في زمنٍ تتداخل فيه أدوات التأثير بين السياسة والاقتصاد والثقافة، تبرز “الدبلوماسية السياحية” كواحدة من أرقى أشكال القوة الناعمة التي تمتلكها الدول لتعزيز حضورها الإقليمي والدولي. وفي هذا السياق، شكّلت جولة السفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية إلى العقبة ووادي رم نموذجاً ملهِماً حول قدرة الأردن على توظيف مقوماته الطبيعية والتاريخية في خدمة أهدافه الاقتصادية والاستثمارية.

لقد مثّلت الجولة رسالة ذكية في توقيتها ومضمونها، فهي لا تسوّق موقعاً سياحياً بقدر ما تقدّم صورة الأردن كدولة آمنة، مستقرة، ومفعمة بالفرص. فالعقبة، بما تشهده من مشاريع تطويرية متسارعة النمو، لم تعد مجرّد شاطئ على البحر الأحمر، بل بوابة اقتصادية وسياحية متكاملة تسعى لتصبح مركزاً إقليمياً للاستجمام والاستثمار والخدمات اللوجستية.

أما وادي رم، فبفضل انفراده الجغرافي وجماله الأسطوري، بات رمزاً للهوية السياحية الأردنية، ومقصداً لعشّاق المغامرة والطبيعة من مختلف أنحاء العالم. ومن خلال استضافة السفراء في تلك البيئة، نقل الأردن رسالته بلغة الجمال والتجربة، وهي اللغة التي تتجاوز الحواجز الدبلوماسية التقليدية.

ما يميز مثل هذه الجولات أنها لا تكتفي بعرض المواقع السياحية، بل تُسهم في بناء الثقة مع الأسواق الدولية، فحين يعيش الدبلوماسي أو الإعلامي تجربة سياحية على أرض الواقع، يصبح هو نفسه سفيراً ثانياً للأردن في بلاده. إنّ الصور والمشاهد التي ينقلها المشاركون من العقبة ووادي رم تشكّل رواية موازية لخطاب الدولة الرسمي، لكنها أكثر صدقية وتأثيراً لأنها نابعة من تجربة شخصية.

بالمقابل سفاراتنا بالخارج لا تقتصر على استقبال ووداع الوفود، بل يمتد إلى دور السفراء الأردنيين في الخارج، الذين يُفترض أن يكونوا بدورهم “سفراء للوجه السياحي الاستثماري للأردن” بالمعنى الكامل للكلمة.

فكل سفير أردني في عاصمةٍ من عواصم العالم يمتلك نافذة فريدة للترويج للمملكة من خلال الفعاليات الثقافية والمعارض والمؤتمرات ووسائل الإعلام ومال الى ذلك. إن تقديم الأردن بصورة معاصرة تجمع بين الإرث والتطور، وبين الأمان والفرص، هو واجب وطني بقدر ما هو مسؤولية دبلوماسية. وفي عصر الصورة والتجربة، يمكن للسفارات الأردنية أن تتحول إلى منصات تفاعلية تُعرّف الزوار والمستثمرين بجمال العقبة، وروح وادي رم، وسحر البتراء، وما تزخر به المملكة من طاقات بشرية وفرص استثمارية واعدة.

الاقتصاد السياحي يعد رافعة استراتيجية قوية حيث يؤثر على جميع سلاسل القيمة حيث تُظهر مؤشرات الأداء الاقتصادي أن قطاع السياحة في الأردن أصبح أحد أهم روافد الدخل القومي وأكثرها دخلا، ومصدراً رئيسياً لتوفير فرص العمل. ومن هنا، فإن التركيز على العقبة ووادي رم ليس مجرد خيار ترويجي، بل هو جزء من رؤية اقتصادية متكاملة تهدف إلى توسيع قاعدة الاستثمار، وتنويع المنتج السياحي، وربطه بالمجتمع المحلي عبر مشاريع صغيرة ومتوسطة تخلق قيمة مضافة على الأرض. وقد كان لافتاً خلال الجولة التركيز على قصص النجاح المحلية في وادي رم، مثل إدارة المخيمات البدوية وتقديم الخدمات السياحية، بما يرسّخ مفهوم “السياحة المجتمعية” ويعزّز استدامة القطاع.

أشارت العديد من الدراسات والتجارب العالمية إلى أن هذا النمط من “التسويق عبر التجربة” يُعدّ من أنجح أساليب الترويج، خصوصاً حين يقترن برؤية اقتصادية واضحة وبرامج تنمية محلية مستدامة. وعليه، يمكن القول إن جولة السفراء في العقبة ووادي رم كانت أكثر من مجرد نشاط ترويجي؛ لقد كانت فعلاً دبلوماسياً ناعماً بأدوات سياحية راقية، ورسالة مفادها أن الأردن لا يقدّم للعالم موقعاً للزيارة فحسب، بل تجربة حياة تستحق الاكتشاف والاستثمار. ففي وادي رم كما في العقبة، تتجسد روح الأردن: تنوع، أصالة، وطموح يطلّ على المستقبل بثقة وابتسامة.