فاروق يوسف*

بضائع اليوم الأخير

قبل أن أسأله عن بضاعته أخرج الرجل الجالس على الرصيف مصباحا وقال لي، «هل سمعت حكاية هذا المصباح؟» قلت له كمَن يسخر «وصل مصباح علاء الدين إلى نيويورك إذن» قال مبهوتا «خربت الحكاية. هل تريد أن تشتري ساعة تسير عقاربها عكس الزمن؟» سألته «وما نفعي بها؟» قال وهو يضحك «ستحررك من التفكير في الموت. الموت يأتي من المستقبل»، ومنذ أن اشتريت تلك الساعة التي لا تكف عن التكتكة صرت أنام كما لو أن أحلامي هي بضائع يومي الأخير.

فاكهة مكسيكية

قالت الفتاة التي تشبه سلمى الحايك في السينما وليس في الواقع «تلك فاكهة مكسيكية» أردت أن أخبرها أن سلمى الحايك سورية الأصل، ولم تكن بشرتها من صناعة تلك الفاكهة حين بادرتني بالقول «كانت هناك دائما رياح شرق أوسطية يحملها المهاجرون معهم. يُخيل إليّ أن فريدا كاهلو كانت قد توقعت أن تحل سلمى الحايك محلها في فيلم سيزيدها غرورا. «ألست تشبهين فريدا كاهلو؟» ضحكت الفتاة «في السينما وليس في الواقع. لقد صنعت سلمى الحايك صورتها».

سمكة تشبهني

لو أن بائعة السمك قالت لي إنها اصطادت سمكها من نهر دجلة لصدقتها. كنت في حاجة إلى مَن يقول لي ذلك. في تلك اللحظة كانت عيناي فارغتين وأنا أنظر إلى بائعة السمك في الشواكة في بغداد. كان نهر دجلة يبعد خمسين مترا وكان السمك يجيء حيا إلى السوق. سألتني «ألم تختر سمكتك؟» قلت لها «لقد اعتدت أن تختارني» ولأنني لم أرغب في المضي في المزاح الغامض قلت لها «التي بين يديك» ضحكت وهي تقول «إنها تشبهك».

لقد مات صاحبي

قبل ثماني سنوات كنت أشتري الـ»تاكو» من مطعم مكيسيكي يقع في في سوق إيزكس القديم. والـ»تاكو» وجبة تشبه الشاورما. لذلك فقد أعادني طعمها ونكهتها إلى دمشق، يوم كنت أتناول الشاورما في مطعم صلاح الدين بقنوات. ولأن المدن تغازل زائريها من خلال طعامها فقد أحببت لغة الشاورما، كما أحببت لغة التاكو. بعد زيارات متكررة عرّفني طباخ المطعم المكسيكي الذي هو صاحبه على امرأته التي هي طباخة أيضا، وصرنا أصدقاء عابرين. ذهبت إلى السوق في مكانه الجديد بحثا عن صديقي فوجدته، ولكنه كان أصغر سنا. قالت ابنتي «هذا ابنه. لقد توفي صاحبك منذ سنوات».

فتى التوابل المدهش

«من أجل التوابل نشبت حرب طويلة»، ضحك الفتى وقال «أنا من اكوادور ولطالما حلمت بأني أسير وسط قبائل المايا وهي تبحث عن الأعشاب التي تنقذها من الموت». سألته «هل أبعدت شبحه عنك وأنت تُغرق نفسك يوميا بغابة من التوابل؟»، قال «المسألة نسبية. وهي تتعلق بطريقة تفكيرنا في الموت»، قلت مستغربا «ولكن الموت واحد» قال «ذلك ما تظنه أنت ولكنه ليس صحيحا». ضحك إذ أدرك أن مخيلتي نضبت. قال «الموت بالكمون ليس كالموت بالزنجبيل. والفلفل ليس القرفة أو اليانسون. الكزبرة ليست السماق أو القرنفل»، قاطعته «هل التقيت أحدا من المايا؟» قال «سلمني باقة أعشاب، صنعتُ منها وصفتي التي أريدك أن تجربها». كلما سافرت إلى مدينة ألقيت جزءا من رماد تلك الوصفة في نهرها. وهو ما صار يطمئنني إلى أن الموت سيقلل من حركته في تلك المدينة.

*كاتب عراقي