اخبار السعودية
موقع كل يوم -صحيفة الوئام الالكترونية
نشر بتاريخ: ٢٩ كانون الأول ٢٠٢٥
لم يكن عام 2025 مجرد عام آخر في سجل التاريخ المعاصر، بل شكّل نقطة انعطاف حادة في النظام الدولي، حيث تداخلت الحروب مع السياسة، وانهارت مسلّمات ديمقراطية، وصعدت قوى شعبوية، بينما اهتزّت مؤسسات عريقة من واشنطن إلى بروكسل، ومن غزة إلى الفاتيكان. كان عامًا أعاد تعريف موازين القوة، وكشف هشاشة الاستقرار العالمي، وبيّن إلى أي حد بات العالم محكومًا بمنطق الصدام لا التوافق، وبسياسات القوة أكثر من قيم القانون.
في هذا العام، فرض دونالد ترامب إيقاعه على السياسة العالمية، واستمرت الحروب المفتوحة بوقف إطلاق نار هش أو بلا أفق، وتقدّم اليمين المتطرف في قلب أوروبا، بينما غرقت دول كبرى في أزمات حكم غير مسبوقة. وفي الوقت نفسه، شهد العالم اغتيالات سياسية، وفضائح فساد مدوية داخل الاتحاد الأوروبي، وتغييرات تاريخية، وحتى عمليات سرقة صادمة طالت رموز التراث الإنساني.
أحداث 2025 لم تكن متفرقة أو معزولة، بل شكّلت لوحة واحدة لعالم مضطرب، تتراجع فيه الثقة بالمؤسسات، ويتقدّم فيه منطق القوة والاصطفاف، وسط شعور عالمي بأن النظام الدولي القديم يوشك على الانهيار، دون أن تتضح بعد ملامح البديل؛ في التقرير التالي ومع إسدال الستار عن العام نستعرض في إيقاع سريع أبرز البصمات لـ2025.
هيمنة ترمب على السياسة العالمية
أعاد دونالد ترمب، بعودته إلى البيت الأبيض، تشكيل السياسة العالمية بشكل كبير في عام 2025، وكان لهذا التغيير أثرٌ قوي داخل الولايات المتحدة أيضًا. كما هزّ ترمب الاقتصاد العالمي عبر رفع الرسوم الجمركية على الواردات من معظم دول العالم. وأجبر الاتحاد الأوروبي على اتفاق تجاري غير مواتٍ، ودفع دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى رفع الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأعاد الرئيس الأمريكي العلاقات الدبلوماسية مع روسيا، واتخذ موقفًا تصادميًا تجاه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حيث قام «بتوبيخه» ورفع صوته عليه داخل البيت الأبيض. وفي مقابل استمرار الدعم الأمريكي لأوكرانيا، سعى وحصل على حق الوصول إلى معادنها الاستراتيجية. كما بذل جهودًا كبيرة لإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا، لكنه لم ينجح بعد، رغم إحراز بعض التقدم.
وشهدت ولايته الثانية أيضًا انخراطًا عسكريًا ضد فنزويلا، اقتصر حتى الآن على ضربات مميتة استهدفت عشرات السفن، بدعوى محاولتها تهريب مخدرات إلى الولايات المتحدة. وعلى الصعيد الداخلي، أطلق ترمب عمليات ترحيل جماعي للمهاجرين غير النظاميين، وفكك أجزاء من الحكومة الفيدرالية، بما في ذلك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، وواصل هجماته الحادة على خصومه ووسائل الإعلام.
حرب ووقف إطلاق نار هش في قطاع غزة
بعد أكثر من عامين من الحرب الدامية، دخل وقف إطلاق نار هش بين حركة حماس الفلسطينية وإسرائيل حيّز التنفيذ في قطاع غزة في 10 أكتوبر، وذلك تحت ضغط أمريكي. ولا يزال الوضع غير مستقر، إذ يتبادل الطرفان بشكل دوري الاتهامات بخرق اتفاق وقف إطلاق النار.
