اخبار الاردن
موقع كل يوم -سواليف
نشر بتاريخ: ٢٧ كانون الأول ٢٠٢٥
#سواليف
#ديون_الجامعات_الأردنية: #أزمة_تمويل_مزمنة وحاجة ملحّة لإصلاح هيكلي
بقلم د. #عبدالسلام_المعلا
تعود قضية الديون المتراكمة على الجامعات الرسمية الأردنية إلى الواجهة مع كل تقرير رقابي جديد يصدر عن ديوان المحاسبة، لتثير نقاشاً عاماً يتجاوز حدود الأرقام إلى جوهر السياسات التعليمية والمالية للدولة. فهذه الديون، التي تُقدَّر بمئات الملايين من الدنانير، لا يمكن حصرها في سوء إدارة ظرفي أو أخطاء فردية، بل تمثل نتيجة تراكمية امتدت لسنوات من الاختلالات الهيكلية في نموذج تمويل التعليم العالي وآليات حوكمته، وهو ما تؤكده شهادات من داخل الجامعات نفسها.
ووفقاً لما ورد في تقرير ديوان المحاسبة الأردني لعام 2024، بلغت إجمالي ديون الجامعات الرسمية نحو 293.7 مليون دينار أردني، إضافة إلى قروض قائمة تُقدَّر بحوالي 57.9 مليون دينار حتى نهاية عام 2024. وتتصدر جامعات كبرى وعريقة قائمة المديونية، في حين تظهر جامعات أخرى بمستويات أقل أو دون ديون تُذكر.
هذه الأرقام لا تعبّر فقط عن عبء مالي متزايد، بل تعكس مساراً إدارياً ومالياً مأزوماً. ويشير أحد أعضاء هيئة التدريس في جامعة الحسين بن طلال إلى هذا الخلل بقوله “سوء إدارة عندنا في جامعة الحسين، ففي آخر أربع سنوات تضاعف الدين أكثر من الضعفين، رغم زيادة أسعار المواد ورسوم التسجيل أضعافاً.” وهي شهادة تعكس فجوة واضحة بين ارتفاع الإيرادات من جهة، وتسارع المديونية من جهة أخرى، ما يطرح تساؤلات جدية حول كفاءة القيادة الإدارية وحسن إدارة الموارد. وقد أكد بروفيسور وعضو برلماني سابق أن إلمام رئيس الجامعة بعلمي الإدارة والمال يُعد شرطاً جوهرياً، وهو بالفعل أحد المتطلبات الأساسية لتعيين رؤساء الجامعات في العديد من الدول الغربية.
أما الأسباب الهيكلية للأزمة، فيتمثل أولها في تراجع الدعم الحكومي المباشر للجامعات الرسمية، مقابل تحميلها التزامات تشغيلية وأكاديمية متزايدة تشمل استيعاب أعداد كبيرة من الطلبة وتشغيل مرافق تعليمية وخدمية مرتفعة الكلفة، دون توفير تمويل مستدام يتناسب مع هذه الأدوار. ويكمن السبب الثاني في ارتفاع الكلف الثابتة، وعلى رأسها الرواتب والأجور، التي تستحوذ على النسبة الأكبر من موازنات الجامعات، ما يجعل أي تراجع في الإيرادات سبباً مباشراً لتفاقم العجز المالي.
وثالثاً، لا يمكن إغفال ضعف الحوكمة والمساءلة في بعض الجامعات، وهو ما أكدته التقارير الرقابية الرسمية. فقد أشار أحد أعضاء هيئة التدريس صراحةً إلى أن “تقرير ديوان المحاسبة أظهر كثيراً من التجاوزات في جامعة الحسين.” وهو ما يعزز القناعة بأن المشكلة ليست مالية فقط، بل قيادية وإدارية أيضاً، وتتعلق بآليات اتخاذ القرار وفعالية أنظمة الرقابة الداخلية.
وتُظهر التجارب الدولية أن معالجة مديونية الجامعات لا تتم عبر حلول آنية أو ضخ أموال غير مشروط، بل من خلال إصلاحات هيكلية متزامنة مع الدعم المالي المشروط بالأداء. ففي تونس، دعمت برامج البنك الدولي (على الرغم من تحفظات البعض على دور البنك وتدخلاته) الانتقال نحو نموذج تمويل يربط الدعم الحكومي بمشاريع إصلاح واضحة وأهداف قابلة للقياس، وفي المغرب جرى اعتماد عقود أداء بين الدولة والجامعات، تُربط فيها المخصصات المالية بتحقيق نتائج محددة، مثل معدلات التخرج وتوظيف الخريجين وجودة البرامج الأكاديمية.
وفي السياق الأردني، يرى أكاديميون من داخل الجامعات وقادة من المجتمع المدني أن أي حل جاد يجب أن يبدأ من معالجة التزامات الحكومة نفسها تجاه هذه المؤسسات. ويعبّر أحدهم عن ذلك بقوله “المعالجة أن تدفع الدولة ما عليها مقابل المكرمات والبعثات، وأن يتم بعد ذلك تعيين إدارات كفؤة ومتمكنة لإدارة الجامعات.” وينسجم هذا الطرح مع أفضل الممارسات الدولية التي تشدد على أن إعادة هيكلة الديون يجب أن تترافق مع إصلاح إداري عميق وشفاف، لا أن تكون مجرد تسوية مالية مؤقتة.
وعليه، فإن المعالجة المطلوبة في الأردن تقوم على ثلاث ركائز أساسية: إعادة هيكلة وجدولة الديون مقابل التزام إصلاحي واضح، وتعزيز الحوكمة والكفاءة الإدارية عبر تعيين إدارات جامعية مؤهلة وخاضعة للمساءلة، وإعادة تصميم نموذج التمويل لتقليل الاعتماد على الرسوم الجامعية وتنويع مصادر الدخل ضمن إطار استثماري ذكي. وفي هذا السياق، يوضح إداري سابق وبروفيسور في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية بقوله “حمّلت الحكومة جامعتنا نفقات بناء وتجهيز المستشفى التي تجاوزت 200 مليون دينار، ولولا برنامج الموازي لغرقت الجامعة في مستنقع الديون إلى أجل غير مسمى.”
ديون الجامعات الأردنية ليست مجرد أرقام في تقارير رسمية، بل هي مرآة لخلل عميق في السياسات التعليمية والإدارية المتبعة، وشهادات الأكاديميين وقادة المجتمع المدني والإداريين والطلبة تؤكد أن الإصلاح لم يعد خياراً مؤجلاً، بل ضرورة وطنية عاجلة للغاية.












































