الوادي الجديد – محمد الباريسي:

لا تكتفي الوادي الجديد بالصحراء البيضاء فحسب، بل تمتلك كنزاً آخر هو الصحراء السوداء، تقع هذه الصحراء الساحرة بين الواحات البحرية والفرافرة، وتعتبر لوحة فنية طبيعية فريدة من نوعها في مصر بفضل تشكيلاتها الصخرية الغريبة وألوانها الداكنة التي تجعلها وجهة سياحية مثالية.

تمتد الصحراء السوداء لمسافة نحو 70 كيلومترًا جنوب مدينة الباويطي التابعة للواحات البحرية، وتمثل مزيجًا فريدًا من التضاريس البركانية، مما يمنحها طابعًا ساحرًا يجذب آلاف السياح سنويًا.

سبب التسمية

أُطلق على هذه الصحراء اسمها بسبب الطبقة السوداء التي تغطي جبالها وتلالها، وهي نتيجة لتآكل الصخور بفعل الانفجارات البركانية القديمة التي حدثت منذ ملايين السنين.

وتتشكل هذه الصخور بشكل أساسي من البازلت والكوارتزيت الحديدي وأكاسيد الحديد التي تضفي ألوانًا مختلفة تتراوح بين الأسود والأحمر والبرتقالي.

ويشير الجيولوجيون إلى أن هذه التشكيلات تعود إلى العصر الطباشيري، مع وجود محدود لصخور العصر الجوراسي.

معالم بارزة

قال محسن عبد المنعم الصايغ، مدير الهيئة المصرية للسياحة بالوادي الجديد، إن الصحراء السوداء تتميز بعدد من الجبال الفريدة التي تحمل قصصًا جيولوجية وتاريخية مثيرة:

جبل المرصوص: يقع جنوب الواحات البحرية، وهو عبارة عن فوهة بركانية تغطيها صخور بازلتية منظمة في أعمدة، مما يضفي عليه مظهرًا مميزًا. يمتد الجبل على مساحة تبلغ حوالي 2 كيلومتر مربع، ويُعد مقصدًا رئيسيًا لزوار المنطقة.

جبل الإنجليز: يُعتبر أعلى نقطة في الصحراء السوداء، ويقع في المنطقة الفاصلة بين قرية منديشة ومدينة الباويطي، يتميز الجبل بأطلاله التي تعود لفترة الاحتلال البريطاني، حيث كان يتمركز عليه الجنود الإنجليز خلال الحرب العالمية الأولى، يصل ارتفاع الجبل إلى 200 متر، ويوفر إطلالات بانورامية مذهلة.

جبل البانوراما: يُعد مقصدًا رئيسيًا لعشاق التصوير، حيث يمكن للزوار الاستمتاع بمشاهد بانورامية رائعة للصحراء السوداء من أعلى نقطة فيه.

الأهمية الجيولوجية والتاريخية

أوضح الدكتور عبد المنعم حنفي، أستاذ الجغرافيا بجامعة بورسعيد، من أبناء مركز الداخلة بالوادي الجديد، أن الصحراء السوداء تُعد كنزًا جيولوجيًا لما تحتويه من أشكال جيولوجية فريدة مثل التلال البركانية والصخور السوداء.

وأشار إلى أن منطقة جبلي الدست والمغرفة، الواقعة على حدود الصحراء، شهدت اكتشاف ثاني أضخم هيكل لديناصور في العالم عام 2000، مما يعزز من مكانة المنطقة كمحمية طبيعية وأحد أبرز مواقع الأبحاث العلمية عالميًا.

إعلان محمية طبيعية

في عام 2010، جرى إعلان الصحراء السوداء والواحات البحرية محميات طبيعية بهدف حماية تنوعها البيولوجي والجغرافي.

وتحتوي المحمية على مجموعة متنوعة من النباتات والحيوانات النادرة، بالإضافة إلى عيون المياه الكبريتية والمعدنية التي يُعتقد بقدرتها على علاج الأمراض الجلدية والروماتيزمية.

السياحة البيئية

أفاد محمد محسن، مشرف رحلات سفاري، بأن الصحراء السوداء تُعتبر وجهة مثالية للسياحة البيئية، حيث يستمتع الزوار بمشاهدة الغرود الرملية والكثبان والصخور متعددة الألوان.

وأكد أن المنطقة تقدم تجربة فريدة خاصة عند شروق الشمس أو خلال الليالي القمرية، حيث تتحول الصحراء إلى لوحة طبيعية ساحرة.

فرص مهدرة

رغم الأهمية الجيولوجية والسياحية للصحراء السوداء، يشير الباحث الجيولوجي الحسيني محمد، إلى أن المنطقة تُعاني من الإهمال الحكومي.

وأوضح أن الصخور السوداء تحتوي على معادن نفيسة تحتاج لدراسات معمقة لتحديد قيمتها الاقتصادية، إلا أن غياب الرقابة يجعلها عرضة للنهب من قِبل البعض.

من جهته، دعا خالد حسن، مدير الهيئة الإقليمية لتنشيط السياحة بالوادي الجديد، إلى استغلال الصحراء السوداء بشكل أفضل من خلال إنشاء منتجعات سياحية بيئية، مما سيساهم في خلق فرص عمل للشباب وتسويق محافظة الوادي الجديد سياحيًا.

رحلة عبر الزمن

يستذكر إبراهيم خليل، مدير عام الثقافة الجماهيرية بالوادي الجديد الأسبق، ومؤرخ تراث الواحات بالوادي الجديد، أهمية جبل الإنجليز من الناحية التاريخية، حيث كان يُستخدم كموقع استراتيجي من قِبل القوات الإنجليزية لمراقبة المنطقة خلال فترة الاحتلال البريطاني.

وأضاف أن الصحراء السوداء تحمل ذكريات لبراكين خاملة كانت نشطة منذ نحو 180 مليون سنة، وهو ما يبرز في تكويناتها الجيولوجية الغنية.

ختامًا، تُعد الصحراء السوداء واحدة من أجمل المعالم الطبيعية في مصر والعالم، وتحتاج إلى اهتمام أكبر من الجهات المعنية لتعزيز مكانتها كوجهة سياحية وعلمية عالمية، فبفضل ثرواتها الطبيعية وتاريخها الفريد، يمكن للصحراء السوداء أن تصبح نموذجًا يُحتذى به في السياحة البيئية والتنمية المستدامة.