اخبار الاردن
موقع كل يوم -وكالة جراسا الاخبارية
نشر بتاريخ: ٢٧ نيسان ٢٠٢٥
بين أنقاض الحرب وصدى الألم، تُولد من جديد بذور الأمل في شمال قطاع غزة، حيث عاد المستشفى الإندونيسي ليضخ الحياة في عروق الجرحى والمرضى بعد شهور من التوقف القسري بفعل العدوان، هذا الصرح الطبي، الذي كان شاهدًا على أعنف موجات القصف، استعاد نشاطه بفضل مبادرة إنسانية أطلقتها جمعية «تآلف الخير» الأردنية، والتي لبت نداء الاستغاثة القادم من غزة الجريحة.
وفي مشهدٍ يعكس عمق التضامن العربي والإسلامي، جُسّدت مساهمات أهل الخير في الأردن إلى أجهزةٍ طبية وغرف عناية مركزة، لتكون شاهدة على أن الإنسانية لا تعرف حدودًا، وأن صوت الحياة أقوى من دويّ القنابل.
ظهر أمس الاثنين، أعيد افتتاح المستشفى الإندونيسي في شمال قطاع غزة، وذلك بعد استكمال أعمال التأهيل والصيانة التي جاءت استجابة للكارثة الصحية التي خلفها العدوان، فيما جرت مراسم الافتتاح وسط حضور رسمي وشعبي واسع، حيث شارك في الافتتاح مدير عام وزارة الصحة في غزة الدكتور منير البرش، ووكيل الوزارة المساعد بسام الحمادين، ومدير المستشفى الدكتور مروان السلطان، إلى جانب مدير جمعية الوئام الخيرية المهندس محمد أبو مرعي، التي ساهمت في تنسيق المشروع، وكذلك المقاول المنفذ للأعمال الإنشائية أسامة رزق.
هذا الحضور المتنوع عكس حالة من التكاتف الوطني والمجتمعي، وأكد أهمية المشروع في إنقاذ أرواح المرضى، وتوفير خدمات طبية حيوية للمناطق الشمالية التي كانت تعاني من فراغ صحي بعد خروج المستشفى عن الخدمة، وقد جاء الافتتاح تتويجًا لجهود كبيرة بذلتها جمعية «تآلف الخير» الأردنية بالشراكة مع مؤسسات محلية، في خطوةٍ إنسانية تركت بصمة واضحة في وجدان كل من شهد المأساة وآمن بأمل النهوض من جديد.
بدوره، أكد مدير عام وزارة الصحة في غزة الدكتور منير البرش، في تصريح خاص لصحيفة «الدستور»، أنّ «الاحتلال الإسرائيلي تعمّد استهداف وتدمير البنية التحتية الصحية في شمال القطاع، وفي مقدمتها المستشفى الإندونيسي، الذي يُعد شريانًا حيويًا يخدم مئات الآلاف من المرضى والجرحى»، مبيناً أنّ «قوات الاحتلال لم تكتفِ بقصف المبنى، بل أقدمت على إحراق وتدمير طوابق بأكملها، بما في ذلك قسم الطوارئ والاستقبال وغرف العمليات، ما أدى إلى تدمير شامل للأجهزة الطبية والمعدات الحيوية داخله، الأمر الذي شلّ قدرة القطاع الصحي وترك الجرحى دون علاج».
وقال الدكتور البرش: «نقف اليوم أمام لحظة فارقة بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ لحظة يعاد فيها النبض إلى هذا الصرح الطبي العريق، الذي لم يكن يومًا مجرد مبنى إسمنتي، بل كان دومًا ملاذًا للجرحى والمصابين، وسندًا للمرضى في أحلك الظروف وأصعب الأوقات، وإعادة تأهيل المستشفى الإندونيسي اليوم هو انتصار حقيقي للإرادة الإنسانية على آلة الدمار، وتجسيد حيّ لمعاني الأخوّة العربية والإسلامية في أسمى صورها».
