اخبار السعودية
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
طه العاني - الخليج أونلاين
كم عدد المشاركين في مؤتمر ميونيخ للأمن بالعلا؟
أكثر من 100 من كبار القادة والمسؤولين الدوليين.
كيف صدّرت المملكة العلا دولياً؟
عبر جعلها منصة للقمم والفعاليات العالمية.
تفتح استضافة السعودية لاجتماع مؤتمر ميونيخ للأمن في مدينة العلا صفحة جديدة في دبلوماسيتها الإقليمية، إذ تسعى المملكة إلى ترسيخ موقعها كمركز للحوار الدولي وصياغة التفاهمات الأمنية في مرحلة تشهد تحولات متسارعة في موازين القوى العالمية.
ويأتي احتضان العلا للمؤتمر، الذي يُعقد للمرة الأولى خارج أوروبا منذ تأسيسه عام 1963، ليؤكد المكانة المتنامية للسعودية كلاعب دولي فاعل يسعى إلى إعادة تعريف الأمن الإقليمي ضمن إطار عالمي متعدد الأقطاب، يجمع الشرق بالغرب على طاولة واحدة.
أمن متعدد الأقطاب
لم يكن اختيار العلا مجرد صدفة جغرافية، بل خطوة تعكس رغبة السعودية في أن تتحول من موقع التأثير الاقتصادي إلى موقع التأثير السياسي والأمني، عبر احتضان أحد أهم المنتديات العالمية المعنية بالأمن الدولي.
وقد شكّل انعقاد مؤتمر ميونيخ للأمن في نسخته الأولى داخل المملكة مؤشراً على تنامي ثقة المجتمع الدولي في قدرة الرياض على أن تكون منصة للحوار وحل النزاعات، خصوصاً في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط.
وانطلقت أعمال المؤتمر يوم الأربعاء، 1 أكتوبر 2025، بمشاركة أكثر من 70 شخصية من كبار المسؤولين الدوليين، وفق ما نقلته وسائل إعلام سعودية.
وحملت الجلسة الافتتاحية عنوان 'البحث عن حل وسط: الشرق الأوسط في عالم متعدد الأقطاب'، في إشارة واضحة إلى طبيعة المرحلة التي تشهد انتقالاً تدريجياً من النظام الأحادي إلى تعددية القوى والنفوذ.
وتوزعت أعمال اليومين على مناقشة ملفات واسعة تشمل التجارة العالمية، وأمن الطاقة، والأزمات الإقليمية، وطرق التجارة البحرية، والأمن النووي، وجهود تحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
ويرى مراقبون أن انعقاد مؤتمر ميونيخ للأمن في العلا للمرة الأولى يحمل رمزية دبلوماسية عميقة، إذ يعكس تحوّل المملكة إلى منصة توازن تجمع القوى الإقليمية والدولية في لحظة تتطلب إعادة تعريف للأمن الجماعي.
كما أن نقل المؤتمر من أوروبا إلى الشرق الأوسط للمرة الأولى منذ أكثر من 6 عقود، يشير إلى اعتراف عالمي بأن أمن الشرق الأوسط أصبح جزءاً مركزياً من أمن العالم، وأن السعودية باتت قادرة على استضافة نقاشات تتعلق بمستقبل النظام الدولي بأبعاده السياسية والاقتصادية والأمنية.
وتُعد هذه الخطوة امتداداً لدور المملكة المتزايد في الوساطة الإقليمية وتخفيف التوترات، إذ استضافت الرياض في العامين الماضيين اجتماعات حول السودان وأوكرانيا واليمن، ما يرسّخ صورتها كقوة دبلوماسية ناعمة تملك أدوات التأثير والحوار في آن معاً.
وأعرب المشاركون عن أملهم في أن تسهم اجتماعات العلا بفتح مسارات تعاون جديدة في مجالات أمن الطاقة، وحماية الممرات البحرية، وتعزيز الأمن الغذائي، وهي ملفات ترتبط مباشرة بالاستقرار العالمي وبمصالح دول الخليج التي تعدّ محوراً في حركة التجارة والطاقة الدولية.
دلالات الاستضافة
وحملت استضافة مؤتمر ميونيخ للأمن في العلا هذا العام رمزية تتجاوز المكان والزمان، إذ جمعت العشرات من كبار القادة والمسؤولين الدوليين، في حدث يعكس انتقال مركز الحوار من أوروبا إلى الشرق الأوسط.
ويرى الرئيس التنفيذي للمؤتمر بنديكت فرانك أن 'السعودية اليوم من أكبر اللاعبين الإقليميين، وأصبحت واحدة من أهم الفاعلين في الدبلوماسية الدولية'، مشيداً بجهود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 'خلق الاستقرار الذي يمكّن الحكومة من التركيز على ازدهار طويل الأمد ومستدام'.