ومنذ دخول الهدنة حيّز التنفيذ، قُتل عدة آلاف من الفلسطينيين في ضربات إسرائيلية، ليرتفع العدد الإجمالي إلى أكثر من 69 ألف قتيل منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023. ولا يزال مئات الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة، الذي تعرّض لدمار شبه كامل، يواجهون أوضاعًا إنسانية بالغة الصعوبة، رغم أن وقف إطلاق النار أتاح زيادة تدفّق المساعدات الإنسانية.
وسبق الهدنة هجوم إسرائيلي على إيران في يونيو، تصاعد إلى حرب استمرت 12 يومًا، وانتهت بضربات أمريكية استهدفت منشآت نووية إيرانية. وفي سبتمبر، نفّذت إسرائيل هجومًا غير مسبوق على العاصمة القطرية الدوحة، استهدف قيادة حماس التي كانت تفاوض على وقف إطلاق النار هناك.
الحرب الروسية الأوكرانية
على الرغم من الجهود الدبلوماسية التي بذلتها إدارة ترمب لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فإن الصراع يقترب من عامه الخامس. وفي نهاية عام 2025، عدّلت أوكرانيا والولايات المتحدة المسودة الأولى لخطة السلام الأمريكية، التي كانت غير مقبولة لكييف وحلفائها الأوروبيين لأنها تداخلت إلى حد كبير مع أهداف موسكو.
وأعلنت كييف تخليها عن نيتها الانضمام إلى حلف الناتو مقابل الحصول على ضمانات أمنية، غير أن الخلاف الجوهري ما زال قائمًا حول مسألة السيطرة على منطقتي دونيتسك ولوهانسك في شرق أوكرانيا. واستمر القتال العنيف طوال عام 2025، حيث نجحت أوكرانيا إلى حد كبير في صدّ الغزو الروسي، بدعم مالي وعسكري كبير من الدول الغربية.
وحققت أوكرانيا بعض النجاحات، من بينها سلسلة هجمات استهدفت منشآت نفطية روسية بعيدة عن خطوط المواجهة، إضافة إلى ناقلات نفط روسية.
صعود اليمين في الانتخابات الألمانية
بعد ثلاث سنوات ونصف في صفوف المعارضة، عاد الحزب الديمقراطي المسيحي في ألمانيا ليصبح القوة الأساسية في الحكومة، عقب فوزه بأكبر عدد من الأصوات في انتخابات برلمانية شهدت صعودًا حادًا لليمين المتطرف.
وفي الانتخابات المبكرة التي جرت في 23 فبراير، عقب تصويت بحجب الثقة عن حكومة المستشار الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتس، حلّ تحالف الاتحاد الديمقراطي/الاتحاد الاجتماعي (CDU-CSU) في المرتبة الأولى بنسبة 28.4% من الأصوات. وبعد مفاوضات طويلة، تم التوصل إلى اتفاق لتشكيل ما يُعرف بـ«الائتلاف الكبير» الأسود-الأحمر بين الديمقراطيين المسيحيين والحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD)، الذي سجّل أسوأ نتيجة له منذ عام 1945 بنسبة 16.3%.
وأصبح زعيم الحزب الديمقراطي، فريدريش ميرتس، مستشارًا لألمانيا. غير أن الفائز الأكبر في الانتخابات كان حزب «البديل من أجل ألمانيا» (AfD) اليميني المتطرف، الذي حصل على 20.7% من الأصوات، أي أكثر من ضعف نتيجته في انتخابات 2021. ومن أصل 630 نائبًا في البوندستاغ، حصل الحزب على رقم قياسي بلغ 152 مقعدًا.
كما تكبّد شركاء الائتلاف الحكومي السابق خسائر كبيرة إلى جانب الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إذ تراجعت نسبة حزب الخضر إلى 11.5%، بينما خرج الحزب الديمقراطي الحر (الليبراليون) من البرلمان بحصوله على 4.3% فقط.
