اخبار مصر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٢٨ نيسان ٢٠٢٥
دراما أزمات الخضر والفاكهة في البلاد لا تتوقف بعد ارتفاع أسعاره إلى ما يزيد على 3.5 دولار
كثيراً ما طرب جيلا الثمانينيات والتسعينيات حين سماعهم صوت الخلاط صغاراً كما لو كان قيثارة عذبة، فثمة ما يمزج من عصارة حبات الليمون بالماء والسكر لإنعاش الأبدان ومنحها نشوة الاسترخاء في عصاري (وقت ما بعد العصر) الصيف الحارق. ويتذكر معظمنا كيف استعذبنا ذلك الصوت الذي كثيراً ما رادف في الأذهان تحضير العصير المنعش الذي حظي بنكهة مميزة ورائحة ذكية ولون زاه، وكلفة متواضعة وتحضير ناجز.
وصار الليمون على تلك الكلفة المنخفضة ملك المطبخ المصري ومضرب أمثال المصريين تعبيراً عن الكثرة 'العدد في الليمون'، إذ لم يخل بيت داخل البلاد من فاكهته بفعل تعدد استخداماته وسعره المتواضع، لكن سرعان ما تبدل حال شراب الباحثين عن التخفف من التوترات النفسية والانفعال المزاجي الحاد.
ما الذي جرى؟
على رغم انتمائه للحمضيات وما تبعثه في الأفواه من اللاذعية، فإن أسعاره المنفلتة أخيراً اجتمعت إلى مرارة طعمه لتزيد مره علقماً، فأصبح ذاك الشراب الحلو الموصوف لتهدئة النفس مثيراً للانفعال أينما حل على نحو لافت، وتراجع حضوره الدائم وتبدل غياباً منزوياً عن الطاولات بفعل قساوة الكلفة، فما الذي جرى؟ يتساءل أحدهم.
ارتفعت أسعار الليمون داخل مصر إلى مستوى 180 جنيهاً (3.53 دولار) للكيلوغرام الواحد قبل أن تتراجع صوب 150 جنيهاً (2.94 دولار) ثم تستقر عند مستوى 120 جنيهاً (2.35 دولار) حالياً، وسط تقديرات بوقوف خسائر إنتاج المحصول ونقص المعروض في الأسواق وراء الأزمة الأخيرة.
'ربع كيلو فقط'
ولليمون مكانة خاصة بفعل ما يضيفه من نكهة مميزة على مختلف الأطباق، فضلاً عن استخداماته الطبية ودوره في الطب التقليدي، بفضل احتوائه على مركز عال من فيتامين 'سي'، وقدرته الفريدة على تعزيز المناعة في مواجهة نزلات البرد والتهاب الحلق وتنظيم الهضم وإزالة السموم من الجسم وعلاج مشكلات البشرة.
أمام موازنة متواضعة وارتفاع غير مسبوق، اضطرت صفاء فريد (ربة منزل خمسينية) إلى تقليص مشترياتها من الليمون اكتفاءً بـ250 غراماً فقط بكلفة 35 جنيهاً (0.69 دولار) في المرة الواحدة، كانت تكفي قبل أسابيع لشراء كيلوغرام كامل من السلعة، كما تقول.
'خمس حبات من الليمون'
ولمصر مكانة خاصة في إنتاج الليمون على مستوى الإقليم، فتأتي ثالثةً بعد تركيا وإيران بإنتاج سنوي يبلغ 400 ألف طن، وتتركز زراعته داخل مناطق مثل دلتا النيل وعلى طول ساحل البحر الأبيض المتوسط شمال البلاد، وبلغت عوائد صادرات القاهرة من الليمون نحو 80 مليون دولار عام 2022، مما يبرز الطلب العالمي المتزايد على الحمضيات المصرية، خلال وقت تستثمر الحكومة المصرية في التقنيات الزراعية الحديثة لتعزيز الإنتاج والجودة.
وفي حديثها لـ'اندبندنت عربية' تضيف صفاء 'الربع كيلوغرام عبارة عن أربع أو خمس حبات من الليمون، ولولا حاجة الطعام إلى الليمون لقاطعناه، لكن اضطررنا إلى تقليص مشترياتنا منه تماشياً مع موازنة الإنفاق المتواضعة لأرملة وأم لشابين، ليس لديها من الدخل سوى المعاش الشهري'.
