لطالما كان الفن لغةً رمزية يتحدث بها الفنانون ويعبرون من خلالها عن أفكارهم وآرائهم ويرصدون بها تغيرات وتقلبات مجتمعاتهم ويوثقون من خلالها كثيراً من الأحداث والحوادث والتفاصيل التي تحكم وتتحكم بسياقات عصرهم فيدعون الجمهور المتذوق إلى النظر إلى ما وراء السطح والتفاعل مع إبداعهم الأعمق لاستكشاف ما يطرحونه من أفكار وفهم ما يقصدونه من معانٍ خفية، ويطالبونهم بإعادة النظر في كثير من السياقات التقليدية والمعتادة التي تتحكم وتحكم حيواتهم فينظرون لها بطريقة مختلفة.. إلا أن كثيراً من الجمهور خاصة من غير المتخصصين ما يتساءلون عن كيفية فهم الرموز المخفية في اللوحات الفنية، بالسياق التالي 'سيدتي' التقت منة الله عاطف – فنانة تشكيلية لتجيبك عن هذا السؤال الصعب، بحسب سيدتي.

المتلقي يقع في معضلة قراءة وفهم رموز ورسائل الفنان

تقول منة الله عاطف – فنانة تشكيلية لسيدتي، وهي حاصلة على درجة الماجستير في 'السمبوليزم أو الرمزية في الفنون وتأثيراتها الواسعة في المدارس التشكيلية المعاصرة'، يجنح كثير من الفنانين، كلٌ حسب ذوقه وذائقته وثقافته وبيئته وتنشئته وعاداته وتقاليده وسياقات علاقاته الاجتماعية والإنسانية، إلى التعبير عن مكنونات ذواتهم ومختلف آرائهم وخفايا أفكارهم مستخدمين مختلف السياقات التشكيلية والإبداعية، ومَن ثم قد نجد العديد منالرسائلالمخفية التي يرسلها الفنانون والمبدعون للمتلقي في أعمالهم، فيتركونه في معضلة محاولة قراءة وفهم محتوى هذه الرسائل، فمن لوحات الكهوف القديمة إلى المنشآت الفنية المعاصرة، لطالما استخدم الفنانون الصور الرمزية للتعبير عن الأفكار والمشاعر والقيم. هذه المعاني الخفية تُحوّل شيئاً أو شكلاً بسيطاً إلى شيء عميق.

يعبر كل فنان عن وجهة نظره وفق رموز وأدوات تخصه

تستكمل منة الله: نحن لا ننكر أن أكثراللوحات، غالباً ما تحمل بطياتها الكثير من الأسرار المخفية والأحاجي الرمزية التي تجنح نحو الغموض فتحتوي عناصر اللوحة، أو العمل الفني عامة، الأساسية أو حتى الثانوية الكثير من المحتوى والرمزية غير المباشرة ليكون التحدي الأكبر أمام المتلقي هو كيفية فك شفرتها وفهم أبعادها، فماذا يقصد الفنان من هذه النظرة أو تلك الحركة التي يتخذها الشخص الذي يتم تصويره على سبيل المثال.. وهكذا يظل عقل المتلقي يتساءل خلف تفاصيل كيفية تحول كائن مفيد إلى كائن فني إبداعي له قيمة مهمة تخدم العمل الفني، أو لماذا استخدم هذه الرموز والتي قد تبدو مجرد أدوات فنية تركيبية تضبط اتزان العمل الفني أو قد تكون تعسفية في محتواها تخبئ قصصاً تخص الفنان شخصياً تعبر عن الولاءات العائلية أو الانتصارات السياسية أو الرفض لسياقات المجتمع المتعنتة.. إلخ من المعاني، فالفنان يقدم للمتلقي أو الجمهور تلك الاستجوابات والتي تحمل دعوة كاملة للحوار مع عمله الفني ودور المتلقي هو إعمال العقل في البحث وراء ما رموز العمل أو ماذا يقصد الفنان من سياقات العمل و.. هكذا

بعض المعاني المتفق عليها لبعض الرموز الفنية

تقول منة الله: هناك بعض الرموز المتعارف عليها والمتفق على معناها والتي تكتسب منظوراً جديداً لكيفية تواصل الفن عبر العصور والثقافات استخدمها الفنانون لقرون وفق تفسيراتها الشائعة ومنها:

مثال لتحليل الرموز باللوحة

تؤكد منة الله: أنه من المعروف أن الفنانين يستخدمون هذه الرموز وغيرها الكثير لإضفاء معنى أعمق على أعمالهم، مما يحفز المشاهدين علىالتفاعلمعها فكرياً وعاطفياً. بمجرد أن تبدأ بملاحظة هذه التفاصيل، ستلاحظ كمّ القصص التي ترويها ضربات أيفرشاة، على أن أشهر الأعمال الفنية في التاريخ تزخر برموز خفية، تنتظر من يتأملها ليكشف أسرارها.

لوحة غيرنيكا للفنان بابلو بيكاسو

تُعدّ لوحة 'غيرنيكا'Guernica الضخمة لبيكاسوعملاً فنياً سياسياً وعاطفياً باهراً، يزخر بالصور الرمزية التي تُجسّد أهوال الحرب. يُمثّل الثور الوحشية والظلام، بينما يرمز الحصان الجريح إلى معاناة الأبرياء.

العشاء الأخير لليوناردو دافنشي

للوهلة الأولى، تبدو لوحة العشاء الأخيرThe Last Supper تصويراً مباشراً للعشاء الأخير للمسيح مع تلاميذه. إلا أن دافنشي أضفى على اللوحة تفاصيل رمزية دقيقة. فترتيب التلاميذ في مجموعات من ثلاثة يعكس الثالوث الأقدس، بينما يظهر يهوذا الخائن في الظل ممسكاً بكيس من الفضة مما يجعله منبوذاً.

بالنهاية تقول منة الله: إن فهم السياق الثقافي والتاريخي للرموز يُثري تقديرنا للفن. فهو يكشف كيف ينقل الفنانون الحقائق وفق رموزهم التي تعبر عن وجهات نظرهم، على الرغم من أنهم يُصممون رسائلهم لتناسب جماهير وعصوراً محددة.