اضطراب سياسي في فرنسا
شهدت فرنسا في عام 2025 استمرار أزمة سياسية غير مسبوقة منذ تأسيس الجمهورية الخامسة عام 1958. فقد دخلت البلاد مرحلة من عدم الاستقرار السياسي عقب الانتخابات البرلمانية التي جرت في منتصف عام 2024، والتي لم ينجح فيها أي من التكتلات الثلاثة المتنافسة، التحالف الوسطي للرئيس إيمانويل ماكرون، وتحالف أحزاب اليسار، واليمين المتطرف، في الحصول على أغلبية برلمانية.
وبسبب الانقسام الحاد داخل البرلمان والنفور التاريخي في فرنسا من حكومات الائتلاف، عيّن ماكرون ما يصل إلى أربع حكومات أقلية منذ سبتمبر 2024. وكانت أطولها عمرًا الحكومة الثانية برئاسة فرانسوا بايرو، والتي استمرت تسعة أشهر فقط. وفي سبتمبر 2025، صوّت البرلمان بحجب الثقة عن هذه الحكومة على خلفية خلافات حول الموازنة، ليعيّن ماكرون بعدها مقرّبه سيباستيان لوكورنو رئيسًا للوزراء.
غير أن لوكورنو استقال بعد 27 يومًا فقط ، لتصبح حكومته الأقصر عمرًا منذ عام 1958 ، نتيجة تهديدات من اليسار المتطرف واليمين المتطرف بإسقاطه. وبعد أربعة أيام فقط، أعاد ماكرون تعيينه مجددًا رئيسًا للوزراء.
عودة بابيش إلى السلطة في جمهورية التشيك
في انتخابات أكتوبر، أعاد الناخبون التشيك إلى السلطة بشكل حاسم أندريه بابيش، البالغ من العمر 71 عامًا، وهو من أصول سلوفاكية، وقطب في قطاعي الزراعة والصناعات الكيميائية، ويُعد سابع أغنى شخص في جمهورية التشيك. وشكّل حزبُه الشعبوي «آنو» (ANO) حكومة في ديسمبر بالتحالف مع قوميين متشددين ومشككين في الاتحاد الأوروبي.
إلا أن أولى خطوات بابيش كرئيس للوزراء بددت المخاوف من انضمامه إلى ثنائي أوربان–فيكو في عرقلة قرارات الاتحاد الأوروبي الداعمة لأوكرانيا. فقد تراجعت معظم وعوده الشعبوية الصاخبة، بما في ذلك شعار «المال للتشيك فقط وليس للأوكرانيين»، وإنهاء مبادرة تزويد أوكرانيا بالذخيرة، والتخلي عن شراء طائرات «إف-35» الأمريكية.
وتشير سياسات بابيش إلى شعبوية معتدلة، تمزج بين خطاب قومي صاخب داخليًا ونهج براغماتي، بل ومعاملاتي، على الساحة الدولية، ولا سيما داخل الاتحاد الأوروبي، حيث تعمل شركته «أغروفرت» في 16 دولة عضو.
فضيحة فساد جديدة في الاتحاد الأوروبي
في أواخر عام 2025، اهتزّ الاتحاد الأوروبي على وقع فضيحة فساد جديدة، تمثلت في اعتقال الممثلة العليا السابقة للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موجيريني، في قضية تهدد بتقويض مصداقية وثقة المؤسسات الأوروبية.
وجاء ذلك عقب مداهمات شرطية لمقر الذراع الدبلوماسية للاتحاد في بروكسل ولجامعة النخبة «كلية أوروبا» في مدينة بروج. وُجهت إلى موجيريني تهم فساد تتعلق ببرنامج تدريبي للدبلوماسيين الشباب منحت مناقصته دائرة العمل الخارجي الأوروبي (EEAS) لكلية أوروبا.
كما وُجهت اتهامات مماثلة إلى ستيفانو سانينو، رئيس إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج في المفوضية الأوروبية، والذي كان يشغل منصب الأمين العام لدائرة العمل الخارجي الأوروبي عند طرح المناقصة. وشملت التهم الموجهة إلى الدبلوماسيين الإيطاليين الاحتيال في المشتريات، والفساد، وتضارب المصالح، وخرق السرية المهنية.
