اخبار السعودية
موقع كل يوم -جريدة الرياض
نشر بتاريخ: ٢٦ كانون الأول ٢٠٢٥
د. فهد إبراهيم البكر
للزمن أهمية خاصة في الكون، فهو الذي به تنتظم حياة الإنسان، والكائنات، ولأهميته البالغة فقد ورد ذكره كثيراً في القرآن، والسنة، وذلك في الحديث عن الأوقات: الفجر، والصباح، والضحى، والعصر، والعشاء، والليل، والنهار. إضافة إلى ذكر تاريخ الأمم السابقة، والحديث عن زمن العبادات، وأوقات الصلوات، ومراحل العمر، والإشارة إلى الحياة الدنيا، والآخرة، ويوم القيامة، وما يتعلق بظروف الطبيعة، والمناخ، والظواهر الفلكية، والمقادير الزمنية، وذكر السنوات، والشهور، والأيام، والليالي، والساعات. وكذلك الحديث عنالآني، واللاحق، والسابق.
ويدخل (اليوم) ضمن موضوع الزمن، وذلك من زاويتين: واقعيةحقيقية فيزيائية، وأدبية جمالية تخييلية؛ لذلك فالمعوّل عليه في الزمن عندنا، ليس الجانب الواقعي الفيزيائي، وإنما ما يحدثه ذلك الواقع من رمزية أدبية، ودلالات جمالية، تساعد على إظهار الزمن بلون تشويقيجاذب. والذي يطالع الشعر العربي سيجد ذكر الزمن كثيراً بنوعيه: الفيزيائي، والجمالي. ومن يتأمل حضور اليوم، والغد، والأمس، والصباح، والمساء، والليل، والنهار، ونحوها من الأوقات، سيجدأمارات تلك المظاهر الزمنية في الشعر كثيرة جداً.
وقد لفت انتباهي حينما كنت أقرأ في بعض دواوين الشعر القديم حضور اليوم بأسمائه المعروفة: (السبت، والأحد، والاثنين، والثلاثاء، والأربعاء، والخميس، والجمعة)، وجاء ذكر الأيام في ذلك الشعر على ثلاثة أشكال: الأول - ورودها دفعة واحدة، بمعنى أنتكون القصيدة مشتملة على جميع أيام الأسبوع، وهذا الشكل قليل جداً، لم ألحظه إلا عند ابن الرومي (283هـ)، وربما وُجِد عند غيره، يقول مثلاً: «لَنعمَ اليومُ يومُ السبت حقاً ... لصيدٍ إن أردت بلا امتراءِ = وفي الأحدِ البناءُ فإن فيه ... بدا الرحمنُ في خلق السماءِ = وفي الاثنين إن سافرت فيه ... تَنبأ بالنجاح وبالنجاءِ =
وإن رمت الحجامة فالثلاثا ... فذاك اليوم مهراقُ الدماءِ =
وإن رام امرؤٌ يوماً دواءً ... فنعم اليومُ يوم الأربعاءِ =
وفي يومِ الخميسِ قضاء خيرٍ ... ففيه الله يأذن بالقضاءِ =
ويوم الجمعة التنعيمُ فيه ... وتزويج الرجالِ مع النساءِ»، ويمكن أن أُطلِق على هذه القصيدة (القصيدة الأسبوعية)؛ نظراً لاشتمالها على أيام الأسبوع.
ويظهر أن ابن الرومي يحبّ يوم السبت؛ بدليل قوله في قصيدة أخرى: «وحَبَّبَ يومَ السبتِ عِنْديَ أَنَّني ... تُنادِمُني فيه الذي أنا
أحَبَبْتُ = ومن عجَبِ الأشياء أَنِّيَ مُسْلِمٌ ... حَنِيفٌ ولكنْ خيرُ
أيَّامِيَ السَّبتُ»، كما يظهر أن ابن الرومي من أكثر الشعراء الذين ذكروا الأيام بأسمائها في شعرهم، بدليل قوله في قصيدة أخرى استهلها بذكر يوم الأحد: «صَبْحةَ النَّوْرُوز في الأحدِ ..».
والثاني - أن يأتي ذكر أيام الأسبوع متفرقاً، وذلك حين يذكر الشاعر يوماً أو يومين من أيام الأسبوع في بيت واحد، أو أبيات متفرقة، وهذا قليل، غير أننا رصدناه عند شاعر بعينه، وهو البحتري (280هـ)، وذلك في قوله: «إنْ فاتَ في السّبتِ أن نَزْدَارَ سيّدَنا ... فلا تَفُتْنَا لشيءٍ زَوْرَةُ الأحدِ»، ويبدو أنه -كابن الرومي - يحب السبت؛ لأنه قال في هذا اليوم أيضاً من قصيدة أخرى: «يَومُ سَبتٍ وَعِندَنا ما كَفىالحُرَّ ... وَطَعامٌ وَالوردُ مِنّا قَريبُ».
والثالث – أن يكون ذكر اليوم مستقلاً مفردًا، وهو الأكثر، يقول أبو تمام في إحدى قصائده يذكر يوم السبت: «جَذَبتُ نَداهُ غُدوَةَالسَبتِ جَذبَةً ... فَخَرَّ صَريعاً بَينَ أَيدي
القَصائِدِ»، ولو رمنا البحث في النصوص التي تطرقت للأيام في الشعر العربي: قديمه وحديثه، لألفيناها أكثر من أن تُعدّ وتحصى.










































