اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٢٥ حزيران ٢٠٢٥
هآرتس: ايران النووية ليست اكثر خطرا على اسرائيل من نتنياهو #عاجل
ترجمة - هآرتس *
خلال فترة تقديم لائحة الاتهام ضده، قال بنيامين نتنياهو لأحد المقرّبين منه أنه يرى أن الدولة العميقة ورأس حربتها - النيابة العامة - 'أخطر من حزب الله وحتّى إنهم أخطر من إيران.' وفعلاً، فإن الحرب الدائرة حالياً لا تدفعه، لا هو ولا أذرعه، إلى التخلي عن المشروع الذي من أجله أقاموا الائتلاف: السيطرة على الشرطة، و'الشاباك'، والمنظومة القضائية، والإعلام، والردع المنهجي لمعارضيه ومنتقديه، والانتصار المُطلق على العدو في الداخل.
والخطة لعزل المستشارة القضائية للحكومة لم تُلغَ، ونتنياهو مصمّم على تعيين رئيس 'الشاباك' المُقبل، على الرغم من تعارُض المصالح الواضح الذي يتواجد فيه بسبب التحقيقات ضد المقرّبين منه. والجنود في الحكومة والكنيست يستمرون في الدفع قُدُماً بمشاريع قانون هدفها وقف هيئة البث العام، وتحويل ميزانيات الإعلانات إلى قناة الدعاية 'القناة 14'. هذا بالإضافة إلى أن الحرب سرّعت من حملة نتنياهو من أجل إلغاء المحاكمة في ملف 'الآلاف' بعد ثلاثة أيام من التحقيقات المضادة التي نجح خلالها رئيس الحكومة في التورّط بسلسلة من الأكاذيب المُخجلة. حالياً، المتظاهرون ضد الحكومة يحصلون على معاملة تميّز الشُرطة السرّية - حتى لو كانوا يقفون بلا أي حراك وحدهم أمام منزل نتنياهو الفارغ في شارع غزة 35 في القدس – إذ تتعرض النساء للتفتيش عراة . وكالعادة، يحصل الإعلام على المعاملة المعتادة. وقد أعلن شلومو كرعي وإيتمار بن غفير حرباً على المراسلين الأجانب، و'الظل' ومَن يشبهونه يعملون بصورة تتناسب مع هذه الحرب، كما يتم الاعتداء على الصحافيين العرب من جانب مواطنين من دون أن تقوم الشُرطة بأي حركة تُذكر.
عندما سأل المحقّقون من الشُرطة نتنياهو عن زجاجات الشامبانيا الفاخرة التي أخذتها زوجته من أصدقائه الأغنياء، رد قائلاً: 'أنا أعدّ صواريخ، لا زُجاجات.' هذه الإجابات الذكية تهدف إلى أن يقدّم ذاته ويسوّقها في هذه الأيام كقائد كبير منشغل بكُل قوّته في تأمين وجود الشعب اليهودي، وليس منشغلاً بالأمور البسيطة كـ 'مَن اشترى له ولزوجته السيغار أو الشامبانيا أو المجوهرات؟' وبحسب شهادة أرنون ميلتشين في الشُرطة، فإن نتنياهو 'يعتقد أنه يدافع عن الكيان اليهودي من الاندثار.' لكن متابعة سلوكه خلال الأعوام الماضية يطرح شكوكاً بأن الضربة على إيران لم تهدف فقط إلى إزالة التهديد الصادر عنها أو مسح فضيحة 7 تشرين الأول/أكتوبر، فنتنياهو جمّع ائتلافه وقاعدته الشعبية حول هدف واضح واحد؛ تفكيك المؤسسات التي حققت معه، وحاكمته، وتقيّده. والنتيجة التي ينتظرها هو الخروج من المحاكمة بأقل قدر ممكن من الضرر. ومع وجود الإجماع المُطلق تقريباً على الحرب، فالطريق إلى هناك يمكن أن يغدو أقصر.
لا تزال رغبة نتنياهو في الانتقام من كُل مَن تآمر ضده، كما يدّعي، هي الدافع الأقوى من كل شيء آخر، وليس اعتباطاً أنه استعمل ضدهم اللهجة المُستعملة ضد الأعداء من الخارج نفسها؛ ففي آذار/مارس 2023، عندما اجتاحت التظاهرات ضد التغييرات القضائية البلد، وبعد التجمهر أمام صالون كانت تتواجد فيه زوجته، تم تعيين اجتماع أسبوعي بين نتنياهو ورئيس 'الشاباك' رونين بار، وبحسب ما وصل إلى صحيفة 'هآرتس'، فإن رئيس الحكومة نَعَتَ بعض أسماء زعماء الاحتجاجات ضده بأنهم نشطاء إرهابيون، وادّعى أنهم يريدون تغيير 'جوهر الدولة'، واستغل الفرصة كي يوضح لبار أنه في حال باتت إسرائيل أمام أزمة دستورية، فعليه أن ينصاع له: 'المحكمة العليا ليست قائد الشُرطة ولا ’الشاباك‘ ولا الموساد ولا الجيش.'
