تتفاقم معاناة السكان المدنيين في شمال دارفور وخاصة في مدينة الفاشر التي يحاصرها الجيش منذ شهور ويمنع الخروج منها ويرفض دعوات الدعم السريع بتوفير ممرات آمنه لخروج السكان ويعتبرها محاولة لتهجير السكان وتفريغ المنطقة، بحسب سبوتنيك.

رغم الدعوات التي أطلقتها قوات الدعم السريع لسكان الفاشر بالخروج إلى مناطق آمنة لتلقي المساعدات والعيش بأمان، تفرض قوات الجيش والحركات المتحالفة معه حظرا على خروج المواطنين من المنطقة الواقعة بشمال دارفور، وفقا لشهادات مواطنين وثقها موقع 'سودان تربيون' الذي أكد منع القوات المسلحة السودانية والحركات المتطرفة الموالية له الآلاف من الخروج.

وخلال الأشهر الماضية وجهت دعوات إقليمية ودولية لتجنيب السكان ويلات الحرب والحصار والجوع في الفاشر، الأمر الذي لقي قبولا لدى الدعم السريع وفق ما تم الإعلان عنه، حيث وجهت قوات الدعم السريع الدعوة إلى سكان ونازحي منطقة الفاشر بالخروج من الموقع الذي يشهد انتهاكات صارخة ضد حقوق الإنسان، ومخاطر كثيرة تهدد حياتهم بسبب القصف العشوائي لمسيرات الجيش السوداني، وفقا لبيان الدعم.

خصوصية دارفور

بداية تقول، لنا مهدي، الخبيرة السودانية في الشأن الإفريقي، ' أزمة شمال دارفور (الفاشر) تكشف عن انسداد سياسي وعسكري معقد تتحمل فيه قيادة الجيش المسؤولية، فبدلا من أن تعمل على حماية المدنيين وفتح المسارات الإنسانية اتجهت إلى تحويل مدينة الفاشر إلى ثكنة محاصرة مما فاقم من الكارثة الإنسانية وأدى إلى انهيار الخدمات الأساسية وشلل كامل في الحركة الاقتصادية والاجتماعية'.

وأضافت في حديثها لـ'سبوتنيك' :'المشكلة لا تتعلق بمجرد صراع مسلح بل بانعدام الإرادة في احترام خصوصية دارفور كمنطقة ذات خصوصية إثنية وتاريخية تتطلب حلا سياسيا شاملا لا يمكن الوصول إليه عبر عسكرة الفضاء العام وفرض واقع الحصار والتجويع كوسيلة للضغط السياسي أو العسكري'.

السيناريو الأسوأ

وتابعت مهدي، 'الجيش يتحمل المسؤولية لعدم التزامه بمبدأ الحياد تجاه المدنيين و لاتخاذه قرارات ميدانية أفضت إلى عزل المدينة وتفاقم معاناة السكان، ويزيد من عمق الأزمة استمراره في إدارة الحرب بمنطق العاصمة القديمة دون قراءة دقيقة لمآلات الأمور في إقليم يملك ذاكرة مشتعلة بالصراع والانتهاكات'.

وأشارت الخبيرة في الشأن الأفريقي، إلى أن 'الخطورة لا تكمن فقط في تدهور الأوضاع الحالية، بل في ما تفتحه من أبواب أمام تفكيك اجتماعي طويل الأمد يعيد إنتاج أسباب الحرب مرة أخرى تحت شعارات وطنية تخفي فشلا مزمنا في إدارة التنوع ومعالجة الأزمات بالوسائل السياسية المنضبطة والمسؤولة، بل إن جيش البرهان استخدم المدنيين كدروع بشرية ومنع الممرات الآمنة لخروجهم من الفاشر'.

سجن كبير

كان والي شمال دارفور، الحافظ بخيت محمد، قد حذر سكان ونازحي مدينة الفاشر من الاستجابة لدعوات المغادرة في يونيو/حزيران الماضي، على الرغم من تفاقم الأوضاع الإنسانية والمعيشية، وتفشي الأمراض والأوبئة وانتشار المجاعة في عدة مناطق.

