اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥
إسرائيل وسوريا في طريق نحو 'محور واحد' اتصالات خلف الكواليس… وحسابات تتجاوز الجولان #عاجل
بروكسل- كتب زياد فرحان المجالي –
في الشرق الأوسط، لا شيء يحدث صدفة. فحين تتقاطع الإشارات بين موسكو وواشنطن وتل أبيب ودمشق في أسبوع واحد، فإنّ خلف الأبواب المغلقة تُكتب سطور جديدة في الجغرافيا السياسية للمنطقة. التقارير الإسرائيلية الأخيرة، وعلى رأسها ما نشرته صحيفة 'معاريف' وموقع 'واللا' العبريان، كشفت عن اتصالات غير مباشرة بين إسرائيل وسوريا، عبر قنوات روسية وأخرى أميركية، تهدف إلى منع انفجار أمني جديد في الجولان، بعد أسابيع من التوتر العسكري على الحدود الشمالية.
وساطة متعددة الاتجاهات
وفق تسريبات ميدانية نقلتها وسائل إعلام عبرية في مطلع تشرين الثاني/نوفمبر 2025، فإنّ روسيا أعادت فتح قنواتها الاستخبارية بين قاعدة حميميم ووزارة الدفاع الإسرائيلية، بدعم من المبعوث الأميركي الخاص لشؤون سوريا، في محاولة لتثبيت ما يُعرف بـ'قواعد عدم الاشتباك' في الجولان.
الوساطة الروسية–الأميركية جاءت على خلفية تحركات إيرانية محدودة في الجنوب السوري، أثارت قلق تل أبيب ودفعتها إلى توجيه رسائل تهديد عبر الأمم المتحدة، تحذّر من 'تغيير قواعد اللعبة' في المنطقة العازلة.
مصادر في مجلس الأمن نقلت عن مسؤول أممي رفيع أن الطرفين تبادلا بالفعل 'مذكرات ميدانية' عبر لجنة فض الاشتباك (UNDOF)، تتعلق بنشر القوات السورية ومراقبة المجال الجوي.
اللافت أنّ إسرائيل لم تطلب نزع القوات النظامية السورية من المنطقة، بل تحديد انتشارها وعدم اقترابها من خطوط التماس القديمة، وهو ما يشي بتحوّل في مقاربة تل أبيب تجاه دمشق.
دوافع إسرائيلية جديدة
في قراءة أعمق للمشهد، يرى باحثون في مركز الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) أنّ إسرائيل لم تعد تنظر إلى النظام السوري كتهديد وجودي، بل كعامل استقرار محدود النفوذ، يمكن استخدامه لاحتواء إيران لا لمواجهتها.
وتستند هذه الرؤية إلى قناعة متزايدة في أوساط الجيش الإسرائيلي بأنّ القدرة الإيرانية في سوريا باتت أقل تأثيرًا بعد استهداف عشرات المواقع التابعة للحرس الثوري وميليشياته خلال العام الماضي، وأنّ دمشق اليوم تبحث عن نافذة لتخفيف الضغط الاقتصادي والعقوبات، ولو عبر رسائل غير مباشرة لتل أبيب.
في المقابل، تحاول إسرائيل تحييد الجبهة الشمالية مؤقتًا للتركيز على استحقاقات غزة والضفة الغربية، مع إدراكها أنّ فتح جبهة مع سوريا أو حزب الله في آنٍ واحد سيعني استنزافًا طويل الأمد قد يجرّ المنطقة إلى مواجهة إقليمية شاملة.
الجولان: من ساحة صراع إلى ورقة تفاوض
تاريخيًا، شكّل هضبة الجولان محورًا للنزاع منذ عام 1967، وظلّت الحدود بين الطرفين الأكثر هدوءًا نسبيًا رغم العداء السياسي.
لكن التطورات الأخيرة، بما في ذلك التقارب الروسي–الإسرائيلي بعد فشل هجوم أوكرانيا، أعادت طرح فكرة 'الاستقرار المنسّق' في الجولان، أي تفاهم غير معلن يسمح بوجود قوات سورية منضبطة مقابل ضبط إسرائيل لتحركاتها الجوية في العمق السوري.
