اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٤ تشرين الثاني ٢٠٢٥
'حين يصبح القاتل والمقتول عربيين… تنتصر الصهيونية بلا حرب' #عاجل
كتب زياد فرحان المجالي
في زمنٍ تتشابه فيه المآسي وتضيع فيه البوصلة الأخلاقية، باتت صور العرب تملأ الشاشات من غزة إلى السودان، من صنعاء إلى طرابلس، تتناوب فيها وجوه الضحايا والقتلة، حتى صار المشهد واحدًا: عربٌ يقتلون عربًا، بوحشيةٍ لا تقلّ عن وحشية العدو الذي لطالما رفعوا شعارات مواجهته.
اليوم، لم تعد الجرائم تحتاج إلى من يفضحها؛ فهي تُبثّ علنًا، تُصوَّر وتُنشر وتُناقش كما تُعرض المباريات أو المهرجانات. لكنّ السؤال الذي لا يُطرح كفاية: من المستفيد من هذا الانهيار؟ ومن الذي يحرّك خيوط الصورة حين تتحول الكاميرا من غزة إلى دارفور، ومن المجازر الصهيونية إلى المجازر العربية؟
من دارفور إلى غزة… الجريمة بلغة واحدة
في غزة، تُقصف البيوت بحجة 'الردّ على الإرهاب”، وفي السودان تُحرق القرى باسم 'استعادة السيادة”.
كلا الطرفين يستخدم الخطاب نفسه، والنتيجة واحدة: طفلٌ بلا مأوى، وأمٌّ تبحث عن جثمانٍ تحت الركام، ورجلٌ يدفن أبناءه بيديه ثم يُساق إلى المعتقل بتهمة 'التحريض”.
إنها اللغة ذاتها التي أرادها العدو لنا منذ عقود: أن نصبح نسخًا من جلادينا.
حين يُقتل المدني في دارفور، يستغل الإعلام الصهيوني المشهد ليقول للعالم: 'أنظروا إلى بعضكم… أنتم لا تختلفون عنا.”
وهكذا يتحول الألم العربي إلى أداة تبرئة للقتلة الحقيقيين في تل أبيب، بينما تتقاسم العواصم العربية صمتها بالتساوي.
الوعي المستهدف… والضمير المغيّب
ليست المسألة في عدد الضحايا، بل في نوعية الوعي الذي يُستهدف.
حين تتكرّر صور الجثث في شاشات العرب، تتبلّد الحواس وتفقد المأساة معناها.
يُصبح الموت خبرًا عاديًا، والدم مشهدًا بصريًا لا يثير الغضب، في حين تُدار الحروب بالريموت، وتُنسّق تغطيتها من غرفٍ إعلامية تابعة لدولٍ كبرى تعرف متى ترفع الكاميرا ومتى تُخفضها.
المجازر في السودان تُبثّ بتصريحات 'قلقة” من الأمم المتحدة، بينما تُدفن مجازر غزة في زحمة الأخبار.
ولأننا لا نمتلك منصاتٍ إعلامية بقدرة الآخرين، فإن من يملك الصورة يملك الرواية، ومن يملك الرواية يملك التاريخ.
العرب… بين فوضى العدو وفوضى الذات
لا يحتاج المشروع الصهيوني اليوم إلى شنّ حربٍ جديدة على العرب، فالعرب يكفون أنفسهم بأنفسهم.
في كل دولةٍ تتفكك، يجد العدو فرصةً لتثبيت احتلاله، ولتصدير نموذج 'الديمقراطية الإسرائيلية” في مقابل 'الهمجية العربية”.
إنها حربٌ ناعمة، تُدار بالعقل والصورة، تُخاض عبر الأزمات لا عبر الجيوش.
من دارفور إلى غزة، ليس الاختلاف في الأداة بل في الغاية:
في الأولى، تُذبح القبائل لتقسيم الأرض،
وفي الثانية، يُحاصر الفلسطينيون لتفريغها من أهلها.
كلاهما يخدم الفكرة نفسها: تفكيك الوعي الجمعي للأمة، حتى لا تعود ترى نفسها أمة.
حين يصبح العدو أستاذًا في صناعة الكراهية
تعلمنا من الاحتلال كيف نصنع أعداءنا الداخليين.
كل حزبٍ يرفع رايته على جثث الآخرين، وكل قائدٍ يبرّر الدم باسم 'الشرعية” أو 'المصلحة الوطنية”.
تغيّرت الرايات، لكن العقل واحد: عقل المستعمِر الذي نجح في استنساخ نفسه فينا.
لم يعد يحتاج إلى أن يزرع الجواسيس؛ فقد زرع الفكرة، والفكرة صارت كافية لتدميرنا من الداخل.
الإعلام الغربي… تغطية مزدوجة لمأساة واحدة
حين تقع المجازر في غزة، تُغطّى بالحديث عن 'تعقيدات الصراع” و'حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
وحين تقع في السودان، تُغطّى بخطابٍ إنساني خالٍ من السياسة، وكأن القتلة بلا هويات.
في الحالتين، النتيجة واحدة: تغييب البعد الأخلاقي، وإخفاء الرابط بين كل تلك الدماء التي تصبّ في مجرىٍ واحدٍ من التجاهل العالمي.
من يربح من تشابه البشاعة؟
إسرائيل، التي تواجه اتهامات بالإبادة الجماعية في غزة، تجد في صور الدم العربي مخرجًا جاهزًا من مأزقها الأخلاقي.
تقول للعالم: 'كلّهم يفعلون الشيء نفسه، نحن فقط أكثر نظامًا.”
وهكذا تتحوّل الجرائم إلى مادة مقارنة، لا إلى جريمةٍ يجب محاسبتها.
النتيجة أن الصهيونية تخرج بأقل الخسائر، بينما يخسر العرب ما تبقى من صورتهم وضميرهم.
المرآة التي كسرتنا
في النهاية، لا يمكن للعدو أن ينتصر إلا حين يشبهه المقهورون.
وها نحن اليوم نقف أمام المرآة، فنرى في وجوهنا ملامحه:
الاحتقار ذاته للحياة، الكراهية ذاتها للآخر، التبرير ذاته للعنف.
لكن الفرق أن العدو يقتلنا باسم 'الأمن”، ونحن نقتل بعضنا باسم 'الوطن”.
حين يشبه العرب جلّاديهم، لا تبقى القضية فلسطين وحدها، ولا السودان وحده، بل قضية وجودٍ أخلاقي لأمةٍ تفقد معنى الحياة وهي تبحث عن معنى النصر.
إن أول خطوة للخلاص ليست في السلاح، بل في أن ننظر في المرآة دون أن نكسرها، وأن نعترف بأننا بتنا نحارب أنفسنا… قبل أن نحارب أعداءنا.'وربما لا تزال في تلك المرآة شرارة أمل، تذكّرنا أن الأمم التي تعي قبحها قادرة على أن تستعيد جمالها.”












































