اخبار تونس
موقع كل يوم -جريدة الشروق التونسية
نشر بتاريخ: ٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
حان الوقت للإشتغال على استراتيجيا وطنية تعيد للفلاحة التونسية مكانتها الطبيعية باعتبارها ضمانة لرخاء الشعب وسيادة الدولة والواضح أن إعادة هيكلة الفلاحة التونسية تقتضي فسخ كل الإنزلاقات التي حصلت منذ نكبة التعاضد عام 1969 وخلفت تداعيات وخيمة في مقدمتها تفشي فيروس التشتت الزراعي وانقراض المشاتل والبذور التونسية التي تشكل أساس الأمن الغذائي إلى جانب التصادم الحاصل بين الأبعاد الإجتماعية وأسس استدامة النشاط الزراعي لاسيما في غياب خارطة فلاحية واضحة وملزمة ومعايير واضحة في التعاطي مع قضية ندرة المياه في بلد يصنف تحت عتبة الفقر المائي وذلك بمقدار 450 متر مكعب لكل مواطن سنويا.
وعلى هذا الأساس يبدأ إصلاح ما أفسدته العقود الأخيرة بحسم الأولويات التي تفرض استخدام كل قطرة ماء لخلق أكبر قدر ممكن من المنافع وهو ما يعطي أسبقية واضحة للقمح الصلب وزيت الزيتون الذين بمقدورهما إحداث تغيير جذري في التوازنات المالية ونمط حياة الشعب التونسي.
إن تحقيق الإكتفاء الذاتي من القمح الصلب هو رهان متاح يتطلب بالأساس تثمين منظومة البحث العلمي لتطوير البذور التونسية التي تتعايش مع الخصوصيات الطبيعية وتوفير مساحات كافية في كل شبر من تونس قابل للإستخدام الزراعي بما في ذلك الصحراء التونسية.
والأهم من ذلك هو اكتساب الوعي بأن المواطن التونسي جدير باستهلاك القمح الصلب والاستغناء عن مشتقات القمح اللين (الفرينة) وذلك بمعيار الرفاه الصحي .
كما أن التوصل إلى مضاعفة غابة الزيتون لبلوغ إنتاج سنوي لا يقل عن 500 ألف طن هو أيضا رهان متاح سيمكن تونس من الاستغناء عن توريد الزيوت النباتية وتحقيق عائدات بالعملة الصعبة تعادل أضعاف ما تدره السياحة بمقياس القيمة المضافة الوطنية.
ورغم أن هذا الرهان يتطلب استعدادات لوجستية ضخمة فإنه يفتح آفاقا غير محدودة أمام الشعب التونسي تنقله من حالة العوز إلى الرخاء بالنظر إلى العائدات المالية والمنافع الصحية لزيت الزيتون بوصفه دواء قبل أن يكون غذاء.
كما حان الوقت لإعادة تخصيب الأراضي الزراعية في حزام الحبوب ولاسيما ولايات الشمال الغربي التي تفقرت بسبب عدة عوامل منها التوقف منذ نهاية تسعينات القرن الماضي عن زراعة اللفت السكري بوصفه الوسيلة المثلى للتداول الزراعي الذي يحمي التربة من الإستنزاف حيث أن ضمان مردودية عالية لزراعة القموح يظل مرتبطا عضويا باللفت السكري القادر أيضا على تحقيق الإكتفاء الذاتي من السكر الذي يستنزف استيراده 700 مليون دينار سنويا.
إن توفير مساحات تعادل 5 ٪ فقط من أراضي الدولة أي نحو 27 ألف هكتار لزراعة اللفت السكري كفيل بتحقيق الإكتفاء الذاتي من السكر وتوفير منتوجات أخرى ذات أهمية البالغة للأمن الغذائي ولاسيما أعلاف الأبقار ومادة «الدبس» التي تعد المادة الأولية الأساسية في صناعة «الخميرة».
وبالمحصلة تحفز العودة القوية للسيادة الوطنية على تغيير نمط التعاطي مع قضية الأمن الغذائي على أساس ماهو أنسب وأنفع للشعب التونسي وانطلاقا من وعي عميق بأن التفقير الحاصل للقدرات الوطنية الفلاحية يتجاوز بكثير سردية التغيرات المناخية فالواضع أن التدمير الممنهج للموروث الفلاحي وأساسا البذور والمشاتل التونسية والزراعات التقليدية التي كانت راتجة مثل اللفت السكري و«طياعة الشمس» وغيرها كان له أثر سلبي عميق على المناخ والطبيعة والبشر
«إحياء الصحراء »
وفي المقابل يمثل توسيع مهام ديوان تنمية رجيم معتوق ليشمل إحياء الصحراء حلقة مفصلية باتجاه تثمين القدرات الفلاحية الخامدة وتحقيق المصالحة التاريخية بين الشعب والجغرافيا فالمساحات التي سيتم إحياؤها في تطاوين والبالغة 1000 هكتار ستخلق الحياة حولها وتساهم من ثمة في وضع حد للهجرة الداخلية والخارجية.
وبالمحصلة يجب أن تنخرط كل القوى الوطنية في تصور جديد للأمن الغذائي يقطع مع ثقافة المسلمات ومسايرة السائد فمن العبث تصدير الفسفاط الخام بدل استخدامه لتخصيب واستصلاح الأراضي الزراعية المفقرة كما أن القمع وغابة الزيتون أولى بالمياه التي تهدر في تصدير منتوجات ذات قيمة مضافة ضعيفة أو زراعة عنب التحويل الذي لا طائل منه غير إفساد الشعب وانقضاء البركات.