اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٠ أيار ٢٠٢٥
بيع الدواء دون وصفة طبية: خلل في الصيدليات ام أزمة في النظام الصحي #عاجل
كتب اللواء المتقاعد الدكتور موسى العجلوني **
رغم القوانين الصريحة التي تمنع صرف أدوية الأمراض المزمنة والمضادات الحيوية دون وصفة طبية ورغم التعليمات الصادرة عن وزارة الصحة والمؤسسة العامة للغذاء والدواء بمنعها، لا تزال هذه الممارسات منتشرة في جميع الصيدليات الأردنية الخاصة، في تجاوز يُثير تساؤلات حول فعالية الرقابة، وأخلاقيات المهنة ويعكس في جوهره أزمة أعمق في نظام الرعاية الصحية تحتاج إلى معالجة جذرية.
من العوامل التي تشجع الصيدليات على صرف الادوية والمضادات الحيوية دون وصفات طبية هي رغبة المواطنين وخاصة غير المؤمنين صحيًا (30 % من السكان) باللجوء الى الصيدليات للحصول على الدواء بسبب ارتفاع كشفية الطبيب وارتفاع سعر الأدوية التي يقوم الأطباء بوصفها، حيث يعتبرون الصيدلي ملاذهم الوحيد لمتابعة أمراضهم المزمنة وعلاج الحالات المرضية العارضة . يساعد ذلك سهولة الوصول للصيدليات الخاصة لتواجدها في معظم الشوارع التجارية وبين الأحياء السكنية، فيصبح الصيدلي 'الطبيب البديل'، مما يدفع اصحاب الصيدليات إلى استغلال هذا الوضع لتعظيم مردودهم المالي وخاصة في ظروف المنافسة الشديدة وارتفاع التكالبف التشغيلية.
إن ظاهرة صرف الادوية والمضادات الحيوية دون وصفات طبية ، وبصرف النظر عن الظروف والعوامل التي ساعدت على انتشارها،لها آثار سلبية على الصحة العامة وعلى النظام الصحي:
تناول الأدوية دون وصفات ومتابعة طبية قد يؤدي إلى: آثارجانبية ومضاعفات صحية خطيرة (حساسية،تسمم كبدي او كلوي) او تفاعلات دوائية ضارة مع ادوية أخرى او الى تشخيص خاطئ، مما يزيد من كلفة العلاج لاحقاً على النظام الصحي.
الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية يؤدي إلى زيادة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية (AMR) ويضعف مقاومة الجسم للأمراض ويجعل من الصعب علاج العدوى لاحقا، وهي مشكلة صحية عالمية تضعف قدرة النظام الصحي على مكافحة الأمراض ، وحسب منظمة الصحة العالمي تُعد واحدا من اكبر 10 تهديدات للصحة العامة.
الإستخدام غير الضروري للأدوية يؤدي الى إهدار الموارد وزيادة التكاليف الصحية وزيادة ارباح شركات الأدوية، حيث بلغت نسبة الإنفاق على الأدوية في الأردن حوالي 30% من اجمالي الإنفاق الكلي على الرعاية الصحية وهي من النسب العالية على مستوى العالم.
بيع الأدوية دون وصفة يعزز الثقة الخاطئة لدى الأفراد بقدرتهم على تشخيص انفسهم وعلاج مشاكل صحية معقدة دون الرجوع للأطباء.
إن مواجهة هذه المشكلة المزمنة تتطلب حلولا تشمل بنية النظام الصحي في الأردن تُلامس جذورالمشكلة ولا تقف عند الممارسات الظاهرة للعيان فقط مثل:
توسيع التغطية الصحية الشاملة: لابد من تسريع دمج كافة فئات المجتمع ضمن نظام تأمين صحي وطني شامل، يضمن الوصول إلى الطبيب والمتابعة الدورية بأسعار معقولة أو مجانية.
تعزيز الرعاية الصحية الأولية: الاستثمار في مراكز صحية فاعلة، منتشرة جغرافياً، توفر خدمات متابعة الأمراض المزمنة وتوصيف الأدوية، ما يُقلل من اعتماد الناس على الصيدليات الخاصة كجهة تشخيص وصرف.
دعم القطاع الصحي العام لتحسين جودة الخدمات وتقليل مدة الإنتظار مما يقلل الاعتماد على القطاع الخاص.
إصلاح سياسات سوق الدواء: تنظيم سوق الأدوية لضمان نظام تسعيرعادل للأدوية يضمن وجود هامش ربح معقول لمستودعات الأدوية والصيدليات، مع وجود آلية واضحة لضبط سلوك السوق عبر رقابة فعّالة للمؤسسة العامة للغذاء والدواء.
التثقيف الصحي المجتمعي: رفع الوعي العام بأهمية وصفة الطبيب، ومخاطر استخدام الأدوية بدون إشراف طبي من خلال حملات وطنية شاملة يشارك بها الإعلام والمدارس ومنظمات المجتمع المحلي.
ايجاد آلية فعالة لإلزام الإطباء العاملين في القطاع الخاص وخاصة الإطباء الإختصاصيين بالتقيد بلائحة الأجور الرسمية المعتمدة وعدم تجاوزها.
تعزيز الرقابة الحكومية على الصبدليات الخاصة وتطبيق عقوبات صارمة على الصيدليات المخالفة ومنح حوافز للصيدليات الملتزمة.
وختاما إن بيع الأدوية دون وصفة طبية ليس مجرد مخالفة، بل عرضٌ لمرضٍ أكبر يضرب المنظومة الصحية من جذورها. والمطلوب ليس فقط فرض القانون، بل بناء نظام صحي متكامل يُعيد للصيدلي دوره المهني، وللمواطن حقه في العلاج الآمن، وللدولة ثقتها بمؤسساتها الصحية.
** الكاتب عضو المكتب السياسي ورئيس المجلس الإجتماعي/حزب المستقبل والحياة الأردني