في بلدة 'وارن' الصغيرة بولاية ماساتشوستس الأمريكية، حيث يعرف الجميع بعضهم البعض، تحول صباح صيفي هادئ في 27 يونيو عام 2000 إلى كابوس هز الساحل الشرقي للولايات المتحدة. لم يتبقَ من 'مولي بيش'، المنقذة الشابة ذات الستة عشر ربيعًا، سوى فردة حذائها، وزجاجة مياه، وحقيبة إسعافات أولية مفتوحة تُركت بصمت مريب عند بركة 'كومينز بوند' المحلية.

هذا المشهد، الذي يبدو وكأنه مقتطع من فيلم رعب هوليوودي، كان بداية للغز استمر ربع قرن، وانتقل من مكاتب التحقيقات الفيدرالية والمحلية إلى شاشات الهواتف عبر تطبيق 'تيك توك'.

اللحظات الأخيرة في 'البلدة الآمنة'

'كان حذائها لا يزال هناك… عرفت فورًا أن كارثة قد وقعت'؛ هكذا تذكرت هيذر شقيقة مولي، في حديثها الذي تناقلته وسائل الإعلام الأمريكية، اللحظة التي أدركت فيها أن شقيقتها لم تغادر عملها طواعية. مولي، الفتاة الرياضية المنضبطة، لم تكن لتمشي حافية القدمين أبدًا.

قبل الاختفاء بساعات، كانت الأم 'ماجي بيش' قد أوصلت ابنتها لموقع عملها في البركة المنعزلة.

هناك، في قلب الطبيعة الأمريكية الخلابة، رصدت ماجي دخيلًا: رجل يجلس وحيدًا في سيارة بيضاء ويدخن بشراهة. قالت ماجي لاحقًا: 'شعرت بغريزة الأم الدب تتحرك داخلي… انتظرت حتى غادر'. لكن ذلك الرجل الغامض، بسيجارته وشعره الرمادي، أصبح الشبح الذي طارد ولاية ماساتشوستس لعقود.

غابة 'تلة الويسكي': المقبرة السرية

لثلاث سنوات، عاشت العائلة على أمل كاذب، حتى جاءت الحقيقة القاسية من قلب الغابات الكثيفة التي تبعد 5 أميال فقط عن موقع الاختفاء. في منطقة وعرة تُعرف محليًا بـ 'تلة الويسكي' (Whiskey Hill)، عثر صياد أمريكي بالصدفة على بقايا لباس سباحة أزرق تآكل بفعل الزمن.

تحولت التلة الهادئة إلى أكبر مسرح بحث جنائي في تاريخ الولاية. وصفت الدكتورة آن ماري مايرز، عالمة الأنثروبولوجيا الجنائية، المشهد قائلة: 'جذور الأشجار نمت خلال قماش الملابس'.

أسفر البحث عن العثور على 27 عظمة بشرية وجماجمة مبعثرة على مساحة 35 فدانًا، ويُرجح أن حيوانات برية (مثل أسد الجبال) ساهمت في بعثرة الرفات. عادت مولي إلى منزلها، ولكن في نعش.

من فلوريدا إلى سجون الولاية

على مدار 25 عامًا، لاحقت الشرطة الأمريكية عدة خيوط معقدة.

أول هذه الخيوط كان رودني ستانجر، وهو قاتل مُدان في ولاية فلوريدا، اشتهر بكونه كثير التردد على المنطقة التي شهدت الجريمة، حيث كان يمارس هواية الصيد هناك، الأمر الذي جعله حاضرًا في محيط الحادث فترةً كافية لوضعه تحت مجهر التحقيق. كما أن ملامحه تتشابه مع الرسم التقريبي للمشتبه به الذي أعدّه المحققون في الأيام الأولى.

هذا التشابه البصري لم يكن حاسمًا، لكنه شكّل دافعًا قويًا للسلطات لإدراج اسمه ضمن قائمة الأفراد الذين ينبغي تتبع احتمال تورطهم في القضية. ورغم ذلك، بقيت الأدلة غير كافية للوصول إلى نتيجة قاطعة تربطه بالجريمة.

أما الخيط الثاني فكان فرانك سومنر، وهو رجل يحمل سجلًا إجراميًا ذا طابع عنيف، ويقطن داخل المنطقة ذاتها التي وقعت فيها الحادثة. وقد صنّفته السلطات رسميًا عام 2021 بوصفه 'شخصًا موضع اهتمام'، وهو توصيف يعكس وجود مؤشرات تستحق الفحص دون أن يصل إلى مستوى الاتهام المباشر.

وبرغم الاهتمام المتجدد باسمه، فقد أدت وفاته في عام 2016 إلى تعقيد المهمة بشكل كبير، إذ أُحرقت جثته بعد الوفاة، ما جعل عملية استخراج حمضه النووي ومطابقته مع العينات التي يمتلكها المحققون أمرًا مستحيلًا. وحتى بعد استجواب ابنه داخل أحد سجون ولاية أوهايو، لم يتمكن المحققون من الحصول على دليل وراثي يربط سومنر مباشرة بمسرح الجريمة.

عدالة 'الجيل الرقمي' في 2025

لم تستسلم العائلة لبرودة الملفات. قررت هيذر بيش نقل المعركة من مراكز الشرطة التقليدية إلى الفضاء الرقمي.

'دخلت عالم تيك توك وأنا في الأربعين'؛ تقول هيذر، مطلقة حملة ضخمة تسأل العالم: 'هل تعرفون مولي بيش؟'. هدفها بسيط: الوصول لشاهد قد يكون صمت خوفًا طوال تلك السنوات.

اليوم، وفي عام 2025، تولت المحققة الشابة 'تشيلسي سافورد' الملف، مسلحة بتقنيات حديثة وإصرار جديد.

تعكف سافورد حاليًا على فحص 80 صندوقًا من الأدلة المكدسة، ومراجعة 8000 بلاغ، مركزة بشكل خاص على 'حقيبة ظهر' مولي التي قد تحمل مفتاح اللغز. وفي ذكرى مرور 25 عامًا على المأساة، تقف العائلة في ساحة البلدة لتأبين مولي، بينما يتردد صدى نداء هيذر عبر الإنترنت: 'شخص ما في مكان ما يعرف الحقيقة… لقد طال الانتظار'.