اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢٩ كانون الأول ٢٠٢٥
د. فايز بن عبدالله الشهري
في خطوة مباغتة على خريطة التوازنات في القرن الأفريقي، جاء اعتراف إسرائيل 'بجمهورية' أرض الصومال (في 26 ديسمبر 2025). وهذا الاعتراف، الذي قد يبدو انتصارًا دبلوماسيًّا لهرجيسا، يفتح في الواقع بابًا واسعًا أمام تحديات شائكة بوصفه أقرب إلى مقامرة جيوسياسية في ظل الواقع الدولي الذي يواجه الكيانين في محيطهما.
نعم، هناك دول تتوافق مع سياسية تل أبيب وتدعم وتستثمر في وضع أرض الصومال، فإثيوبيا، (الدولة المحاصرة بريًا)، كانت وقعت مذكرة تفاهم مع هرجيسا في يناير 2024 لاستئجار 20 كيلومترًا من الساحل مقابل اعتراف محتمل ومشاركة في الخطوط الجوية الإثيوبية. وكذلك أقامت تايوان بإيعاز أميركي مكاتب تمثيلية منذ 2020، لتعزيز دبلوماسية مواجهة الصين. وكذلك تتحرك الإمارات من بوابة المصالح من خلال شركة موانئ دبي التي تدير ميناء بربرة. ولم يعد خافيًا، حسب بعض التقارير وجود دعم ما من الولايات المتحدة وبريطانيا، مع مناقشات في إدارة ترمب 2025 حول الاعتراف المتدرّج بأرض الصومال، على إيقاع المخاوف من نفوذ الصين.
في السياق السياسي، حاولت أرض الصومال وداعميها منذ إعلان استقلالها من جانب واحد عام 1991م تقديم نفسها كنموذج للاستقرار والديمقراطية في منطقة مضطربة، معتمدة على واقع إجرائها انتخابات وبناء مؤسسات دولة. وكانت تسعى للحصول على اعتراف دولي واسع، خاصة من الاتحاد الأفريقي ودول الجامعة العربية، والدول الغربية. وبالمناسبة كانت 'أرض الصومال' الكيان الوحيد الذي أعلن اعترافه بـ'جمهورية اليمن الديمقراطية' التي أعلنها علي سالم البيض في 21 مايو 1994.
والاعتراف الإسرائيلي، وإن كان يمثل بارقة أمل لأرض الصومال، فإنه يضعها في قلب لعبة شطرنج إقليمية ودولية تتجاوز قدرتها على التحكم في متغيراتها، حيث سيفرض الاعتراف الإسرائيلي على هرجيسا الانخراط في صراعات لا ناقة لها فيها ولا جمل. ويأتي (إعلان) إسرائيل لهذه الخطوة للاستفادة من موقع الحليف الجديد بساحله الاستراتيجي الطويل على خليج عدن ليوفر لتل أبيب عمقًا أمنيًا ونقطة ارتكاز لا تقدر بثمن. ويعيد هذا التحرك الإسرائيلي إلى الأذهان 'عقيدة المحيط' الإسرائيلية التاريخية، التي تدعو إلى بناء تحالفات مع دول وقوميات غير عربية على أطراف العالم العربي لكسر طوق العزلة العربيّة. وبهذا المعنى، فإن الاعتراف بأرض الصومال ليس مجرد قرار دبلوماسي، بل هو مناورة استراتيجية تهدف إلى تعزيز النفوذ الإسرائيلي في مواجهة خصومها الإقليميين.
وبهذا يصبح إعلان تحالف أرض الصومال الصريح مع إسرائيل، مخاطرة غير محسوبة إذ سينفّر الدول العربية والإسلامية التي كانت هرجيسا تأمل في كسب دعمها، وتحديدًا دول الخليج العربي ومصر. ثم إن هذه الخطوة ستؤدي حتمًا إلى تصعيد العداء مع مقديشو، التي سترى في هذا الاعتراف انتهاكًا صارخًا لسيادتها، مما قد يغذّي حالة عدم الاستقرار في المنطقة. إضافةً إلى ذلك، قد يؤدي هذا القرار إلى انقسامات داخلية في أرض الصومال، حيث قد لا تتفق جميع العشائر والقوى السياسية على جدوى الارتباط بدولة تثير سياساتها جدلًا واسعًا. وبهذا، تكون أرض الصومال قد استبدلت عزلتها الدبلوماسية بنوع جديد من العزلة السياسية الأكثر تأثيرًا. ومكمن الإشكال هنا، يأتي من تأثير تبعات هذه الخطوة على الانسجام الاجتماعي لسكان أرض الصومال بدخول بلادهم في أتون الصراع الجيوسياسي ما قد يفقدهم ميزة الوئام الاجتماعي مقارنة بالجنوب الصومالي، خاصة أنهم جميعًا (تقريبًا) مسلمون سنة يتبعون المذهب الشافعي.
الخلاصة؛ يبدو أن على 'جمهورية' أرض الصومال -إن كانت تملك قرارها- موازنة معضلة ثلاثية الأبعاد قد تعصف بكيانها: داخليًا تحدّي الحفاظ على الانسجام الاجتماعي، وإقليميًا الوعي بآثار التنافس الجيوسياسي الحاد على موانئها الاستراتيجية، ودوليًا مواجهة حقيقة أن كسر العزلة الدبلوماسية باعتراف إسرائيلي مثير للجدل سيزيد من تعقيد مسارها نحو الاستقرار والتنمية.
من لا يقرأ المستقبل.. يعش مرارة الماضي مرتين.










