دراما أزمات الخضر والفاكهة
ولأزمات الخضر والفاكهة في البلاد دراما مستمرة ومتعددة الحلقات، أمسها القريب الطماطم والبطاطا والبصل، وهي أزمات عايشتها واختبرتها صفاء قبل أشهر فحسب، بفعل نقص المعروض وارتفاع الطلب داخل بلد الـ107 ملايين مستهلك، فيما هي ترى أن أزمة الليمون الحالية ما هي إلا حلقة جديدة عابرة تضاف إلى سلسلة حلقات سوق الخضر المعهودة من حين إلى آخر.
وبفضل خصوبة دلتا النيل ومناخها الملائم، تعد مصر موقعاً مثالياً لزراعة الليمون، وتزدهر تلك الفاكهة في صيفها الحار وشتائها المعتدل، وتشتهر دلتا نيلها بتربتها الغنية وإمداداتها الوفيرة من المياه وبها يتركز غالب الإنتاج، فيما تحظى الفيوم بمناخ فريد يدعم زراعة الحمضيات، قبل أن تمتد زراعتها إلى أجزاء من صعيد مصر بسبب تحسين تقنيات الري.
أسعار الليمون والموز
لكن تغيرات مناخية كبدت المزارعين خلال الموسم الماضي خسائر طاولت نصف المحصول، وأفضت إلى معروض شحيح من الليمون في الأسواق، بحسب نائب رئيس شعبة الخضر والفاكهة في الغرف التجارية المصرية حاتم النجيب، الذي أكد أن ظاهرة تقليع أشجار الليمون في محافظة البحيرة أسهمت هي الأخرى في تراجع الإنتاج.
وفي حديثه، يلفت النجيب إلى الخضر والفاكهة سريعة التأثر بضيق أو وفرة المعروض من المحاصيل، ويقول إن السوق تشهد خلال الآونة الأخيرة زيادة في معروض معظم الخضراوات والفاكهة، مما أدى إلى انخفاض أسعارها بصورة عامة، واستثنى من ذلك الليمون والموز، إذ طالتهما تأثيرات التغيرات المناخية التي أثرت في الإنتاج.
80 في المئة من التراجع
ويشير المتحدث إلى أن خسارة أشجار المحصول بنحو النصف تقريباً أدت إلى ضعف المعروض من فاكهة الليمون في الأسواق، متوقعاً استمرار ارتفاع أسعاره حتى حلول موعد العروات الجديدة خلال أغسطس (آب) المقبل، من دون أن ينفي ارتفاع الصادرات على نحو لافت بسبب الطلب العالمي المتنامي، وهو ما طالب معه بتنظيم الخطة التصديرية بما لا يغفل تحقيق اتزان للسوق الداخلية في البلاد.
أما نقيب الفلاحين في مصر حسين عبدالرحمن أبو صدام فيرى أن أسعار الليمون مرشحة للتراجع بنحو 80 في المئة بحلول عيد الأضحى خلال يونيو (حزيران) المقبل، خصوصاً أن دخول المحصول الجديد إلى الأسواق من شأنه أن ينهي ضيق المعروض حالياً.
زراعات ذات جدوى
ويتحدث أبو صدام عن امتلاك البلاد 40 ألف فدان من الليمون، ويرى أن فاكهته شديدة التعرض للتأثر سلباً بفعل التواضع الإنتاجي، فيما عملية الإثمار تستغرق تسعة أشهر للأشجار القائمة، وثلاثة أعوام للأشجار الجديدة، ويلفت إلى أن الطلب المرتفع أخيراً كان بفعل حلول موسم شم النسيم الذي يشهد استهلاكاً أكبر لليمون.
ويقول نقيب الفلاحين، إن رخص سعر الليمون خلال الموسم الماضي دفع مزارعين نحو تقليع أشجاره، والاتجاه صوب زراعات أخرى أكثر جدوى من حيث العائدات، وهي الأزمة التي تشبه ما حدث للبصل والبطاطا قبل أشهر حين كان المعروض منهما متواضعاً في السوق، ليرتفع سعرهما كثيراً.
تراجع التضخم في مصر
وبحسب البنك المركزي المصري، تراجع التضخم السنوي العام والأساس إلى 13.6 و9.4 في المئة خلال مارس (آذار) الماضي على التوالي، وهو أدنى معدل للتضخم الأساس في ما يقارب ثلاثة أعوام، بعد أن شهد الربع الأول من العام الحالي انخفاضاً ملحوظاً في معدلات التضخم داخل البلاد.
وتأمل صفاء من بين ملايين من ربات البيوت في مصر أن يعاود الليمون رشده نزولاً إلى مستوى إنفاق المستهلكين من ذوي الطبقة المتوسطة، من دون أن يقسو عليهم بما لا يطيقونه من الكلفة الباهظة، ليعود كما كان فاكهة الجميع من غني وفقير، بتواضع سعره ووفرة حضوره.