اخبار الاردن
موقع كل يوم -جو٢٤
نشر بتاريخ: ٣٠ تشرين الأول ٢٠٢٥
من الأمان إلى الاستدامة: إعادة تعريف دور الضمان في الاقتصاد الوطني
كتب د. واصل المشاقبة
حين يصف معالي وزير الإعلام الدكتور محمد المومني السندات الحكومية بانها من افضل استثمارات صندوق الضمان الاجتماعي، فان هذا التوصيف رغم وجاهته من زاوية الامان المالي، يستدعي مراجعة فنية اعمق في ضوء غياب الافصاح عن الدراسة الاكتوارية، وتنامي الاعتماد على أدوات الدين العام، وتراجع فرص الاستثمار الوطني المباشر في مشاريع استراتيجية. فالعائد على السندات الحكومية الأردنية يتراوح حاليا بين ٥٪ الى ٦٪ بحسب اجال الاستحقاق، وهو اقل من متوسط العوائد في قطاعات انتاجية مثل البنية التحتية والطاقة والأسهم الصناعية، التي تتجاوز غالبًا ١٠٪ الى ١٥٪ سنويا، فضلا عن اثرها المضاعف في التشغيل والنمو المحلي. ان المقارنة بين هذه العوائد تُظهر ان السندات رغم استقرارها لا تحقق أقصى استفادة ممكنة من اموال الضمان ولا تواكب الفرص المتاحة في الاقتصاد الحقيقي، خاصة حين تكون هذه الاموال قادرة على تمويل مشاريع سيادية ذات اثر استراتيجي طويل الاجل.
الدراسة الاكتوارية الاخيرة للمؤسسة، التي انجزت منذ اكثر من عام لم تُنشر حتى الآن رغم انها تشكل الاساس الفني لاي تعديل تشريعي مقترح. هذا الغياب لا يضعف فقط شرعية التعديل بل يحرم المجتمع من تقييم الاثر المتوقع على سن التقاعد، ونسب الاشتراك، واستدامة الصندوق، والعدالة بين الاجيال. فالمسار التشريعي السليم والقانوني يقتضي ان تطرح هذه الدراسة للنقاش قبل اي تعديل لا ان تستخدم التعديلات المقترحة كبديل عن النقاش الفني. ان الشفافية الاكتوارية ليست ترفا اداريا، بل شرطا دستوريا ضمن مبداء المساواة في الحقوق والواجبات، واي تجاوز لهذا الشرط يضعف الثقة المؤسسية ويقوض التوازن بين أطراف العلاقة التأمينية.
اما استثمار ما يقارب ١١ مليار دينار في سندات حكومية فهو وان كان امناً من حيث السداد الا انه يفقد الصندوق دوره كذراع استثماري تنموي مستقل، ويحوله الى ممول للموازنة بدل ان يكون شريكا في بناء اقتصاد منتج. فالسندات، بطبيعتها، محدودة العائد ولا تخلق فرصا تشغيلية او قيمة مضافة اقتصادية. ولو استثمرت هذه الاموال في مشاريع وطنية استراتيجية، لكان الضمان اليوم شريكا في المطار والميناء وسكة الحديد والناقل الوطني، بدل ان تؤول ملكيتها لمستثمرين خارجيين (اجانب وعرب). هذه المشاريع ليست فقط مربحة، بل سيادية واستراتيجية، وتحقق عوائد طويلة الاجل وتعزز من قدرة الضمان على حماية اموال المشتركين وتحقيق الاستدامة.
الاستقلالية التي تذكر في التصريحات يجب ان تترجم الى ممارسات مؤسسية ملموسة، مثل نشر تقارير الاداء الاستثماري بشكل دوري، واعلان محاضر اجتماعات مجلس الاستثمار، واشراك ممثلين عن النقابات والقطاع الخاص في الرقابة المؤسسية. فالادارة المهنية لا تقاس بالتصريحات، بل بقدرتها على اتخاذ قرارات استثمارية جريئة، مبنية على الجدوى لا على الاعتبارات السياسية أو المالية الضيقة.
برأيي، اجراء اي تعديل على قانون الضمان يجب ان يبنى على اساس فني منشور، وان يناقش ضمن حوار وطني شفاف، وان يرافقه اعادة هيكلة لمحفظة استثمارات الضمان لتقليل الاعتماد على السندات الحكومية، وتأسيس ذراع استثماري مباشر للصندوق في مشاريع البنية التحتية الوطنية. فالمطلوب اليوم ليس فقط ادارة امنة للاموال، بل ادارة جريئة وواعية تضع مصلحة المشتركين فوق الاعتبارات المالية الضيقة للحكومة واحتياجاتها، وتعيد الاعتبار للدور السيادي لصندوق الضمان الاجتماعي في بناء اقتصاد وطني منتج ومستدام.
الضمان ليس مجرد صندوق ادخار، بل اداء سيادية لبناء المستقبل. والمطلوب ليس فقط الحفاظ على امواله، بل توظيفها بذكاء واستقلالية في مشاريع تعزز الامن الاقتصادي والاجتماعي لابناء هذا الوطن، وتعيد التوازن بين الامان المالي والجرأة الاستثمارية.












