وقد تتسبب هذه القضية في أزمة أعمق داخل الاتحاد الأوروبي، نظرًا للمناصب الرفيعة للمتهمين وخطورة التهم، وذلك في وقت لم تُحسم فيه بعد نتائج إحدى أكبر فضائح الفساد في تاريخ الاتحاد، وهي قضية «قطرغيت» عام 2022، فضلًا عن التحقيق الجاري بشأن أنشطة رشوة وضغوط نفذتها شركة «هواوي» الصينية داخل البرلمان الأوروبي.
مقتل تشارلي كيرك في الولايات المتحدة
أسهم مقتل الناشط اليميني الأمريكي تشارلي كيرك، أحد أبرز حلفاء الرئيس دونالد ترامب، في تعميق الاستقطاب داخل الولايات المتحدة، وأثار موجة واسعة من ردود الفعل العالمية، تراوحت بين إدانات العنف السياسي والتشفّي بوفاته.
وقُتل كيرك، البالغ من العمر 31 عامًا، والمعروف بترويجه لأفكار يمينية متطرفة وآراء مثيرة للجدل، في 10 سبتمبر أثناء إلقائه كلمة أمام طلاب في حرم جامعي بولاية يوتا. ونُسبت الجريمة إلى شاب يبلغ من العمر 22 عامًا يُدعى تايلر جيمس روبنسون.
وكان كيرك قد حصد قاعدة جماهيرية واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وجولات في الجامعات، ويُنظر إليه على أنه لعب دورًا محوريًا في حشد أصوات الشباب لصالح ترمب في انتخابات 2024. ومنح ترمب كيرك بعد وفاته «وسام الحرية الرئاسي»، ودعا إلى تشديد الإجراءات ضد ما وصفه بـ«التطرف السياسي اليساري».
سرقة متحف اللوفر
وُصفت عملية السرقة التي استهدفت متحف اللوفر الشهير في باريس يوم 19 أكتوبر بأنها «مذهلة»، إذ نُفذت في أقل من ثماني دقائق، وفي وضح النهار، دون أن يلاحظ أحد اللصوص. وقد اختار المنفذون صباح يوم الأحد لتنفيذ العملية.
تنكر عدة رجال بزي عمال بناء، ودخلوا المتحف قرابة الساعة التاسعة والنصف صباحًا باستخدام شاحنة مزودة برافعة، من النوع المستخدم في شركات النقل، للوصول إلى شرفة في الطابق الأول، حيث أحدثوا ثقبًا في إحدى النوافذ باستخدام أداة قطع.
وفي «قاعة أبولو»، ركزوا على خزانتين للعرض، سرقوا منهما ثماني قطع من المجوهرات تُقدّر قيمتها بنحو 88 مليون يورو، من بينها حلي تعود لعائلات ملكية وإمبراطورية فرنسية. وأثناء فرارهم على دراجات نارية صغيرة، أسقطوا تاج الإمبراطورة أوجيني، زوجة نابليون الثالث، والذي عُثر عليه لاحقًا متضررًا بالقرب من المتحف.
وأُلقي القبض على ثمانية أشخاص على صلة بالسرقة، إلا أن المجوهرات المسروقة لم تُسترد. وبعد الحادثة — وهي الأولى من نوعها في اللوفر منذ عام 1998 — نقل المتحف بعضًا من أثمن مجوهراته إلى بنك فرنسا.
يُختَتم عام 2025 وقد ترك وراءه عالمًا أكثر انقسامًا وأقل يقينًا. لم تكن الأحداث التي شهدها مجرد أزمات متتالية، بل مؤشرات عميقة على تحوّل بنيوي في النظام الدولي، حيث تراجعت القواعد التي حكمت العلاقات بين الدول لعقود، وصعدت سياسات القوة والابتزاز والاصطفاف الحاد. من واشنطن إلى موسكو، ومن غزة إلى قلب أوروبا، بدا أن الشرعية والمؤسسات لم تعد كافية لضبط الفوضى المتصاعدة.










