وأضاف البرش: «نتقدم بخالص الشكر والتقدير لأشقائنا في المملكة الأردنية الهاشمية، ولجمعية ‹تآلف الخير› على وجه الخصوص، ولكل من ساهم وشارك في إعادة إعمار هذا المستشفى الذي يشكّل شريان حياة لعشرات الآلاف من أبناء شعبنا، وهذا الدعم لم يكن مجرد بناء حجارة، بل كان بناءً للأمل، وموقفًا إنسانيًا نبيلًا في وجه الحصار والقصف والموت».
وشدّد البرش على أن الدور الأردني كان حاضرًا منذ اللحظة الأولى لاندلاع العدوان، من خلال تقديم الدعم والإسناد الفوري للقطاع الصحي، مشيرًا إلى أن الجهود الأردنية شملت إعادة تأهيل عدد من المستشفيات والمراكز الطبية التي تضررت بفعل القصف، ومن بينها مستشفيات كمال عدوان، والإندونيسي، وأصدقاء المريض، إلى جانب العديد من المرافق الصحية الأخرى.
من جهته، أوضح مدير المستشفى الإندونيسي في شمال قطاع غزة، الدكتور مروان السلطان، أنّ «هذا المستشفى، الذي يخدم ما يقارب 700 ألف مواطن في المناطق الشمالية، قد أُعيد تأهيله للمرة الثالثة بتبرع سخي ومبادرة إنسانية من جمعية «تآلف الخير» وأهل الخير في الأردن، بعد أن تعرّض مرارًا للتدمير الممنهج من قبل جيش الاحتلال».
وأضاف الدكتور السلطان، في حديثه لصحيفة «الدستور»: «لقد كانت وما زالت المواقف الأردنية بمثابة الرئة التي يتنفس
منها الشعب الفلسطيني، والدعامة الراسخة التي لم تتخلّ عنّا في أصعب اللحظات، وهذا الدعم الأردني ليس وليد اليوم، بل هو امتداد طبيعي لتاريخ طويل من التضامن الصادق والمواقف الأصيلة التي وقفت فيها المملكة إلى جانبنا، خاصة في الأوقات العصيبة التي عانت فيها غزة من ويلات الحروب المتكررة والعدوان المستمر، والذي استهدف بشكل ممنهج بنيتنا التحتية الصحية.»
وأشار السلطان إلى أن المملكة، قيادةً وشعبًا، ظلت حاضرة بقوة في كل مرحلة، وداعمًا أساسيًا للقطاع الصحي الفلسطيني، في ظل الظروف الصعبة، ليؤكد بذلك أن ما يقدمه الأردن من دعم طبي وإنساني ليس مجرد مساعدة، بل هو تجسيد حقيقي للروابط الأخوية العميقة، وبارقة أمل تضيء في قلب الظلام الذي يعيشه أبناء القطاع.
وثمن السلطان هذه المواقف النبيلة لجلالة الملك عبد الله الثاني، الذي لم يتوانَ لحظة عن نصرة شعبنا، وتوجيه مؤسسات المملكة كافة لتقديم العون والإسناد، تؤكد أن فلسطين لم تكن يومًا وحيدة في معركتها، وأن صوت الحق لا يزال له أنصار أوفياء يقفون إلى جانبه، مبيناً أنّ إبقاء المستشفى الميداني الأردني واستمرار عمله في قطاع غزة كان له دور حاسم في إنقاذ العديد من الأرواح، حيث قدم الدعم الحيوي الذي أسهم في تعزيز قدرة المنظومة الطبية المحلية في مواجهة التحديات الصحية الكبرى الناتجة عن العدوان المستمر.