وتسلط خريطة الطريق التي طرحها نتنياهو الضوء بصورة ساخرة على محاولته تأطير الحرب ضد إيران كمواجهة توراتية بين أبناء النور وأبناء الظلام، حيث تُصوَّر إسرائيل على أنها رأس الحربة للعالم الحر في مواجهة الديكتاتوريات القمعية. وخلال الأعوام الأخيرة، سعى نتنياهو لتفكيك كل الأسس التي تشكّل مفهوم الديمقراطية، بما في ذلك الصلة بين ثقة الجمهور بالقيادة وبين الشرعية لقيادتها في أوقات الأزمات في مقابل أثمان باهظة يدفعها المواطنون؛ كتعطيل الحياة بالكامل، والقلق الجماعي، وسقوط ضحايا بالأرواح. وعندما كان زعيماً للمعارضة، هاجم يتسحاق رابين 'المُنغلق'، الذي نفّذ خطوات تاريخية من دون دعْم شعبي، قائلاً: 'لِيَخْرُجْ إلى المفترقات، وإلى الشوارع، وَلْيَسْمَعِ الموجة المتصاعدة.' أمّا هو، فقد خرج إلى الحرب متجاهلاً تلك الموجة المتصاعدة، بينما يقود مجتمعاً مكوَّناً أساساً من قبائل معادية بَعْضُهَا بَعْضَهَا الآخر، غارقاً في حرب أهلية باردة كان يحرص بجنون على تأجيجها لخدمة مصالحه الشخصية التي لطالما مجّدها حتى أصبحت في فمه مجرد كليشيه سخيف. وكنموذج؛ حظي ونستون تشرشل خلال الحرب العالمية الثانية بنسبة تأييد بلغت نحو 80٪، وكذلك نموذج آخر يحتذى به؛ وهو فرانكلين روزفلت، عندما دخل الحرب. أمّا نتنياهو، فلم يكن في حاجة إلى دعم شعبي كهذا ليجرّ إسرائيل إلى واحدة من أكثر المغامرات العسكرية طموحاً في تاريخها.
لو كنّا في دولة صحّيّة، لكان نتنياهو قد عُزل بعد أيّام من 7 تشرين الأول/ أكتوبر، ولَكَان هناك آخرون يحاولون تصحيح الكارثة الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي جرت خلال فترة حكمه الأبدية. نتنياهو قال عن إيهود أولمرت بعد حرب لبنان الثانية إن فكرة أنّ مَن ارتكب أخطاءً مصيريّة بهذا الحجم سيصحّحها بذاته هي فكرة مرفوضة من أساسها. وسأل بسخرية: 'مَن منّا سيضع حياته في يد طبيب جرّاح فشل في العمليّة؟ مَن منّا كان سيركب حافلة سائقها كان مسؤولاً عن حادثة قاتلة قبل وقت قصير؟' سائق الحافلة بنيامين نتنياهو لم يترك القيادة منذ الحادثة الأكثر قتلاً في تاريخ الدولة، حتّى عندما كان يبدو أن السقوط حتميّ. بقاؤه في السُلطة، بمهارات سياسيّة استثنائية، فاجأت حتّى أقرب المقرّبين منه.
والآن، وبعد أن ضرب 'رأس الأفعى'، وجنّد من أجل ذلك القوّة العظمى الأكبر في العالم، بات نتنياهو وحده في القمّة، من دون أي مُعارضة تتحدّاه، ورؤساء الأجهزة الأمنية لا يتجرأون حتّى على كتابة تغريدة كافرة. أحد الأشخاص المقرّبين منه قال لصحيفة 'هآرتس' إنه 'بمزاج مسيانيّ تقريباً.' وظهوره العلني يذكّر بما فعله بعد انتصاره في الانتخابات سنة 2015 و2022. تبدو السيطرة على أجواء طهران، التي تؤجّج مشاعر فخر عامّة، وكأنها ستار دخان مضلل وخادع. إن تعزُّز قوّة نتنياهو المصحوبة بحالة نشوة قومية يمكن أن يدفعه مع شركائه إلى الهجوم على بقايا الديمقراطية واستكمال خطّتهم الكُبرى. وأشك في أن إيران النووية ستشكل خطراً أكبر على إسرائيل.
* غيدي فايتس