالات التي يمكن تطبيق هذا النمط من الذكاء الاصطناعي الجديد: شبكات الكهرباء، جداول الرحلات الجوية، طرق الشحن، خطوط الإنتاج، مسارات اكتشاف الأدوية. يصارع المهندسون في كل حالة تحديات الكلفة، التوقيت، القوانين الطبيعية، والأنظمة والتشريعات، بحثا عن حلول مثالية لكنهم في نهاية الأمر يقنعون بحلول (مقبولة). لكن إذا استطاع الذكاء الاصطناعي أن يستمر في إيجاد حلول ممتازة، مقارنة بالحلول البشرية، فإن مكاسب الكفاءة وترشيد الإنفاق والتقدم العلمي ربما تكون هائلة. ما يكافح من أجله المهندسون هو تحسين بنسبة واحد في المئة في سلاسل التوريد العالمية، وهو ما يساوي المليارات، وزيادة بعشر أضعاف ذلك في كفاءة الكهرباء يمكن أن تزود دولا بأكملها بالطاقة.
مع كل ما يمثله هذا الإنجاز من تحولات كبيرة في الصناعة، فإن هذا الإنجاز يلقي بظلاله على شركة (ديب مايند) نفسها المملوكة لقوقل أيضا. فلطالما انتقدت قوقل لتفريطها في الذكاء الاصطناعي التوليدي حين تقدمت تشات (جي بي تي)، وحامت الشكوك حول قدرتها على المنافسة. لكن ما حققته (ديب مايند) يعيد تشكيل القصة، فبدلًا من مطاردة سباق المحادثات الآلية، تقدمت قوقل في قيادة الذكاء الاصطناعي الابتكاري. فإن كان سباق الدردشة يدور حول من يستطيع جذب انتباه المستخدمين، فإن الجبهة الجديدة تدور حول من يستحوذ على مستقبل الصناعة.