وأشرفت جمعية الوئام الخيرية على تأهيل وصيانة المستشفى الإندونيسي، بتمويل سخي من أهل الأردن، حيث قال مدير الجمعية، محمد مرعي، في تصريح خاص لصحيفة «الدستور»: «منذ اللحظة الأولى لانسحاب جيش الاحتلال من شمال غزة في شهر كانون الثاني الماضي، بدأنا التواصل مع جمعية تآلف الخير الأردنية، التي أكدت جاهزيتها الكاملة لدعمنا، مهما تطلب ذلك من تضحيات أو تكاليف».
وأضاف مرعي: «المستشفى الإندونيسي أعيد تأهيله على ثلاث مراحل بعد تدميره من قبل الاحتلال، حيث كانت آخر مرحلة من عمليات التأهيل قد كلفت حوالي 400 ألف دولار من إجمالي المبلغ الذي بلغ مليون دولار لجميع المراحل»، مشيراً إلى أنّ «المواطنين سيتمكنون من تلقي الخدمة اللازمة وتضميد جراحهم، بعد إعادة تأهيل أقسام الاستقبال والطوارئ، وغرف العناية المركزة، والمبيت، والعيادة الخارجية، وغيرها من الأقسام الحيوية، والآن، أصبح المستشفى قادرًا على تقديم خدماته الطبية والصحية، حيث يمكن للمواطنين بدء المراجعة وتلقي الخدمة في جميع أقسامه المختلفة التي تعمل بكامل طاقتها الاستيعابية».
وشدد مرعي على أنّ «نشامى ونشميات الأردن كانوا دائمًا في طليعة الملبين لنداءات الاستغاثة، مقدّمين العون في أصعب اللحظات وأكثرها حاجة، ما يعكس أسمى معاني التضامن العربي والإسلامي في أوقات المحن، فالأردن كان وما زال سندًا حقيقيًا لأهل غزة في ظل العدوان المستمر»، موضحاً أنّ «هذه التكاليف تمثل جزءًا من الجهود المستمرة لضمان استعادة المستشفى لأداء دوره الطبي الحيوي في خدمة أبناء القطاع».
وحول المساعدات الأردنية، أشار مرعي إلى أن «المملكة الأردنية الهاشمية قد أثبتت منذ بداية الحرب كرمها وعطاءها الكبير ووقوفها الثابت إلى جانب قطاع غزة، حيث قدمت كافة أشكال الدعم من طرود غذائية، مواد تموينية، أدوية، ومعدات طبية، إضافة إلى المساعدات الإنسانية التي وصلت في وقتها الحرج»، مؤكداً أنّ «الوئام نفذت العديد من المشاريع التي ساهمت بشكل مباشر في مساعدة أهالي القطاع، وذلك بفضل تبرعات وكرم أهل الخير في الأردن، ومنها توزيع الطرود الغذائية، وكفالة الأيتام من أبناء الشهداء، والمساعدات النقدية، كما نفذت حملة الإغاثة العاجلة، التي تضمنت توزيع المياه المحلاة في ظل استهداف الاحتلال آبار المياه في القطاع، مما أسهم في تخفيف حدة أزمة المياه التي يعاني منها السكان».
وشكر مرعي جلالة الملك عبدالله الثاني، والحكومة والشعب الأردني، وجمعية «تآلف الخير» والهيئة الخيرية الهاشمية، التي تقوم بجمع وإيصال المساعدات، مؤكدًا أن بصمة المملكة كانت ولا تزال واضحة في دعم غزة في هذه الظروف الحرجة.
وأشاد مدير جمعية الوئام بالدعم الأردني الذي يتجاوز حدود المساعدات الظرفية، ليُجسد التزامًا عميقًا ومستدامًا تجاه تحسين سبل العيش الكريم والتخفيف من معاناة أبناء القطاع، مشدداً على أنّ الأردن، ومنذ اللحظة الأولى للأزمة، كان من أوائل الداعمين للشعب الفلسطيني في كافة المجالات الإنسانية، في موقف يجسّد الروح العربية الأصيلة، ويُبرهن على عمق العلاقة الأخوية والإنسانية بين الشعبين الفلسطيني والأردني.