عيسى عبدالسلام -

تشير نتائج الشركات المدرجة في البورصة خلال فترة الأشهر التسعة الأولى من 2025 الى ملامح تحول استراتيجي واضح في سياسات التوزيعات، سواء على صعيد الأرباح النقدية أو توزيع الأسهم المجانية، في ظل توازن دقيق بين متطلبات تعزيز السيولة للمساهمين من جهة، والحفاظ على متانة المراكز المالية وتمويل التوسع المستقبلي من جهة أخرى.

وحسب أوساط السوق تشير نتائج الأشهر التسعة الأولى من عام 2025 الى أن الشركات المدرجة تتجه نحو نموذج أكثر نضجا في سياسات التوزيعات، يجمع بين تحقيق التوازن للمساهمين والحفاظ على القدرة التنافسية والنمو المستقبلي. ويعكس هذا التحول فهما أعمق لدور التوزيعات كأداة استراتيجية لا تقل أهمية عن القرارات التشغيلية والاستثمارية، لاسيما أنه مع اقتراب نهاية العام، ستبقى التوزيعات المتوقعة أحد أبرز المحركات الرئيسية لقرارات المستثمرين، وعنصرا حاسماً في تقييم الأداء الحقيقي للشركات المدرجة خلال العام.

أرباح تشغيلية

أظهرت البيانات المجمعة لنتائج الأشهر التسعة نموا ملحوظا في الأرباح التشغيلية لعدد كبير من الشركات القيادية، لا سيما في قطاعات البنوك، الصناعة، الاتصالات، والطاقة، مدعومة بارتفاع الهوامش التشغيلية وتحسن كفاءة ادارة التكاليف، هذا الأداء الايجابي عزز من قدرة الشركات على تبني سياسات توزيع أكثر مرونة واستدامة مقارنة بالأعوام السابقة التي اتسمت بالحذر. ويلاحظ أن العديد من مجالس الإدارات باتت تنظر الى التوزيعات ليس فقط كأداة لمكافأة المساهمين، بل كجزء من استراتيجية متكاملة لادارة رأس المال وتعزيز جاذبية السهم في السوق.

عودة الزخم

تعد التوزيعات النقدية أحد أهم عوامل الدفع للسوق خلال عام 2026، اذ تشير المعطيات الى أن الشركات ذات التدفقات النقدية القوية ستتجه الى الحفاظ على توزيعات مستقرة أو زيادتها بشكل انتقائي، خصوصا في القطاعات الدفاعية التي تتمتع بايرادات متكررة. وتعكس هذه التوجهات ثقة الإدارات التنفيذية في استدامة الأرباح، اضافة الى رغبة واضحة في تعزيز العائد الكلي للمستثمر، في وقت يشهد فيه السوق منافسة متزايدة بين الأدوات الاستثمارية المختلفة. كما أن التوزيعات النقدية باتت تستخدم كوسيلة لتقليل تقلبات أسعار الأسهم ودعم مستوياتها العادلة.

أداة إستراتيجية

في المقابل، تبرز توزيعات الأسهم المجانية كخيار استراتيجي متنامٍ لدى الشركات التي تحقق أرباحا جيدة، لكنها تفضل الاحتفاظ بالسيولة لتمويل مشاريع توسعية أو خفض المديونية، اذ تشير التوقعات الى أن عام 2025 قد يشهد نموا في هذا النوع من التوزيعات، خاصة لدى الشركات الصناعية والخدمية التي تخطط لتوسعات رأسمالية متوسطة وطويلة الأجل. ومما لا شك فيه أن الأسهم المجانية أداة لإعادة هيكلة رأس المال وتحسين سيولة التداول على السهم، دون التأثير المباشر في التدفقات النقدية، وهو ما يعزز من جاذبية السهم لدى شريحة واسعة من المستثمرين.

سياسة القطاعات

في ظل الاعلان عن حزمة من المشاريع التنموية في الدولة وأن الأولوية في هذه المشاريع ستكون للشركات المدرجة فإن نتائج الأشهر التسعة تشير الى تباين واضح في سياسات التوزيع بين القطاعات، فالقطاع البنكي على سبيل المثال، يميل الى التوزيعات النقدية المنتظمة المدعومة بربحية مستقرة وقواعد رأسمالية قوية، في حين تتجه بعض الشركات التشغيلية الى المزج بين النقدي والأسهم المجانية.

أما الشركات الصغيرة والمتوسطة، فتميل بشكل أكبر إلى سياسات توزيع تحفظية، مع اعطاء الأولوية لاعادة استثمار الأرباح في النمو التشغيلي، وهو ما يعكس تحولا في فلسفة الإدارة نحو تعظيم القيمة على المدى الطويل بدلا من التركيز على العائد الوقتي.

وأحد أبرز ملامح التحول في عام 2025 هو ارتباط سياسات التوزيع بشكل أوثق بممارسات الحوكمة، فالشركات التي تتمتع بهيكل حوكمة قوي وافصاح شفاف تميل الى تبني سياسات توزيع واضحة ومستقرة، ما يعزز ثقة المستثمرين ويحد من المفاجآت غير المتوقعة.

كما أن الجهات الرقابية وتوجهات السوق تدفع نحو مزيد من الانضباط في قرارات التوزيع، بحيث تكون مبنية على أسس مالية واضحة ومستدامة، بعيدا عن القرارات قصيرة الأجل.

إعادة ضخ

من المتوقع أن تلعب التوزيعات دورا محوريا في تشكيل حركة السيولة والتداولات خلال عام 2025، اذ غالبا ما تسبق اعلانات التوزيع موجات من اعادة التسعير للأسهم، خصوصا تلك التي تقدم عوائد جذابة مقارنة بمستويات المخاطر، اذ يبرز توجه متنام لدى الشركات والمحافظ والصناديق الاستثمارية نحو اعادة ضخ جزء معتبر من الأموال الموزعة مجددا في السوق، بما يعزز دورة السيولة داخل بورصة الكويت للأوراق المالية ويحد من تسرب السيولة الى خارج المنظومة الاستثمارية.

وتشير التقديرات المبنية على سلوك الأعوام الأخيرة ونتائج الأشهر التسعة من عام 2025 إلى أن الشركات التشغيلية الكبرى قد تعيد استثمار ما بين %30 و%40 من أرباحها الموزعة، سواء عبر زيادة حصصها في شركات تابعة أو الدخول في فرص استثمارية داخل السوق.

في المقابل من المرجح أن تقوم المحافظ الاستثمارية المحلية بإعادة توجيه ما يقارب %45 الى %55 من التوزيعات النقدية نحو شراء أسهم مدرجة ذات عائد مستقر أو فرص اعادة تسعير، مستفيدة من فترات ما بعد الاستحقاق.

أما الصناديق الاستثمارية، فيرجح أن تعيد ضخ نسب أعلى تتراوح بين %60 و%70 من التوزيعات، في اطار استراتيجيات اعادة التوازن الدوري وتعظيم الأثر التراكمي للعائد. ويسهم هذا السلوك في دعم مستويات السيولة وتقليل حدة التذبذب وتعزيز كفاءة التسعير، بما يجعل التوزيعات ليست مجرد عائد للمستثمر، بل قناة لإعادة تنشيط السوق ودعم استدامته خلال عام 2025.