التقارير نفسها تشير إلى أن تل أبيب تُدير هذه الاتصالات بموافقة أميركية صامتة، إذ يرى فريق ترامب للأمن القومي أن إعادة بناء قناة مع دمشق قد تفتح بابًا لتفاهمات أوسع تشمل حزب الله وإيران لاحقًا، ضمن رؤية جديدة لإدارة الصراع لا لحلّه.
الدور الأردني: صمتٌ محسوب وموقعٌ مركزي
رغم أن الأردن ليس طرفًا مباشرًا في هذه المحادثات، إلا أن دوره في التهدئة لا يمكن تجاهله.
مصادر دبلوماسية في عمّان أكدت أن الأجهزة الأردنية تتبادل المعلومات الميدانية مع قوات الأمم المتحدة في الجولان، وتتابع عن كثب أي تحركات قد تُهدّد الحدود الشمالية.
عمّان، التي تتحرك بحذر بين موسكو وواشنطن، تسعى إلى منع انزلاق الصراع نحو حدودها الشمالية، خصوصًا في ظلّ الوضع الهشّ في الجنوب السوري وملف اللاجئين الذي أعيد فتحه أخيرًا في الأمم المتحدة.
رسائل متبادلة: ما بين العلن والسرّ
تُظهر التحليلات أن إسرائيل اختارت طريق الرسائل الميدانية بدل التصريحات العلنية.
ففي الوقت الذي تواصل فيه قصف أهداف محدودة قرب دمشق، تُرسل في المقابل إشارات تهدئة عبر القنوات الدبلوماسية، تؤكد فيها استعدادها لـ'ترسيم تفاهمات مرحلية' إذا التزمت سوريا بإبعاد الميليشيات الإيرانية 30 كيلومترًا عن الحدود.
دمشق، من جانبها، لم ترد رسميًا، لكنها سمحت –وفق تقارير أممية– بزيادة نشاط القوات الدولية على خطوط التماس، وهو ما اعتبرته تل أبيب 'بادرة حسن نية'.
مصادر روسية نقلت عن نائب وزير الخارجية في موسكو قوله إنّ 'الوضع في الجولان بات تحت السيطرة، ولا مصلحة لأحد في إشعال جبهة جديدة'.
نحو محور 'استقرار مصلحي'
هذه التطورات تطرح سؤالًا جوهريًا: هل نحن أمام محور استقرار مصلحي بين دمشق وتل أبيب برعاية موسكو وواشنطن؟
الجواب ليس بسيطًا، لكنّ المؤشرات الميدانية تقول إنّ الطرفين يسيران نحو تفاهمٍ غير معلن، يتيح لكلٍّ منهما كسب الوقت دون تقديم تنازلات سياسية مباشرة.
فإسرائيل تريد جبهة هادئة شمالًا، وسوريا تبحث عن شرعية دولية عبر ضبط الميدان.
أما روسيا، فترى في هذا المسار فرصة لإعادة تثبيت نفوذها في سوريا بعد تراجع الدور الإيراني.
وفي الخلفية، تراقب واشنطن بحذر، وهي تُوازن بين إبقاء الضغط على طهران وتجنب حرب إقليمية جديدة قد تخلط أوراق ترامب الانتخابية.
---
يمكن القول إنّ ما يجري اليوم بين إسرائيل وسوريا ليس مفاوضات سلام، بل إدارة صراعٍ ناعم، تتحرك فيه المصالح أكثر من المبادئ.
إنه شكلٌ جديد من 'السلام البارد' يُبنى على الأمن لا على الثقة، وعلى الحاجة لا على النوايا.
ومع أنّ الطريق إلى محور واحد ما زال طويلًا، فإنّ مجرد الاعتراف المتبادل بضرورة التهدئة هو الخطوة الأولى نحو مرحلة سياسية مختلفة في الشرق الأوسط، تُكتب حروفها من الجولان… وتُقرأ في واشنطن وموسكو.
المصادر:
– صحيفة معاريف العبرية – 4/11/2025
– موقع واللا نيوز العبري – 5/11/2025
– تقارير الأمم المتحدة (UNDOF) – نيويورك
– مركز الدراسات الأمنية الإسرائيلية (INSS) – تل أبيب
– تصريحات دبلوماسية روسية نقلتها وكالة تاس الروسية.












































