اخبار اليمن
موقع كل يوم -المهرية نت
نشر بتاريخ: ١٤ تموز ٢٠٢٥
على حافة المحيط الهندي، تقع جزيرة سقطرى اليمنية، التي تعد معزلاً بيولوجيًا فريدًا، حيث تحتضن عالمًا نباتيًا منفصلًا عن تطور البر الرئيسي.
ووفقًا لتقرير صادر عن موقع 'مونغاباي' المتخصص في الشؤون البيئية، تتميز الجزيرة بتنوع حيوي استثنائي، إلا أن شجرة دم التنين تظل الأكثر غموضًا وتميزًا.
فما الذي يجعل هذه الشجرة بهذه الأهمية، ولماذا لا تنمو إلا هناك؟
تعتبر شجرة دم التنين أكثر من مجرد منظر طبيعي خلاب في سقطرى؛ فهي جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية والروحية لسكان الجزيرة، وشريان حياة في بيئتها القاحلة.
وتصنف هذه الشجرة ضمن الأنواع المظلة، حيث يسهم وجودها في دعم عشرات الأنواع المتوطنة الأخرى، من الوزغ إلى الشجيرات المزهرة النادرة، وذلك بفضل قدرتها على حجز ضباب البحر وندى البحر، مما يسمح بتسرب المياه إلى التربة القاحلة وتشكيل بيئة رطبة.
لماذا تنمو أشجار دم التنين في سقطرى فقط؟
يحير هذا التساؤل العلماء، حيث يُشتبه في أن شجرة دم التنين هي بقايا حية من حقبة أكثر رطوبة، منذ حوالي 5 إلى 10 ملايين سنة، عندما كان مناخ شرق أفريقيا وشبه الجزيرة العربية أكثر رطوبة، وكانت النباتات الخشبية أكثر انتشارًا.
وتشير الأدلة الأحفورية والتوزيع الجيني إلى أن جنس الدراسينا كان واسع الانتشار، ومع جفاف هذه المناطق نتيجة لتغير المناخ العالمي، لم تتمكن العديد من أنواع الدراسينا من التكيف وانقرضت محليًا.
تمثل سقطرى ملاذًا بيئيًا فريدًا، أشبه بـ 'سفينة نوح'، حيث سمحت ظروفها المناخية المستقرة نسبيًا، إلى جانب موقعها البعيد وتضاريسها الضبابية، لشجرة الدراسينا سيناباري بالبقاء والازدهار.
وقد أظهرت الدراسات الجينية أن شجرة الدراسينا سيناباري في سقطرى تتميز بتركيبة وراثية مختلفة تمامًا عن أقرب أقاربها، دراسينا دراكو، التي تنمو في جزر الكناري وماديرا، مما يشير إلى عزلة تطورية استمرت لملايين السنين.
الدور البيئي الحيوي لشجرة دم التنين
تلعب شجرة دم التنين دورًا حيويًا في دورة المياه والحفاظ على التنوع البيولوجي في سقطرى، حيث تسمح غطاؤها الشجري الواسع بجمع الندى والضباب من الهواء، وتوجيه الماء إلى الأرض، وهي عملية تُعرف باسم 'التقاط الأمطار الأفقي'. وتجعل هذه الآلية شجرة دم التنين 'خزانًا مائيًا حيًا' يدعم حياة النباتات والحيوانات الأخرى في هذا النظام البيئي شديد الجفاف.
وأكدت دراسة منشورة في موقع ساينس دايركت أن المناطق الواقعة تحت ظل الشجرة تتميز بمستويات رطوبة وتنوع نباتي أعلى بكثير من المناطق المفتوحة، حيث يوجد ما يصل إلى 15 نوعًا من النباتات المتخصصة، بما في ذلك سبعة أنواع متوطنة، تحت مظلة الشجرة فقط.
وتشير أبحاث أخرى إلى أن أكثر من 10 أنواع من الزواحف، بما في ذلك الوزغ ونوع نادر من الثعابين، تعتمد بشكل كبير على الموائل التي توفرها شجرة دم التنين.
تهديدات بقاء الشجرة وجهود الحفاظ عليها
من أخطر التهديدات التي تواجه بقاء شجرة دم التنين هو انعدام تجددها، حيث تنمو ببطء شديد بمعدل 2-3 سم فقط سنويًا، ويبلغ عمر العديد منها مئات السنين.
ومع ذلك، بالكاد تنجو الشتلات الجديدة بسبب تناولها من قبل الماعز قبل أن تصل إلى الحجم الآمن. وقد أصبحت معظم غابات دم التنين 'ناضجة للغاية'، بتركيبة سكانية قديمة جدًا وتناقص في التجدد الطبيعي.
يُقدر العدد الإجمالي لهذه الشجرة بحوالي 80,000 شجرة، يعيش حوالي 40% منها في هضبة فيرميهين بوسط جزيرة سقطرى. أما المجموعات الفرعية في المناطق الأخرى، فهي صغيرة ومجزأة ومعرضة بشدة للانقراض خلال عقود ما لم تُتخذ إجراءات للحفاظ عليها.
ويُقدر العلماء أن شجرة دم التنين ستفقد ما يصل إلى 45% من موطنها الطبيعي بحلول عام 2080 إذا لم تُسيطر على اتجاهات تغير المناخ والضغوط البيئية.
وتظل سقطرى تزخر بإمكانيات هائلة، وبصفتها إحدى الجزر القليلة التي لم يُدمر نظامها البيئي بالكامل على يد الإنسان، تُتيح لنا سقطرى فرصة أخيرة لإنقاذ ليس نوعًا واحدًا من الأشجار الفريدة فحسب، بل أيضًا ملايين السنين من التاريخ الحي المحفوظ في أغصانها ونسغها.