اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢٦ كانون الأول ٢٠٢٥
د. عبدالله بن محمد العمري
الترحال والأدب إذا تصاحبا ظفرنا بلوحات حية مرسومة بالكلمات، ومشكلة بأجمل الألوان، وهذا يحدث عندما يكون المسافر أديبا، فلا يكتفي بنقل معلومة وإنما برسمها ووضعها في بروازها اللغوي البلاغي الأنسب والأجمل. هكذا حضر وصف (فيفا) إحدى مناطق المملكة العربية السعودية -وهي المنطقة الجبلية الشامخة أرضا وإنسانا- عندما زارها الأديب محمد بن عبدالعزيز العمير، والتي جاءت الإشارة إليها في كتاب (الفصول في تاريخ أدب الجزيرة العربية) للأستاذ الدكتور عبدالله بن محمد أبو داهش.
جاء وصف العمير لفيفا وجوها ومحاصيلها وطبيعتها، ودعم حديثه ووصفه بأبيات معبرة بالقليل عن الكثير كما هي عادة الأديب الشغوف بالطبيعة والأدب، ومما استشهد به ما قاله البحتري ورأى العمير أنه يعبر عن المنظر ودهشة المكان:
كأن القباب البيض، والشمس طلقة
تُضاحكها أنصاف بيض مفلق
ومن شرفات في السماء كأنها
قوادم بيضان، الحمام المحلق
أشياء كثيرة تلفت الانتباه فيما نقله أبو داهش عن العمير، فإمكانية رؤية البحر الأحمر الذي يبعد قرابة مائة كيلو متر عن فيفا من ذلك العلو وتلك المسافة وكأن البحر خط أزرق في دقة الشعرة. هذا الخط الأزرق على الشفق الأعلى الذي كان يمكن للعين أن تلتقطه في تلك الفترة قبل سنوات مضت؛ هل ما زال بالإمكان رؤيته بعد هذه السنوات والتطور العمراني، والتحول الحضاري الكبير الذي تشهده جميع مناطق المملكة؟
ومن الأشياء الملفتة في وصف الرحلة على لسان العمير، وجود بعض المفردات الفصيحة التي لم تعد تحضر في كتاباتنا، فمفردة «صاقبت» والتي تعني «دنت» بمعنى القرب والمواجهة، وكلمة «سامت» بمعنى دنت علوا نحو السماء، وكلمة «كِفاف» وجاءت في جملة «على كفاف وادي ضمد» بمعنى ما استدار حول الشيء. إنها رحلة موازية لرحلة؛ رحلة مع اللغة والأدب والكلمات إلى جوار رحلة جغرافية مكانية ثقافية. رحلة لم تغب الإشارة فيها إلى محاصيل التقطتها عين العمير فذكر منها: البن، والموز، والتين، والعنب، والخوخ، والرمان، والتمر الهندي، والزنجبيل، والعنبرود، والبابلي، وهاتان الأخيرتان لأول مرة تمران علي!
هذه الرحلة كانت في أواخر القرن الرابع عشر الهجري كما جاء في كتاب أبو داهش، ولكنها ومن خلال وصف أدبي بليغ معبر كأنها صورة حية صوت وصورة نشاهدها ونسمع أصوات الطبيعة من خلال أفواه الكلمات، وجمال الوصف، وهكذا هي كتب الأدب الرفيع؛ ترفع من مستوى شعورنا بالكلمة فنرى ما تعبر عنه رأي العين، ونشعر بالمكان وكأننا في ذلك المكان.










