وطالب السكان بعدم مغادرة الفاشر، وفي محاولة لإجبارهم على البقاء رغم الظروف الصعبة، ووعدهم بتقديم دعم فوري بقيمة مليار جنيه سوداني لما يعرف بـ'التكايا' التي تقدم الطعام في أحياء المدينة، للتخفيف من الأزمة المعيشية، مع وعد باتخاذ إجراءات أخرى مشابهة، لكن ظل الجوع شبحا يطارد السكان، فضلا عن الانتهاكات المستمرة التي وثقتها مجموعات حقوقية من أفراد وعناصر الميليشيات المتطرفة التي تقاتل مع الجيش وتسيطر على مدينة الفاشر، بحق المدنيين العزل.

وكشف 'مركز رؤى' السوداني في بيان عبر منصة 'إكس'، استمرار عمليات منع السكان من الخروج، بقيام عناصر من الجيش والحركات المتطرفة المتعاونة معه من مغادرة الفاشر، بحسب ما نشره المتحدث الرسمي باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين آدم رجال.

أسوار المدينة

بدوره يقول، المحلل السياسي السوداني، وليد علي، 'المسؤولية تقع على قوات الدعم السريع التي تخالف قرار مجلس الأمن حول الفاشر التي تعيش في حالة انسانية سيئة غير مسبوقة في آخر قرنين، حتى أن الناس أكلت ورق الشجر وعلف البهائم التي انقرضت تماما، الموت ينتظر من يعيش داخل الفاشر وأيضا ينتظر خارج أسوار المدينة المحاصرة، حيث أن عددا من المقاطع المصورة أوضحت أن الهاربين من المدينة يواجهون الموت على يد القوات التي تحاصر المدينة'.

وأضاف في حديثه لـ'سبوتنيك' : 'في ظل عدم تقدم قوات الجيش السوداني ومن معه من متحالفين، يبدو أن عذاب هذه المدينة سوف يستمر طويلا ومن الواضح أن الوضع العسكري في كردفان ودارفور ليس كما كان في الوسط و الخرطوم، فإن قوات الجيش تجد صعوبة في قتال قوات الدعم السريع ومعها الحركة الشعبية، مما يجعل عملية التقدم صعبة وذلك لأن قوات الدعم السريع والحركة الشعبية تحارب في بيئة صديقة وليست كالسابقة في الخرطوم و الجزيرة'.

وأشار علي، إلى أنه 'قد يكون من المفيد التفكير في تسوية لإنقاذ سكان الفاشر بترتيب أممي، و ممارسة ضغط على قوات الدعم السريع لفك هذا الحصار'

وأعلنت حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي، بقيادة الهادي إدريس، تحويل مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور السودانية إلى 'منطقة عمليات عسكرية'، داعية إلى نزوح غالبية السكان المدنيين إلى مناطق أكثر أمانا.

ونقل موقع'أخبار السودان' بيانا صادرا عن الحركة حذرت فيه المواطنين المتبقين داخل المدينة ومعسكرات النازحين، مطالبة إياهم بمغادرتها فورا والتوجه إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها، خاصة في 'كورما وعين سيرو والمحليات الآمنة الأخرى بالولاية'. كما طالبت الحركة النازحين بالتنسيق مع قوات تحالف السودان التأسيسي (تأسيس) لتسهيل انتقالهم وضمان سلامتهم.

يشار إلى أن الحركة عضو فاعل في تحالف السودان التأسيسي، الذي أسس في فبراير/شباط الماضي، في نيروبي بمشاركة قيادات من قوات الدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الحلو وأطراف أخرى، بهدف تشكيل حكومة موازية.

في سياق متصل، ناشدت الحركة الأمين العام للأمم المتحدة توجيه المساعدات الإنسانية والإغاثية للمتضررين في مناطق 'كورما وطويلة وكتم وعين سيرو وكبكابية وجبل مرة'، وسط أزمة إنسانية متصاعدة يعاني فيها آلاف النازحين من انقطاع الإمدادات الغذائية والطبية، وذلك مع استمرار الاشتباكات العسكرية وتصاعد الضغط على مدينة الفاشر.

يأتي هذا الإعلان في ظل تصاعد التحركات العسكرية وتدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة، مما يهدد بزيادة المعاناة الإنسانية للنازحين والمدنيين العالقين في مناطق الصراع.

واندلعت الحرب في السودان، في 15 أبريل/نيسان 2023، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في مناطق متفرقة من السودان، تتركز معظمها في العاصمة الخرطوم، مخلفةً المئات من القتلى والجرحى بين المدنيين.

وتوسطت أطراف عربية وأفريقية ودولية لوقف إطلاق النار، إلا أن هذه الوساطات لم تنجح في التوصل لوقف دائم للقتال.