اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢٦ كانون الأول ٢٠٢٥
د. حنان الجعيدان
تخيل أنك تقف أمام لوحة في متحف تاريخي سعودي وتقرأ عن «البيعة» مترجمة إلى «Pledge of Allegiance»، المعنى واضح، لكن هل فهمت حقاً ماجرى؟ هل أدركت العلاقة المتينة بين الحاكم والمواطن والالتزامات المتبادلة بينهما؟ تاريخ الجزيرة العربية يتشكل باللغة العربية ولا يمكن فصل معناها التاريخي عن بُنيتها اللغوية. ترجمة هذه المفاهيم إلى لغة أخرى يعيد ترتيبها داخل إطار تفسيري مختلف. فتعيد تعريف حدود الحدث ومعانيه وما يرافق ترجمته من اختزال أو إعادة تأطير غير معلنة أو غير مقصودة. السرد المتحفي يحتاج أن «يُشعِرك» بماحدث لا أن «يُخبِرك» به.
في المقابل، قد تُستخدم اللغة العربية في السرد المتحفي كأداة شرح محايدة لعرض التاريخ، بينما يُفترض أن تكون ممارسة معرفية واعية. عدد كبير من المناهج التي يقوم عليها السرد المتحفي يكون مصدره الأساسي ترجمة من معارف غربية. كمثال يُعرض في المتحف الوطني السعودي مصطلح «Pledge of Allegiance» «البيعة» الذي يُفهم بالعربية كعقد سياسي واجتماعي متبادل بين الحاكم والمحكوم يتضمن التزاماً وحقوقاً لكلا الطرفين، لكن ترجمتة تختزل البيعة في «قَسَم الولاء» من طرف واحد متجاهلة معناه الاجتماعي والتاريخي. من شروط صحة السرد في المتاحف التاريخية السعودية هو استخدام المصادر العربية.
السرد المتحفي المستمدّ من لغة أجنبية يميل، ولو دون قصد، إلى إخضاع التاريخ المحلي لمفاهيم جاهزة، وفق تعريفات حديثة لا تنطبق دائمًا على السياق التاريخي الذي تُعرض مادته. كثير من المفاهيم في التاريخ المحلي تعمل كمعان مترابطة تشكّلت داخل سياقات اجتماعية وسياسية محددة. مفردات مثل، القبيلة، البيعة، الهجرة، الجهاد، الإمارة، الوقف، السبيل، هذه المفردات تحمل معاني عميقة في السياق العربي، وتختزن أنماط تنظيم اجتماعي وعلاقات قوة وتجارب تاريخية متداخلة لا تنقلها الترجمة المباشرة.
هذا الترابط اللغوي المترجم يؤدي إلى تقديم سرد واضح شكلياً ومبسّط لكنه فقير في العمق التحليلي فيحجب عن الزائر الخلفية الفكرية والاجتماعية التي شكّلته والطريقة التي فُهِمت بها الأحداث في زمنه. لكن استخدام اللغة العربية كمصدر أساسي في السرد يسمح للزائر المحلي بفهم أعمق. كما أن عرض المصطلحات بلغتها الأصلية مع شرح سياقها يُمكّن الزائر الأجنبي من فهم المعرفة في إطارها الحقيقي بدل الاكتفاء بترجمات تقريبية. لمعالجة هذا التحدي، تأتي مبادرة «ترجم» التي تديرها هيئة الأدب والنشر والترجمة كنموذج واعد. تهدف لدعم المترجمين السعوديين عبر مسارات تدريبية متخصصة في السياق الثقافي والتاريخي، وبرامج إرشادية وإصدار شهادات «المترجم المعتمد» لضمان الاحترافية. هذا النهج يضمن ترجمة عالية الجودة تحترم عمق المعنى العربي وتتماشى مع رؤية 2030 في تعزيز التبادل المعرفي دون فقدان الهوية. بالاضافة لذلك، يجب تطوير معاجم متخصصة للمصطلحات التاريخية مع تفسيرات سياقية، والتعاون مع مؤرخين محليين في صياغة السرد قبل الترجمة.
الترجمة الحالية تُفقر السرد التاريخي وتشوه معناه. وحتى نسهم في تقديم السرد التاريخي السعودي في سياقه الأصلي يجب أن تكون اللغة العربية المرجع الأساسي وتأتي الترجمة كأداة مساعدة للشرح، وإلا سنستمر في تقديم تاريخنا بمفاهيم غريبة عنه.










































