هاني وفا

لم يكن اجتماع “ميونخ للقادة” في العلا حدثًا بروتوكوليًا عابرًا، بل محطة مفصلية تؤكد أن المملكة باتت مركزًا لإعادة صياغة النقاشات الأمنية العالمية, أن يلتقي أكثر من مئة قائد ومسؤول دولي في قلب الجزيرة العربية لمناقشة قضايا الشرق الأوسط والعالم، فذلك يعكس حجم التحول في دور المملكة: من دولة محورية في محيطها، إلى منصة تجمع الشرق بالغرب على طاولة واحدة.

النتائج التي خرجت من العُلا تكشف بوضوح أن الأمن لم يعد قضية عسكرية فقط، بل معادلة أوسع تشمل الاقتصاد والطاقة والممرات البحرية, النقاش حول أمن البحر الأحمر وباب المندب كان إشارة صريحة إلى خطورة تهديدات الملاحة الدولية وسلاسل الإمداد الغذائية، ورسالة إلى المجتمع الدولي بأن ترك هذه البؤر دون معالجة يهدد الاستقرار العالمي.

كما برز البعد السياسي في الاجتماع من خلال اللقاءات الثنائية، التي كان أبرزها بين وزيري الخارجية الأمير فيصل بن فرحان والسوري، في إشارة إلى استعداد المملكة لفتح قنوات حوار أوسع ضمن سياسة الانفتاح الدبلوماسي التي تقودها، أما فلسطين فكانت حاضرة بقوة، حيث أكد وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان أنه لا استقرار حقيقياً دون حل عادل يضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، فيما شدد الحضور على أن السلام لا يمكن أن يولد من سياسات الأمر الواقع.

العُلا في هذا السياق لم تعد رمزًا للتاريخ والجغرافيا فحسب، بل أصبحت رمزًا لاستضافة المستقبل لقد وضعت المملكة بصمتها على خريطة الأمن العالمي، وأرسلت رسالة بأن الحوار الحقيقي حول أزمات المنطقة يجب أن يكون شاملاً.

إن ما تحقق في العُلا يفتح الباب أمام مرحلة جديدة، فالمملكة لاعب رئيس لا يمكن تجاوزه، وفي عالم يموج بالتحولات، بدت العُلا أشبه بنافذة واسعة تطل على آفاق مختلفة، حيث الأمن يتقاطع مع التنمية، والسياسة تلتقي مع المسؤولية، والمكان يصبح شاهدًا على أن زمن القرارات يصنع من هنا.