اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢٩ كانون الأول ٢٠٢٥
د. عبدالله بن عبدالمحسن الفرج
وصف مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية تولسي غابارد على صفحتها على شبكة إكس مقال رويترز، حول اجماع الاستخبارات الامريكية - الأوروبية على أن روسيا تخطط للاستيلاء على كامل أراضي أوكرانيا وأراضي دول الكتلة السوفيتية السابقة، بأنه مقال كاذب، يشير إلى تطور غير عادي في العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا.
بالفعل فإن الأوربيين في وضع لا يحسدون عليه. فالدولة الأوروبية العميقة التي نشأت في ظل الرعاية الأمريكية، لا تؤيد التغيرات التي طرأت على الدولة العميقة في أمريكا بعد مجيء ترمب، والتي يمكن تلخيصها في الصورة المعلقة للرئيس السابق في البيت الأبيض على شكل قلم. فأوروبا لا تزال تفكر بعقلية صاحب القلم المعلقة صورته. وهذا ليس مصادفة، فأوروبا المهزومة والمدمرة بعد الحرب العالمية الثانية قد نهضت على يد أمريكا، وتربت على الطاعة والامتثال للسياسات التي ترسمها لها واشنطن، وهي سياسات تختلف عما يطرح الآن في البيت الأبيض.
وهكذا أسقط في يد القارة العجوز. فأمريكا التي كان اقتصادها بعد الحرب العالمية الثانية يصل إلى حوالي 50% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي لم تعد بعد أزمة الرهن العقاري عام 2008 بنفس الجبروت السابق. ولذلك يحاول الرئيس ترمب استجماع القوى «أمريكا أولاً»، والتخلي عن حماية أوروبا ولو مؤقتاً، وفرض رسوم على صادراتها، ولو إلى حين. وهذا كله لا يلقى صدى في العواصم الأوروبية التي تعودت على سماع نغمة أخرى من واشنطن.
من هنا، فإن دعوة ترمب لإنهاء الحرب الأوكرانية لا تلقى أذناً صاغية من قبل حلفاء الأمس. فواشنطن ترى أن هذه الحرب خرجت عن المسار المرسوم لها عندما جاء صاحب القلم المعلق في البيت الأبيض. وقتها تم تعبئة أوروبا لتأييد هذه الحرب. وأوروبا المطيعة استجابت لذلك وهولت وطبلت لما ترغب فيه واشنطن على أمل الإطاحة بروسيا وجمع المكاسب الناجمة عن ذلك.
ولكن السحر انقلب على الساحر، فروسيا تربح الحرب الدائرة. ولذلك يرغب ترمب في إيقافها، قبل أن تصل القوات الروسية إلى أوديسا، وتصبح أوكرانيا دولة داخلية- الأمر الذي يعني هزيمة للدول التي ساندت هذه الحرب وأضرمت نارها، بما فيهم أوروبا، التي حاولت وضع يدها على رؤوس الأموال الروسية، من أجل المساومة، لولا أن ضربتها أمريكا على يدها ومنعتها عن ذلك.
إن أوروبا سوف تخرج بعد انتهاء المرحلة الانتقالية التي يمر بها النظام العالمي، وإعادة هيكلته، خاسرة. فهذه القارة العجوز، التي أصابها الخرف، تعتقد أن بإمكانها نهب الجميع وتظليلهم، ولذلك تم قطع خطوط إمدادات الطاقة الرخيصة التي تعتمد عليها في الحفاظ على تنافسية ما تنتجه.
إن قطار الاقتصاد العالمي سوف يمر هذه المرة بالقرب من القارة العجوز، التي لن تستطيع ركوبه. فواشنطن تسعى إلى تشكيل مجموعة عالمية جديدة تحت مسمى مجموعة الخمس، تضم بالإضافة إلى الولايات المتحدة كل من روسيا، والصين، والهند، واليابان، لتحل مكان مجموعة السبع الهرمة، المكونة من البلدان الأوروبية بصفة رئيسة.










































