اخبار الاردن
موقع كل يوم -زاد الاردن الاخباري
نشر بتاريخ: ٢٨ أيلول ٢٠٢٥
زاد الاردن الاخباري -
في سابقة تاريخية، وصلت نسبة تغطية الصادرات للمستوردات إلى مستويات غير مسبوقة، حيث سجلت %51 خلال النصف الأول من العام الحالي، وارتفعت إلى 55 % في شهر تموز (يوليو) الماضي وحده.
فهل هذا المؤشر إشارة إلى تحول هيكلي حقيقي في الاقتصاد الوطني، أم مجرد قفزة ظرفية مرتبطة بعوامل مؤقتة؟ وكيف يمكن المحافظة على نسبة ارتفاع تغطية الصادرات للمستوردات؟
خبراء أكدوا أن ارتفاع نسبة تغطية الصادرات مقابل المستوردات يعد مؤشرا إيجابيا يدل على وجود حالة من الديناميكية الإيجابية في النشاط التصديري الأردني، إلا أن ذلك لا يعكس تحولا هيكليا بعد، إذ ما تزال معضلة عجز الميزان التجاري قائمة، وتمثل تحديا اقتصاديا وطنيا.
ويرى الخبراء، أن المحافظة على ارتفاع نسبة تغطية الصادرات مقابل المستوردات، تتطلب وضع نهج متكامل يرتكز على تعزيز تنافسية الصناعة واستدامة النمو التصديري، إضافة إلى التوسع في الاتفاقيات التجارية والاستفادة من أدوات الترويج الخارجي، وتفعيل دور الملحقيات التجارية الأردنية في الخارج، فضلا عن أهمية تركيز السياسة الصناعية الوطنية على الإحلال المحلي للمنتجات المستوردة، والتكامل في توطين مدخلات الإنتاج الصناعي.
وأشار هؤلاء الخبراء، إلى أن تحسن مستويات تغطية الصادرات مقابل المستوردات يشير إلى أن الاقتصاد الوطني في حالة تحسن إنتاجية وتنافسية، ولديه قاعدة صناعية قوية ومتنوعة تمتد عبر مختلف المحافظات.
معطيات إحصائية
وكان تقرير التجارة الخارجية الشهري الذي أصدرته “دائرة الإحصاءات العامة”، أظهر أن نسبة تغطية الصادرات الكلية للمستوردات بلغت 51 % خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، قياسا بـ50 % للفترة ذاتها من العام الماضي، بارتفاع مقداره نقطة مئوية واحدة أعلى مستوى تغطية يسجله الاقتصاد الأردني، فيما وصلت نسبة التغطية لشهر تموز (يوليو) الماضي وحده إلى 55 %، مقارنة بنسبة 50 % في الشهر نفسه من العام الماضي بارتفاع بلغ 5 نقاط مئوية.
وبحسب التقرير، بلغت قيمة الصادرات الكلية خلال هذه الفترة 5,798 مليار دينار، حيث شكلت الصادرات الوطنية منها 5,268 مليار دينار، والمعاد تصديره 530 مليون دينار، في حين بلغت قيمة المستوردات 11,319 مليار دينار خلال الفترة نفسها. وعليه يكون العجز في الميزان التجاري (الذي يمثل الفرق بين قيمة الصادرات الكلية وقيمة المستوردات)، بلغ 5,521 مليار دينار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، أي بزيادة في العجز مقدارها 145 مليون دينار، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.
سياسات تمكين الصناعة من التوسع والتصدير
وقال مدير غرفتي صناعة عمان والأردن فتحي الجغبير “إن وصول نسبة تغطية الصادرات الكلية للمستوردات إلى 51 % خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، وهو أعلى مستوى في تاريخ الاقتصاد الأردني، يعكس بوضوح قوة القطاع الصناعي الوطني، ودوره المحوري في دعم الاقتصاد الكلي”.
