اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٥ تشرين الأول ٢٠٢٥
شركة الضمان للاستثمار: ضعف الكفاءة الاستثمارية واشكالية إدارة السيولة في اموال صندوق استثمار الضمان الاجتماعي #عاجل
كتب واسم المشاقبة - يُظهر التحليل المالي والتشغيلي لشركة الضمان للاستثمار المساهمة العامة المحدودة (DMAN) وجود خلل مؤسسي واضح في ادارة السيولة واستثمار الاصول، يحدّ من تحقيق العوائد المرجوة من اموال المساهمين في صندوق استثمار اموال الضمان الاجتماعي، الذي يمتلك اكثر من ٦١.٤٪ من رأسمال الشركة. المشكلة الجوهرية لا تكمن في غياب الاصول، بل في ضعف كفاءة توظيفها وغياب سياسة نشطة لاستثمار السيولة، ما يؤدي الى اهدار متكرر لتكلفة الفرصة البديلة وانخفاض العائد على الأصول (ROA).
تُظهر البيانات المالية في التقرير السنوي لعام ٢٠٢٤ ان الشركة تحتفظ بسيولة نقدية مرتفعة بلغت ٣ مليون و ٢٦٧ الف دينار دون خطة واضحة لتوظيفها في ادوات استثمارية منتجة. بلغت ايرادات الفوائد الناتجة عن هذه الودائع ٢٢٧ ألف دينار فقط، وهو عائد هامشي مقارنة بالإمكانات المتاحة، ما يعكس نهج ادارة 'سلبية” في التعامل مع السيولة، رغم ان الشركة تمثل الذراع الاستثماري الرئيسي لصندوق استثمار اموال الضمان الاجتماعي، ويفترض بها ان تكون اكثر ديناميكية وابتكارا في توظيف اموال الضمان.
تشير مراجعة الأداء للأعوام ٢٠٢١–٢٠٢٣ الى ان هذا الضعف ليس عرضيا بل هيكلي ومتكرر. فقد حققت الشركة خسارة في عام ٢٠٢١ بقيمة ٤٧ الف دينار، وارباحا محدودة بلغت ٢٢٦ الف دينار في عام ٢٠٢٢ و ٢٩١ ألف دينار في عام ٢٠٢٣. رغم ذلك، بقيت مؤشرات العائد منخفضة، اذ لم يتجاوز العائد على الأصول ٢،٣٪ والعائد على حقوق الملكية ٢،٧٪، وهي نسب تقل كثيرا عن المعدلات السائدة في السوق الاردني التي تتراوح بين ٨٪ و١٢٪ للبنوك و٦٪ إلى ٩٪ للشركات الصناعية والخدمية الكبرى، فيما تمنح السندات الحكومية عائدا يقارب ٥–٦٪ سنويا. هذه الفجوة تؤكد ان اموال الضمان الاجتماعي تُدار بعائد ادنى بكثير من الممكن تحقيقه، ما يقلل من القيمة الحقيقية لاستثمارات الصندوق ويقيد قدرته على تعظيم ثروة المشتركين.
اقتصاديا، يعكس هذا النهج ضعفا في الكفاءة الاستثمارية ويؤدي الى فقدان عوائد بديلة كان يمكن تحقيقها عبر توجيه جزء من السيولة نحو ادوات مالية اكثر انتاجية، كشراء اسهم في بنوك او شركات تعدين او ادوات دخل ثابت. هذا التقصير انعكس على مؤشرات الأداء؛ اذ بلغ العائد على الأصول (ROA) ٢،١٧٪ في عام ٢٠٢٤، والعائد على حقوق المساهمين (ROE) ٢،٣٤٥٪ فقط، رغم أن إجمالي الأصول وصل الى ١٢ مليون و ٨٨٠ الف دينار.
تُظهر البنية التشغيلية للشركة خللا في التناسب بين حجم الأصول ونطاق الإدارة. فاستثمارات الشركة تقتصر على مبنى بوابة العقبة وحصة في فندق موفنبيك/عمان فقط، بينما تضم ١٨ موظفا ويُدار مجلس إدارتها من ٩ اعضاء ما يرفع الكلفة الثابتة ويضعف الكفاءة التشغيلية. بلغت المصاريف الإدارية والتشغيلية نحو ٥٣١ ألف دينار عام ٢٠٢٤ مقابل إيرادات تشغيلية لم تتجاوز ٥١٨ ألف دينار، ما يعني اَن النشاط التشغيلي الأساسي للشركة سجّل عجزا فعليا. ورغم تسجيل ربح اجمالي محدود بلغ نحو ١٠٨ آلاف دينار، الا ان مصدره كان ايرادات مالية غير تشغيلية (فوائد وودائع مصرفية)، وليس كفاءة تشغيلية او استثمارا فعليا للأصول. (يعني الشركة بتخسر، يا معالي عمر ملحس).
تُظهر الجداول المالية الرسمية (انظر جدول رقم ٦ في التقرير السنوي ٢٠٢٤) ان الربحية الظاهرة شكلية ومصدرها دخل مالي مؤقت وليست نتيجة اداء تشغيلي مستدام. ولتوضيح حجم الفجوة بين الإمكانات والنتائج، يمكن تصور سيناريو محافظ يتم فيه استثمار ٣٠–٤٠٪ من السيولة المتاحة في ادوات مالية بعائد متوسط ٦٪ سنويا، وهو ما كان سيرفع العائد على الأصول (ROA) إلى نحو ٣،٥٪ والعائد على حقوق المساهمين (ROE) الى ما يقارب ٤٪، اي بزيادة تتجاوز ٦٠٪ عن المستويات الحالية، دون تعريض الشركة لمخاطر استثمارية مرتفعة. هذا السيناريو البسيط يبرز تكلفة الجمود الاستثماري وضعف التخصيص الأمثل للأصول.
