اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٣ كانون الأول ٢٠٢٥
'الحجارة الخمسة'... اسم عملية أم مرآة نفسية لجيشٍ يختبئ خلف الكلمات؟ #عاجل
كتب زياد فرحان المجالي -
في جغرافيا تتبدّل كل يوم، وتاريخٍ يُعاد صياغته بالنار والبارود، قد يبدو اسم 'الحجارة الخمسة' مجرّد عنوان لعملية إسرائيلية في شمال الضفة الغربية.
لكنّ الغوص خلف هذا الاسم يكشف أن الأمر ليس تكتيكًا عسكريًا بقدر ما هو اعتراف نفسي يُشير إلى جيش بات يحتاج إلى 'لغة” تحميه من واقعه أكثر مما يحتاج إلى سلاح يحسم معاركه.
فالعملية التي انتشرت في محيط التياسير، العقبة، طوباس، طمون، الفارعة — وهي المناطق التي تشكّل ما يصفه الاحتلال بـ'الحجارة الخمسة” — جاءت محمّلة بما هو أبعد من الاقتحامات التقليدية: طائرات هليكوبتر مقاتلة للمرة الأولى في الضفة، مدفعية ميدانية، ودبابات ميركافا تتحرّك داخل أراضٍ اعتادت إسرائيل وصفها بـ'الهادئة”.
وهذه ليست 'عملية هندسية”… بل 'لحظة نفسية”.
أولًا: الاسم… تاريخ الهزيمة قبل أن يكون غرفة عمليات
كلمة 'الحجر” ليست مصطلحًا عابرًا في الوعي الإسرائيلي.
إنها الجرح المفتوح منذ انتفاضة 1987، حين اكتشف الجيش — بكل وزنه الحديدي — أن طفلًا بحجر قادر على قلب ميزان ردعه.
منذ ذلك اليوم، صار الحجر عقدة.
ولأن العقل العسكري الإسرائيلي مأخوذ دائمًا بفكرة 'قلب الرموز”، فقد أطلق اسم 'الحجارة الخمسة” على عملية تستهدف خمس بلدات فلسطينية — محاولة بائسة لترويض المصطلح، ولإعادة تشكيل الذاكرة بطريقة تُقنع القوات بأن ما يخشونه ليس أقوى منهم.
لكن الحقيقة الموجعة تكمن هنا:
حين يختار الجيش اسمًا يوحي بالقوة، فهو يفعل ذلك لأنه يشعر بالضعف، ويحاول في كل عملية أن يصيغ 'قصة” تحميه من سؤالٍ أكبر:
لماذا لم تعد القوة قادرة على خلق واقع جديد؟
ثانيًا: الهدف الظاهر والهدف المخفي
في الظاهر، الهدف 'إحباط نشاطات' وتفكيك خلايا.
لكن استعمال سلاح الجو والمدفعية والدبابات في منطقة صغيرة، إلى جانب قطع خمس طرق رئيسية بين البلدات، يشير إلى هدف آخر:
ترميم الهيبة بعد انهيار الردع.
فإسرائيل تعلم جيدًا أن الضفة — خصوصًا شمالها — لم تعد الساحة التي يمكن التحكم بها عبر 'اقتحام” أو 'اعتقال”، بل ساحة تتشكّل فيها مجموعات قتالية صغيرة لكنها ثابتة، مرنة، وأكثر إصرارًا مما كان الاحتلال يظن.
لذلك كان لزامًا على القيادة العسكرية أن تُظهر للمجتمع الإسرائيلي بأنها 'تسيطر”، وأن الجيش 'مبادر” لا 'مطارَد”.
والاسم — وليس العملية — هو الذي يقوم بهذه الوظيفة النفسية.
ثالثًا: المهنيّة التي تخفي ارتباكًا… والاسم الذي يغطي الفوضى
في الخطاب العسكري الإسرائيلي، جرى تسويق العملية كتحرّك مُتقن:
خمس نقاط
خمس وحدات
خمس مهام
وخارطة متماسكة تُعطي الانطباع بأن كل شيء محسوب.
لكن مَن تابع الميدان يعرف الحقيقة:
اقتحامات بلا معلومات دقيقة.
إطلاق نار كثيف لتعويض غياب السيطرة.
قصف مبانٍ لأن الجنود لا يجرؤون على دخولها.
خسائر غير معلنة تعترف بها الصحافة العبرية تلميحًا لا تصريحًا.
استخدام قوة غير مسبوقة في الضفة كأنها غزة مصغّرة.
والأخطر من ذلك أن الجنود الثلاثة الذين أعدموا فلسطينيَّين بعد استسلامهما — رافعين أيديهم خارج منزل في طمون — لم يكونوا استثناءً، بل جزءًا من حالة تتسع داخل الجيش، كما كشفت معاريف نفسها.
وما كان لصورة الجيش أن تتحمّل هذه الفضيحة لولا الضغط الدولي الذي دفع إسرائيل إلى تقديم الجنود الثلاثة للمحاكمة… محاكمة يعلم الجميع أنها ليست إلا ستارًا دبلوماسيًا.
اسم 'الحجارة الخمسة” هنا يبدو كطلاءٍ يُخفي صدعًا نفسيًا لا خدشًا عابرًا.
رابعًا: الاسم يخون أصحابه
هناك ثلاث رسائل يفضحها هذا الاسم:
1. عقدة الحجر ما زالت تحكم العقل العسكري
لا توجد دولة في العالم تختار اسمًا يرتبط بأكثر رموزها إيلامًا.
إسرائيل تفعل ذلك لأنها لم تتجاوز هزيمتها الرمزية أمام الانتفاضة.
2. الضفة تغلي… والاسم يفضح الخوف
حين تجمع القيادة العسكرية خمس بلدات في عنوان واحد، فهي تعترف — دون أن تقصد — بأن الضفة خرجت من دائرة 'النقاط المنفردة” إلى الامتداد المقاوم.
3. مَن صاغ الاسم يريد رواية… لا عملية
الاسم موجّه للداخل الإسرائيلي، لا للميدان.
هو محاولة لبيع 'قصة قوة”، بينما الواقع يقول إن الجيش يقف أمام خمس جبهات من المقاومة، لا خمس أهداف جاهزة للسيطرة.
خامسًا: ما وراء الاسم… اعتراف لا يخلو من مرارة
عندما يختبئ جيش خلف اسم، فهو يعترف بأن الفعل لم يعد كافيًا.
وعندما يستخدم الدبابات في طوباس، والهليكوبترات في التياسير، والمدافع في طمون، فهو يقول بصوت غير مسموع:
لا نعرف كيف نسيطر، فنستخدم القوة بدلًا من المعرفة.
'الحجارة الخمسة” ليست عملية ناجحة، ولا خطة محكمة، بل مرآة تعكس:
ارتباك المؤسسة العسكرية،
تضخّم الخوف الداخلي،
وتحوّل الجيش من 'قوة مقتحمة” إلى 'قوة تحاول إقناع نفسها بأنها تسيطر”.
لقد أرادت إسرائيل أن تحوّل الحجر إلى عنوان ضعف فلسطيني.
لكن الحجر عاد ليكون عنوان ضعفها هي…
حين تضطر جيشًا كاملًا لاختيار اسمٍ يذكّره بما يخشاه.
وفي النهاية، يبقى الحجر حجرًا…
ويبقى الاحتلال هو الذي يختبئ وراء الكلمات.












