ويرى الجغبير أن هذا المؤشر جاء نتيجة المسار المتصاعد في الأداء التصديري الأردني خلال الأعوام الأخيرة، حيث تجاوزت قيمة الصادرات الصناعية في العام الماضي نحو 7.8 مليار دينار، مقارنة بحوالي 5.6 مليار دينار العام 2021، أي بزيادة تفوق 39 %، خلال آخر ثلاث سنوات فقط، ما يؤكد أن الصناعة الوطنية ساهمت بشكل رئيس في الوصول إلى هذا الأداء التاريخي، وتقليص العجز التجاري، وتعزيز الاستقرار النقدي عبر توفير العملات الأجنبية، على الرغم من كل ما تشهده المنطقة من اضطرابات جيوسياسية وتحديات لوجستية مختلفة.
واعتبر أن هذا الأداء يعكس نجاح السياسات الوطنية في تمكين الصناعة من التوسع والإنتاج والتصدير، إضافة إلى مرونة القطاع الصناعي وقدرته على التكيف مع مختلف الظروف، وجودة منتجاته القادرة على اختراق الأسواق وترسيخ مكانتها بشكل سريع، مع الإشارة إلى الجهود الكبيرة التي قامت بها الغرف الصناعية بالتعاون مع مختلف الجهات، في تكثيف المشاركات الخارجية والمعارض المتخصصة والتشبيك مع الأسواق الكبرى في عدد من الدول العالمية.
وأوضح أن المستوى المرتفع من التغطية، يؤكد أن الاقتصاد الأردني أصبح أكثر إنتاجية وتنافسية، ومعتمدا على قاعدة صناعية قوية ومتنوعة تمتد عبر مختلف المحافظات.
ولفت الجغبير إلى أن هذا الأداء يمثل دليلا قاطعا على القدرات التصديرية العالية التي يتمتع بها الاقتصاد الأردني، وخاصة الصناعة الوطنية، ففي السنوات الأخيرة أثبتت الصادرات الأردنية قدرتها على اختراق أسواق جديدة في آسيا، أفريقيا وأوروبا، ورفع حصتها في الأسواق التقليدية كالعراق، السعودية، الولايات المتحدة والهند.
وحول السبل اللازمة للمحافظة على هذا المستوى التاريخي من الأداء، أكد الجغبير ضرورة وضع نهج متكامل يرتكز على تعزيز تنافسية الصناعة واستدامة النمو التصديري. حيث يجب الاستمرار في دعم القطاع الصناعي باعتباره العمود الفقري للاقتصاد الوطني، من خلال تخفيض كلف الإنتاج والطاقة، تبسيط الإجراءات الجمركية والإدارية وتحسين خدمات النقل واللوجستيات.
كما طالب بالعمل على توسيع القاعدة التصديرية، سواء بفتح أسواق جديدة أو بزيادة حصة المنتجات الأردنية في الأسواق الحالية عبر الاتفاقيات التجارية والاستفادة من أدوات الترويج الخارجي، حيث إن تفعيل دور الملحقيات التجارية الأردنية في الخارج، وتنظيم بعثات ومعارض صناعية، يساهمان في تعزيز الحضور الأردني في الأسواق الإقليمية والدولية، إضافة إلى أن الاستثمار في التحول الرقمي والصناعة والتجارة الخارجية يزيد كفاءة الوصول إلى المستوردين بشكل مباشر.
ويضاف إلى ذلك، استمرار زخم التنسيق بين القطاعين العام والخاص، واستكمال تنفيذ مبادرات رؤية التحديث الاقتصادي التي تضع الصناعة في قلب النمو الوطني، لما لها من أثر مباشر في التشغيل، وتحسين الميزان التجاري، وجذب الاستثمارات الصناعية.
التحول الحقيقي في الصادرات الأردنية يحتاج أكثر من مجرد أرقام مبشرة
بدوره، يؤكد مدير جمعية مستثمري شرق عمان الصناعية إياد أبو حلتم، أن ما يحسب تحولا حقيقيا في الاقتصاد الأردني لا يقتصر على ارتفاع الصادرات الكلية أو الوطنية بنسبة مؤقتة، بل يتطلب مؤشرات مستدامة على المدى الطويل. ويمكننا القول إن هناك تحولا حقيقيا فقط عندما نشهد معدلات نمو مزدوجة الرقم للصادرات الوطنية بشكل مستمر، وعندما يبدأ العجز في الميزان التجاري بالتناقص بدلا من النمو.
