اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢٢ تموز ٢٠٢٥
د. محمد المسعودي
كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025، بما حملته من طموح وحضور واحترافية، تعكس مستوى جديدًا من نضج الرؤية، وتُجسّد صورة المستقبل التي تعمل المملكة على بنائه بكل وعي ودقة، تنظيمًا، ومضامين، ورسائل وصلت إلى العالم بأسره وبلغة حيوية حديثة..
في جامعة ستانفورد عام 1972، وُلدت أول بذرة لما سيصبح لاحقًا أحد أسرع قطاعات الرياضة نموًا، حين التقى طلاب حول لعبة إلكترونية تُدعى (Spacewar)، ومن لحظة إلى أخرى، بدأت تتكوّن ملامح عالم مختلف، يتجاوز شاشات التسلية العابرة، ويتجه نحو فضاء تنافسي جديد، تزدحم فيه المهارة، وتُبنى عليه اقتصادات، وتُعقد فيه تحالفات!.
وعبر التسعينيات الميلادية، ظهرت البطولات الكبرى واحدة تلو الأخرى.. World Cyber Games في كوريا، وESWC في باريس، حيث شكلتا انعطافة في المسار المهني للاعبين والمبرمجين والفرق حول العالم. ومنها ارتفع سقف الطموح، وتحولت المنصات إلى ساحات حقيقية، يتقن فيها اللاعبون الاستراتيجيات، وتُرصد لها الميزانيات، وتُسلّط عليها الأضواء.
خلال هذا المشهد، حضرت السعودية بمشروع متكامل. من المبادرات الأولى في Gamers Without Borders، إلى مهرجان Gamers 8، حتى إطلاق مؤسسة كأس العالم للرياضات الإلكترونية، تأسس حضور نوعي، وبناء صناعة، وتعزيز ثقافة، وتهيئة بيئة منافسة مستدامة.
النسخة الحالية في صيف 2025، جسّدت هذه الرؤية بوضوح، أكثر من 2000 لاعب يمثلون 200 نادٍ من مختلف دول العالم، شاركوا في منافسات شملت 25 لعبة، توزعت بين الذكاء الاصطناعي، والتكتيك، والسرعة، والتفكير، إضافةً إلى بطولة الشطرنج الرقمي والتي مثّلت إضافة لافتة، بفضل الشراكة مع Chess.com، وبقيمة جائزة تجاوزت 1.5 مليون دولار.
الجوائز الإجمالية تجاوزت 70 مليون دولار، وهو رقم يضع البطولة على رأس الفعاليات العالمية في قطاعها، وهذا الاستثمار الضخم يعكس التزامًا سعوديًا ببناء منظومة متكاملة، تجمع بين الترفيه والتقنية والاحتراف، وتفتح المجال أمام الأندية والمواهب لتنمو بجودة حياة أرحب في بيئة محفزة.
حضور معالي المستشار تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه، أضفى على البطولة بُعدًا نوعيًا في الرؤية والتنفيذ، فكان حرصه المباشر على دعم الفعالية، وتوجيهاته المستمرة لفريق العمل، أسهمت في بناء تجربة جماهيرية متكاملة، تتوسع من المنافسة التقنية إلى فضاء أوسع من الترفيه والثقافة والتأثير، فكانت تحت إشرافه، استضافة 'موسم الرياض' هذا الحدث كواحد من أعمدة الموسم لهذا العام، ليكون ملتقى عالميًا للمحترفين والهواة والجمهور الواسع، داخل مجمع بوليفارد سيتي الذي تحوّل إلى مركز نابض لعوالم الألعاب الرقمية.
جهود معاليه شملت ربط البطولة بهوية ترفيهية سعودية، عبر تكامل البرامج المصاحبة، واستقطاب النجوم العالميين، وتوفير بيئة تنظيمية احترافية، مدعومة بشراكات دولية مع كبريات شركات الألعاب والمحتوى الرقمي. الإقبال الجماهيري، والحضور الإعلامي العالمي، والنجاح التنظيمي الذي أشادت به المنصات المتخصصة، جاءت جميعها انعكاسًا لقيادة تمتلك الرؤية، وتملك أدوات الإنجاز، وتحرص على صناعة الفارق.
البطولة امتدت إلى ما هو أبعد من المباريات، فالفعاليات الثقافية المصاحبة، كالمعارض، الأنشطة الجماهيرية، والعروض التفاعلية، جميعها شكّلت تجربة غنية للزوار، ونسجت صورة حضارية حديثة للرياض، تعكس مدى النضج التنظيمي والقدرة على صياغة تجربة متكاملة في قلب المدينة.
رؤية السعودية 2030 وبتوجيهات عرابها سمو سيدي ولي العهد -حفظه الله-، وضعت هذا القطاع المهم ضمن أولوياتها، باعتباره رافدًا اقتصاديًا واستراتيجيًا، ومجالًا واسعًا لتفعيل قدرات الشباب، وتعزيز المحتوى المحلي، وبناء حضور رقمي يليق بمكانة المملكة عالميًا.
وفي نفس المنعطف، نجد مؤسسة كأس العالم للرياضات الإلكترونية أنشأت حدثًا عالميًّا نوعيًّا يقود التحول، ويسهم في بناء الجيل القادم من اللاعبين وصنّاع الألعاب والمحتوى.
الشراكات مع الشركات العالمية، مثل Riot Games، رسّخت الثقة الدولية في الحدث، ومدّت الجسور بين المنصات العالمية والمؤسسات السعودية. المشهد الإعلامي الدولي تابع التفاصيل باهتمام، وتفاعل معها بمستويات متباينة، تعكس حجم البطولة ومدى تأثيرها في إعادة رسم مشهد الرياضات الإلكترونية.
كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025، بما حملته من طموح وحضور واحترافيّة، تعكس مستوى جديدًا من نضج الرؤية، وتُجسّد صورة المستقبل التي تعمل المملكة على بنائه بكل وعي ودقة، تنظيمًا، ومضامين، ورسائل وصلت إلى العالم بأسره وبلغة حيوية حديثة.. لغة التفاعل والإبداع في زمن يتسارع نحو الرقمنة، بين التقنية والثقافة، وبين الموهبة والاستثمار، حتى المتعة والبناء الاستراتيجي، نحو بوابات لنمط حياة ابتكاري حيوي جديدّ.