اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٨ تموز ٢٠٢٥
د. محمد المسعودي
وما بين أهازيج الزامل وعبق التاريخ وصدق الولاء، تظلّ نجران شامخةً بأميرها ونائبه وأهلها، مضيئةً برصيدها العريق، ماضيةً بثقة نحو غدٍ مزدهر، تحفظ فيه تراثها، وتحتفي بإنسانها، وترفع راية الإبداع عاليًا في سماء الوطن.
حين تذكر نجران، تستحضر تاريخًا ضاربًا في جذور الزمن، وأرضًا نسجت ملامحها من رحيق الأصالة ووعي الإنسان. نجران تلك المدينة الجنوبية المكتسية بعباءة النخل والتراث العميق، وتروي قصةً متجددةً من التنمية والحضارة التي تتسع عامًا بعد عام، حتى غدت أنموذجًا يُحتذى في بناء المكان وصناعة الإنسان.
في قلب هذه المسيرة المشرقة، يسطع اسم صاحب السمو الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد أمير منطقة نجران، قائدٌ أدرك بفطرته أن التنمية تستمد قوتها من القيم الراسخة، وأن النهضة الحقيقية تنطلق حين تحتضن القيادة الناس بحبٍ وصدق، جعل الأمير جلوي من أبواب الإمارة جسورًا مفتوحةً لكل فكرةٍ طموحة ولكل يدٍ تبني وتعمّر، فصار أهل نجران يلمسون أثر هذه الجهود في تفاصيل حياتهم، في الطرق التي اتسعت، وفي المشاريع التي ازدهرت، وفي الحراك السياحي والثقافي والاجتماعي الذي نما في قلوبهم قبل ملامح مدينتهم.
وهذا التوجه التنموي يحمل روح القيادة السعودية الرشيدة التي غرست في نفوس مسؤوليها أن خدمة المواطن شرفٌ ومسؤولية. ويقف إلى جواره سمو نائبه الأمير تركي بن هذلول بن عبدالعزيز الذي أحبته القلوب بحضوره الدائم وتواصله القريب مع الناس، وبصماته الواضحة في مسارات التنمية ورعاية المبادرات المجتمعية.
وتكتمل هذه الصورة الزاهية بصفاء إنسانها، فهذه الأرض الطيبة يسكنها رجالٌ ونساءٌ لهم من الفضائل والكرم أوفر النصيب، يفيضون مروءةً ونخوةً ووفاءً، يعتزون بقيمهم الأصيلة، ويقابلون التقدير بالمحبة والإحسان، ويحتفظون برصيدٍ كبيرٍ من الإخلاص لمن عاش بينهم أو عبر أرضهم.
ويمتد وهج نجران أبعد من حاضرها المزدهر، ليعانق تراثًا ضاربًا في أعماق التاريخ، صنعته أجيال متتابعة صنعت المجد وورثت الحكاية؛ فلهذه الأرض ذاكرةٌ نابضةٌ تسكن حصونها الطينية وقلاعها العتيقة، وفي مقدمتها قلعة الأخدود، الشاهدة على حضارةٍ خالدةٍ سطرت على جدرانها ملامح القوة والعراقة. وتأتي آبار حمى وموقع الأخدود الأثري ضمن كنوز التاريخ الإنساني التي تفيض أسرارًا وحكمًا وحضاراتٍ متعاقبةٍ صاغت شخصية المكان والإنسان.
وجاء موسم هذا العام صيف 2025 (صيفنا هائل) حاملًا معه معنى يليق بطموح المكان وأهله، فـ'هائل' في وجدانهم يعني العظمة في الأثر والعمق في التجربة واتساع الفرح والأنشطة والثقافة. انطلقت فعاليات الموسم مؤخرًا في حفلٍ بهيجٍ جمع عبق الأصالة بروح التجديد، لتصبح نجران وجهةً صيفيةً تحتفي بالحياة والتنوع والجمال.
وقد كان لأوبريت 'في ربى نجران' حضورٌ مؤثرٌ في حفل صيفنا هائل 2025، حاملاً معاني الوفاء والانتماء لأرض الجنوب الطيبة. كلمات الأوبريت التي نظمها شاعر الوطن والإبداع علي السبعان، الذي قلّما تفوّت كلماته بُعدَ الأثرٍ والجمال، ولحنه الفنان عبدالرحمن باحمدين الذي صاغ ألحانًا تلامس القلب وتنثر شغف التراب والهوى، وأداه بصوتهما العذب الفنانان القديران عبادي الجوهر وطلال سلامة، فامتزجت نبراتهم بين الصدى الجبلي وجريان التاريخ في الضفاف. رسموا بأصواتهم لوحةً موسيقيةً حيةً، جعلت من 'في ربى نجران' تلك اللحظة التي اجتمعت فيها أصالة الكلمة وصدق الأداء تحت سماء الحفل البهيج.
وامتدت روعة الأوبريت إلى الحضور الذي تفاعل بحرارة وصفق طويلاً لكل مقطع، وشارك بالغناء والوجدان، حتى تحولت المنصة إلى مساحة مشتركة من الحب والفخر. بدت الوجوه مشرقةً والقلوب عامرةً بالاعتزاز، وصار الأوبريت عنوانًا يليق بهذه الليلة الكبيرة التي ستبقى حيّةً في ذاكرة نجران وأهلها.
وبصفتي ممن تشرفت ضيفًا حضر الحفل المبارك، أجدني مدفوعًا بصدق الامتنان والعرفان لأمانة منطقة نجران، تقديرًا لجهودهم المخلصة الدؤوبة في المنطقة، ولتنظيمهم الرائع الذي أنصف مكانة نجران وأظهرها كما هي منبعًا للتميز والإبداع في كل محفل.
نجران اليوم تكتب صفحةً واثقةً من تاريخها، وتصنع حاضرًا مفعمًا بالطموح، في ظل قيادة تؤمن أن التنمية تكتمل حين تلتقي المشروعات الكبيرة بالوجوه المشرقة والقلوب الناصعة، وحين تتعانق الأحلام مع القيم.
وما بين أهازيج الزامل وعبق التاريخ وصدق الولاء، تظل نجران شامخةً بأميرها ونائبه وأهلها، مضيئةً برصيدها العريق، ماضيةً بثقة نحو غدٍ أجمل، تحفظ فيه تراثها، وتحتفي بإنسانها، وترفع راية الإبداع عاليًا في سماء الوطن.
هكذا تكتب نجران فصولًا جديدةً في سجل المجد، وتروي حكاية أرضٍ آمنت بأن الحضارة لا تُبنى إلا حين تجتمع القيادة الملهمة بالإنسان الوفي حيث تنمو التنمية على ضفاف القيم والهوية الأصيلة.