تساءلت صحيفة نيويورك تايمز عن سبب استمرار احتجاز الناشط الفلسطيني محمود خليل في سجن بولاية لويزيانا، رغم الإفراج عن طلاب ومحاضرين وناشطين وُجهت إليهم تهم مماثلة تتعلق بدعم الحركة المؤيدة لفلسطين.

وفي تقرير أعده جونا إي. براونفيتش، أشار إلى أنه تم الإفراج عن بدر خان سوري، طالب مرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة جورج تاون، بعد 58 يوماً، بينما أُفرج عن رميساء أوزتورك، طالبة الدكتوراه في جامعة تافتس، بعد 45 يوماً، وكذلك عن محسن مهداوي، خريج جامعة كولومبيا، بعد 16 يوماً فقط.

لكن محمود خليل، أحد أبرز الوجوه المؤيدة لفلسطين في الولايات المتحدة، لا يزال محتجزًا في مركز اعتقال جينا بولاية لويزيانا، بعد مرور 72 يوماً، في انتظار قرار قاضٍ فدرالي في نيوجيرسي بشأن إمكانية الإفراج عنه مؤقتاً، ريثما يُبتّ في قضيته المتعلقة بالهجرة.

واستندت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى قانون نادراً ما يُستخدم، لتبرير أن وجود خليل في البلاد يهدد سياسة الحكومة الخارجية الهادفة إلى مكافحة معاداة السامية.

من جانبهم، جادل محامو خليل بأن الحكومة الأمريكية تنتقم من موكلهم، وهو مقيم دائم قانوني، بسبب مشاركته في الاحتجاجات التي شهدها حرم جامعة كولومبيا، وأنه ينبغي أن يتمتع بحريته إلى حين البت في قضيته.

وذكرت الصحيفة أن القاضي الفدرالي في نيوجيرسي، مايكل إي. فاربيارز، يتعامل مع القضية بجدية بالغة، لكنه لم يُدلِ حتى الآن برأيه الكامل بشأن الجوانب المرتبطة بحرية التعبير والإجراءات القانونية، والتي أثارت اهتماماً واسعاً في قضية خليل.

ورغم تكرار مطالب محامي الدفاع بالإفراج المؤقت عن خليل بكفالة، أسوةً بحالات أخرى، أكد القاضي أنه مضطر أولاً للبت في المسائل الإجرائية الأساسية.

وقد أصدر القاضي فاربيارز عدة أوامر وكتب حكمين مطولين: الأول من 67 صفحة أكد فيه أهليته لرئاسة القضية، والثاني من 108 صفحات أقر فيه باستمرارية اختصاصه بها.

وفي الحكم الثاني، أقر بأن القانون في حالات كهذه ينص على “عدم وجود تأخير غير ضروري”. وقد صدر هذا الرأي في 29 نيسان/أبريل.

وقال باهر عزمي، أحد محامي خليل والمدير القانوني في مركز الحقوق الدستورية: “من الطبيعي أن يشعر محمود بالإحباط، فهو أول من تم احتجازه، وبعد تسعة أسابيع لا يزال قيد الاعتقال”، مضيفاً: “لكننا لا نزال متفائلين بأن المحكمة ستؤكد عدم دستورية الإجراءات الحكومية، وستأمر بالإفراج عنه قريباً”.

ويقرّ خبراء قانونيون بأن نهج القاضي فاربيارز، البالغ من العمر 51 عاماً، في معالجة القضية يتسم بالبطء، لكنهم أشاروا إلى أن لكل قاضٍ أسلوبه الخاص، وأن من الطبيعي، لا سيما بالنسبة لقاضٍ في بداية مسيرته القضائية، أن يكون حذراً ودقيقاً إلى أقصى حد.

وقال ستيفن آي. فلاديك، أستاذ القانون في جامعة جورج تاون: “في قضية حظيت بهذا القدر من الشهرة، من المنطقي أن يتأكد القاضي من أن كل شيء يتم وفق الأصول”، مضيفاً: “القاضي فاربيارز يدرك أن الأنظار مسلطة عليه، ليس فقط كشخص، بل على قدرة النظام القضائي الفدرالي في التعامل مع قضايا من هذا النوع”.

وأشارت الصحيفة إلى أن دقة القاضي فاربيارز وصلت حد الهوس حتى قبل تعيينه في منصبه الفدرالي عام 2023، حيث عمل سابقاً كمدعٍ عام فدرالي في مانهاتن، وكان يرأس وحدة الإرهاب والمخدرات الدولية.

من أبرز القضايا التي ترأسها آنذاك، محاكمة صهر أسامة بن لادن، وأحد معتقلي غوانتانامو أمام محكمة مدنية، وكذلك قضية عثمان قصير، المواطن السويدي المتهم بمحاولة إنشاء معسكرات تدريب في مزرعة بأوريغون.

وقد أشاد مارك أس. ديماركو، المحامي المقيم في برونكس والذي واجه فاربيارز في قضية قصير، بإنصاف القاضي ودقته، قائلاً: “كان ملتزماً بجميع القواعد، لم يتغافل عن شيء. وكان من أكثر المدعين استعداداً الذين تعاملت معهم”.

وبعد مغادرته مكتب الادعاء، عمل فاربيارز زميلاً في كلية الحقوق بجامعة نيويورك، وركّز في أبحاثه الأكاديمية على مسائل الاختصاص والإجراءات القانونية الخاصة بالمتهمين خارج الولايات المتحدة، وهي قضايا تتقاطع مع موضوع خليل اليوم.

وتقول الصحيفة إن السلطات الأمريكية تحركت بسرعة لاعتقال خليل وتوجيه التهم إليه.

وادعى متحدث باسم وزارة الأمن الداخلي أن خليل قاد نشاطات “مؤيدة لحماس”، بينما اتهمته المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، بأنه “اصطف مع الإرهابيين”، مشيرة إلى مشاركته في احتجاجات مؤيدة لحماس وزع خلالها ملصقات.

غير أن هذه الادعاءات لم تثبت صحتها، إذ لم تُقدَّم أي أدلة تُشير إلى دعم خليل لحركة حماس.

وأشار محاموه إلى تصريحات سابقة له على شبكة CNN قال فيها إن “معاداة السامية وأي شكل من أشكال العنصرية لا مكان له في الحرم الجامعي ولا في هذه الحركة”.

ولا تزال قضية خليل معروضة أمام محكمتين منفصلتين.

فالقاضي فاربيارز يمتلك صلاحية البت في دستورية محاولات ترحيله، كما يملك سلطة الإفراج عنه مؤقتاً.

في المقابل، يشرف قاضي محكمة الهجرة، جيمي كومانس، على الإجراءات الإدارية المرتبطة بترحيله، وسيُحدّد ما إذا كانت الحكومة قد استوفت المتطلبات القانونية الكاملة لتنفيذ الترحيل.

ومن المقرر أن تُعقد جلسة الاستماع التالية في محكمة الهجرة يوم الخميس.

واختتم التقرير بنقل شهادة مؤثرة من زوجة خليل، الدكتورة نور عبد الله، التي حضرت إحدى الجلسات برفقة طفلهما الرضيع، دين، المولود في 21 نيسان/أبريل.

وبينما كانت تبكي، قالت إنها كانت تتطلع لحضور زوجها لحفل تخرجها، مضيفة: “كما فاته ولادة ابننا دين، ضاعت عليه أيضاً أولى لحظات حياته… لقد سُرقت هذه اللحظة منه”.