يتقاطع هذا التحليل مع ما تناولته في مقال سابق بعنوان «المخاطر الكامنة في الاستراتيجية العقارية لصندوق استثمار اموال الضمان الاجتماعي: قراءة فنية واستثمارية»، الذي خلص ال ان التوجه العقاري للصندوق يعاني من ضعف الكفاءة الاستثمارية وغياب الادارة النشطة القادرة على تحقيق عوائد موازية لما هو متاح في قطاعات أكثر ديناميكية وربحية.
استمرار هذا النمط الإداري القائم على توظيف السيولة في ادوات منخفضة العائد دون استراتيجية تشغيلية فعالة يُضعف استدامة الربحية ويجعل الأداء المالي للشركة معتمدا على مصادر دخل غير تشغيلية ذات طابع مؤقت. هذه الوضعية تُقوّض قدرة صندوق استثمار اموال الضمان الاجتماعي على تحقيق أهدافه المالية والاستثمارية المنصوص عليها في النظام الأساسي، وتُظهر خللا بنيويا في ادارة الموارد بما لا يتماشى مع متطلبات الكفاءة والعائد المستدام.
تُظهر نتائج الأعوام ٢٠٢١–٢٠٢٤ ان المشكلة الأساسية في شركة الضمان للاستثمار ليست في حجم الأصول بل في كفاءة ادارتها واستراتيجيات توظيفها. استمرار هذا النهج من 'التحفظ المالي المفرط” سيقود الى تآكل تدريجي في العائد الحقيقي على اموال الضمان الاجتماعي ويقوض الهدف المركزي للصندوق المتمثل في تعظيم الثروة الوطنية وحماية حقوق الأجيال المقبلة.
تُشير هذه المعطيات الى حاجة ملحّة لاعادة ضبط هيكل الحوكمة التشغيلية والادارية في الشركة. المطلوب ليس خفض النفقات فقط، بل اعادة تعريف دور الشركة ضمن الهيكل الاستثماري العام للصندوق، من خلال تطوير سياسات واضحة لتوظيف السيولة وتنويع المحفظة الاستثمارية، وتخفيض المصاريف الادارية غير المنتجة، وربط الاداء بالنتائج الفعلية. كما يجب اعادة تقييم الاستثمارات العقارية الحالية وجدواها الاقتصادية مقارنة ببدائل اكثر سيولة وعائدا.
ان ضعف الاداء الاستثماري لشركة الضمان للاستثمار لا يمكن فصله عن النهج المؤسسي الاوسع الذي ينتهجه صندوق استثمار اموال الضمان الاجتماعي في ادارة اصوله، خصوصا في قطاعي العقارات والأراضي. فالمشكلة لم تعد محصورة في وحدة تنفيذية واحدة، بل تعكس قصورا وضعفا في الرؤية الاستثمارية للصندوق ذاته، التي تميل الى توظيف الأموال في اصول منخفضة العائد ومحدودة السيولة، دون استراتيجية واضحة لادارة المخاطر او تعظيم العائد الحقيقي على المدى المتوسط والطويل.
استمرار هذا النهج المحافظ المفرط وغير المجدي اقتصاديا، في غياب مؤشرات أداء دقيقة ونظام رقابة فعّال، ادى الى تآكل تدريجي في القيمة الحقيقية للأصول وتراجع العائد التراكمي على استثمارات الصندوق مقارنة بالقطاعات المالية والانتاجية الأخرى في السوق الأردني. ويتحمّل الجهاز الاداري التنفيذي للصندوق مسؤولية مباشرة عن هذا الأداء الضعيف نتيجة غياب الكفاءة التحليلية والقدرة على صياغة استراتيجيات استثمارية ديناميكية تستجيب لتغيرات السوق.
الاعتماد المفرط على استثمارات عقارية جامدة دون تنويع حقيقي أو تطوير ادوات مالية حديثة يعكس ضعفا مزمنا في ادارة المحافظ الاستثمارية وغيابا لمبدأ الإدارة النشطة للأصول. كما يتحمل مجلس ادارة الصندوق ومجلس الاستثمار مسؤولية مؤسسية مضاعفة، لكونهما صادقا على هذه التوجهات رغم ثبوت تدني عوائدها عبر عدة اعوام متتالية، دون اتخاذ اجراءات تصحيحية جوهرية. هذا التجاهل لمؤشرات الأداء المالي المنخفضة يمثل اخلالا بواجب الأمانة والرقابة على اموال عامة تمثل حقوقا مكتسبة للعمال والمشتركين.
المطلوب اليوم ليس تعديلاً شكليا في هيكل الحوكمة او تغييرا في مجالس الادارة، بل مراجعة جذرية للاستراتيجية الاستثمارية باكملها، تقوم على قياس العائد المعدل بالمخاطر، وتوجيه جزء اكبر من اموال الصندوق نحو قطاعات انتاجية اكثر ديناميكية وربحية. الصمت المؤسسي إزاء الأداء المتدني لم يعد مقبولا، لان كلفته تُدفع من مدخرات الأردنيين ومن مستقبل منظومة الحماية الاجتماعية التي أُنشئ الصندوق اساساً لحمايتها.












