وفيما يخص النصف الأول من العام الحالي، يشير أبو حلتم إلى أن الأرقام مبشرة لكنها لا تعكس تحولا هيكليا بعد، إذ ارتفعت الصادرات الكلية بنسبة تزيد على 5 %، والصادرات الوطنية بنسبة أكثر من 8 %، وزادت نسبة تغطية الصادرات على حجم الاستيراد الكلي إلى أكثر من 51 %. لكنه يوضح أن العجز في الميزان التجاري نما بنحو 3 %، ما يفرض تحديا كبيرا على الاقتصاد ويستنزف احتياطيات العملة الصعبة.
ويؤكد أن الحل يكمن في مضاعفة نمو الصادرات، حيث إذا أردنا تقليل العجز، فيجب أن تنمو الصادرات الوطنية بما لا يقل عن ضعف معدلات النمو الحالية، أي أكثر من 16 %، وهذا لن يتحقق إلا عبر سياسة وطنية للتصدير فاعلة تعتمد على تنويع السلع والأسواق، وتطوير المنتجات وفق أنماط الاستهلاك في الأسواق المستهدفة.
ويشير أبو حلتم، إلى أهمية التركيز على أسواق غير تقليدية، مثل شرق أفريقيا، كازاخستان وأوزبكستان، مستشهدا بالزيارات الملكية الأخيرة لهذه الدول، التي تمثل فرصا حقيقية أمام الصادرات الأردنية ذات الجودة العالية. ويضيف أن الدعم الحكومي في خفض كلفة النقل، والتواجد المستمر في المؤتمرات والمعارض والبعثات الصناعية، أساسيان لزيادة الحصة التصديرية الأردنية في هذه الأسواق.
وشدد على أن السياسة الصناعية الوطنية يجب أن تركز على الإحلال المحلي للمنتجات المستوردة، والتكامل الخلفي أو توطين مدخلات الإنتاج الصناعي، لما لذلك من أثر مباشر على تقليل العجز التجاري، زيادة القيمة المضافة، وحماية الصناعة الوطنية من تقلبات الأسواق العالمية، مع تعزيز فرص العمل التي تشكل هدفا استراتيجيا وفق رؤية التحديث الاقتصادي.
ديناميكية إيجابية في النشاط التصديري
واتفق عضو غرفة صناعة عمان موسى الساكت مع سابقيه بخصوص أهمة هذا المؤشر، مضيفا أن زيادة نسبة التغطية تعكس جانبا من القدرات التصديرية للاقتصاد الأردني، لكنها لا تعني بالضرورة أننا وصلنا إلى مستوى طاقاتنا الكاملة. ما تحقق حتى الآن يدل على وجود قطاعات صناعية وزراعية وخدمية بدأت تنافس بشكل أكبر في الأسواق الإقليمية والدولية، إلا أن تطوير سلاسل القيمة، تنويع الأسواق والمنتجات، وتحسين الجودة وتقليل كلف الإنتاج سيبقى ضروريا لترسيخ هذه القدرات وتعظيمها.
في الوقت ذاته، يرى الساكت أن الارتفاع الحاصل لا يعدو أن يكون قفزة ظرفية لا تعكس تغييرا جوهريا في هيكل الاقتصاد الوطني بعد، إذ إن المستويات المتحققة حاليا، غير مضمونة استدامتها في المرحلة المقبلة.
وأشار الساكت، إلى أن المحافظة على هذا الإنجاز تتطلب استراتيجية متكاملة تقوم على ما يأتي: تنويع القاعدة التصديرية من خلال دعم الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، التركيز على تطوير الصادرات الزراعية الصناعية، إضافة إلى فتح أسواق جديدة عبر الاتفاقيات التجارية وتسهيل نفادها إلى الأسواق غير التقليدية.
ويضاف إلى ذلك، تحسين بيئة الأعمال من خلال خفض كلف الإنتاج والنقل والطاقة، تبسيط الإجراءات الجمركية ومعالجة التعقيدات البيروقراطية، إلى جانب رفع تنافسية المنتج الأردني بالتركيز على الجودة والابتكار، فضلا عن أهمية تشجيع الاستثمار في القطاعات التصديرية، بما يساهم في توسيع القاعدة الإنتاجية وزيادة حجم الصادرات، بحسب الساكت.- الغد