ويشير فرانك في حوار مع صحيفة 'الشرق الأوسط'، نشر في 2 أكتوبر الجاري، إلى رمزية اختيار العلا تحديداً، قائلاً: إن 'صخرة الفيل تتوافق مع شعار المؤتمر (الفيل في الغرفة)'، في إشارة إلى ضرورة مواجهة التحديات الكبرى التي يتجاهلها العالم، مؤكداً أن العلا 'تجمع بين التاريخ والثقافة والرؤية المستقبلية'.
ويُنظر إلى هذا التحول بوصفه مؤشراً على إعادة توزيع مراكز الثقل السياسي في العالم، فبينما كانت ميونيخ تاريخياً منصة لبحث الأمن الأوروبي، باتت العلا اليوم موقعاً جديداً لإعادة تعريف الأمن الدولي من منظور عربي.
مكانة دولية راسخة
ويرى الكاتب والمحلل السياسي قحطان الشرقي أن استضافة السعودية لمؤتمر ميونيخ للأمن هذا العام تعكس دورها كمنصة للحوار الدولي، وتظهر مكانة المملكة كفاعل صعب ومؤثر في المنطقة فيما يتعلق بملفات الشرق الأوسط الساخنة، مثل الحرب في اليمن، وملف غزة، والملف السوري.
وأوضح لـ'الخليج أونلاين' أن انعقاد هذا المؤتمر لأول مرة في الشرق الأوسط، وتحديداً في الرياض، يعكس اهتمام المملكة البالغ بالقضايا العالقة في المنطقة والملف النووي الإيراني.
ويلفت الشرقي إلى أن العنوان اللافت للجلسة الافتتاحية، وهو 'البحث عن حل وسط الشرق الأوسط في عالم متعدد الأقطاب'، يدل على أهمية النزاعات القائمة وحجم التحدي.
ويردف أن كل هذه العناوين والبنية المدرجة في الاجتماع تدل على مكانة المملكة وتأثيرها على هذه الملفات، ومن ضمنها الملف النووي الإيراني وملفات غزة واليمن وسوريا.
ويرى الشرقي أن مشاركة وزير الخارجية السوري تعكس الاهتمام الدولي بملفات سوريا العالقة، ومن ضمنها العلاقة مع 'إسرائيل'.
وخلص إلى أن هذا الاجتماع يؤكد مكانة المملكة وقدرتها على أن تكون دولة ذات ثقل في إدارة الأزمات بالشرق الأوسط، مشيراً إلى أن المملكة كان لها جهود حثيثة في ملف الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بدعم وزخم أوروبي.
كما يشير الشرقي إلى أن هذه الملفات العالقة تؤكد أن من يستطيع حلها هي دول المنطقة أولاً، وليس بالحلول المفروضة من الخارج. ويعتقد بوجود توافق خليجي وعربي وتركي على ضرورة التوصل إلى حلول تعزز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وتحفظ مصالح الجميع في المنطقة.
دبلوماسية العُلا
وتحولت محافظة العُلا إلى منصة دبلوماسية لافتة ضمن استراتيجية السعودية لتعزيز مكانتها الدولية، حيث استضافت عدداً من اللقاءات والمناسبات رفيعة المستوى، أبرزها قمة العُلا الخليجية، في يناير 2021، التي شكلت نقطة تحول في المصالحة الخليجية بحضور قادة دول مجلس التعاون.
وشهدت العُلا، في عام 2023، زيارات رسمية متكررة من شخصيات سياسية دولية، مثل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ووفود رفيعة من كوريا الجنوبية واليونان وغيرها، ما يؤكد أهميتها كموقع دبلوماسي مفضل يعكس التراث والانفتاح.
علاوة على ذلك استضافت العُلا قمماً ثقافية وعلمية، منها مؤتمر 'العلا وعلوم المستقبل' ومناسبات نظمتها الهيئة الملكية لمحافظة العُلا بالشراكة مع اليونسكو، ما جعلها منصة حوار حضاري عالمي.
ولا يقتصر الحضور الدولي على السياسيين؛ بل يشمل تنظيم مهرجانات عالمية مثل 'شتاء طنطورة' وفعاليات رياضية مثل 'سباق القدرة والتحمل للخيول'، التي جذبت مشاركين من أكثر من 40 دولة، ما يعزز تصدير العُلا كوجهة ثقافية وسياحية واعدة.
وتُظهر هذه التحركات كيف تسعى السعودية لتسويق العُلا كرمز للسلام، والانفتاح، والريادة الثقافية، ضمن رؤية أوسع لتحويلها إلى مركز دولي للتبادل الحضاري والسياحي.