1/6 في مصر، فاز الإخوان في الانتخابات التشريعية والرئاسية، ثم تم القضاء عليهم وعلى الديمقراطية خلال سنة من ذلك، أي في العام 2013م. في تونس، فاز الإخوان في البرلمان، ثم شكلوا حكومة، ثم بعد سنوات تم القضاء عليهم وعلى الديمقراطية في العام 2021م. كانت أبرز مظاهر القضاء على الإخوان في مصر سجن الرئيس الإخواني محمد مرسي مع حظر الإخوان وحزبهم. كما أن أبرز مظاهر القضاء على الإخوان في تونس كان سجن راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، في العام 2023م، بعد أن كان يرأس البرلمان التونسي في العام 2021م، وكان في صراع مع رئيس الدولة، تبع ذلك سجن عدد من قيادات حزب النهضة وإغلاق مقراته مع توجيه عدة تهم إليهم، منها تأسيس جهاز عسكري سري داخل الحزب. في ذات المسار، العمل جاري على إسقاط حركة حماس من حكم غزة، وربما يتبع ذلك سجن كبار قادتها، مما يعني أننا أمام سلسلة متصلة في إسقاط الإسلاميين لأسباب داخلية وخارجية. السؤال اليوم: هل جاء دور الإخوان المسلمين في الأردن من أجل تكرار ذات مصير الإخوة في مصر وتونس وغزة؟ هنالك من يقول إن ذلك سيتم قريبًا؟' 2/6 وفقًا لفهمي لعلم الاجتماع السياسي، الذي يدرس القاع الاجتماعي للظواهر السياسية، فإن الإخوان المسلمين في الأردن هم بنظر غالبية الأردنيين حركة دينية إسلامية بعمق فلسطيني من حيث القاعدة التنظيمية وليس الواجهات القيادية. هذه حقيقة اجتماعية. نتيجة لهذه التركيبة الاجتماعية، فقد لعبت الجماعة دورًا هامًا في كسر حدة الطروحات الإقليمية التي صدرت من عدة منظمات فلسطينية في عقود ماضية، ذلك أن الطرح الديني يكسر حدة الإقليمية. لاحقًا، ونتيجة التحولات في موازين القوى الفلسطينية وانعكاساتها على توجهات الأردنيين من أصول فلسطينية، فإن الإخوان باتوا المعبر الأكبر من ناحية فعلية عن المكون الأردني من أصل فلسطيني. هذه حقيقة أخرى. لقد استفادت الدولة الأردنية لعقود متتالية من ذلك في حماية النسيج الاجتماعي من أي شرخ على أساس الأصول الجغرافية الوطنية. لكن المشكلة الكبرى جاءت من البعد الخارجي، ذلك أن الإخوان هنا سريعو التأثر بطموحات وأفكار وأساليب الإخوان هناك، حركة حماس في فلسطين وإخوان مصر وإخوان تونس، مما أدى إلى زيادة الفجوة بين الإخوان هنا والنظام هنا. تزامن مع ذلك أن عدة دول عربية، هي مصر والسعودية والإمارات، قامت بحظر الإخوان كما حظرت أي واجهة لهم، ولم يكن يروق لهذه الدول العربية الثلاث حرية الحركة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين داخل الأردن. نتيجة لكل ما ذكر أعلاه، نجد أن هناك عوامل كانت تدفع نحو حفاظ الدولة على الإخوان وعوامل أخرى تدفع نحو القضاء عليهم، مع بداية التحول نحو زيادة عوامل القضاء عليهم أكثر من الحفاظ عليهم؟ 3/6 أعود إلى الوراء قليلًا، ففي العام 2019م، كان لي محاضرة في رابطة الكتاب الأردنيين عنوانها (الدولة والإخوان: التقارب والتباعد في المواقف من أحداث الربيع العربي في عدة دول عربية خلال فترة 2011-2014م). كان هذا هو عنوان المحاضرة، وهو أيضًا في ذات الوقت عنوان المخطوطة البحثية التي أنجزتها مع الباحث محمد صبحي الشياب. مع الإشارة هنا إلى أننا حينما قمنا بإرسال المخطوطة لغايات نشرها إلى المركز العربي للدراسات في دولة قطر، كان الرد نعتذر عن النشر، لعل السبب أن نتائج الدراسة كانت لصالح الدولة الأردنية أكثر مما هي لصالح الإخوان المسلمين. أكمل حديثي، في هذه المحاضرة تناولت مخلص الدراسة ثم طرحت سيناريوهات العلاقات بين الدولة والإخوان. حينما نشر الخبر الصحفي عن أهم ما جاء في المحاضرة التي حضرها وقتها نائب المراقب العام للجماعة المهندس عزام الهندي، كان العنوان (الدباس يدعو الإخوان لحل الجماعة والاكتفاء بالحزب). هذا العنوان هو ما قاد لاحقًا إلى حوار معمق مع الدكتور رامي العياصرة أمين سر الجماعة حول أسباب هذا التصريح. كان الجواب وقتها أن هناك تحولًا في عدة دول عربية نحو حظر الجماعة، كما أن هناك أخبارًا عن قرار أمريكي مماثل، من هنا وحفاظًا عليكم فيجب حل الجماعة من قبلكم والاكتفاء بالحزب. في العام التالي، صدر قرار قضائي أن الجماعة غير مرخصة، مع ذلك سكت النظام السياسي على القرار من ناحية تنفيذية ولم يستكمل الإجراءات طيلة خمس سنوات. أما لماذا سكت النظام على ذلك، فالمؤكد أن لذلك أسبابًا كثيرة، منها أنه وعلى مدار عدة سنوات تلت صدور القرار لم يصدر منهم أو عنهم ما يعتبر أنه استهداف حقيقي للنظام السياسي بدرجة خطيرة، إلى أن وصلنا إلى طوفان الأقصى حيث كانت بداية توسع المسافة بينها تدريجيًا حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من وجود مجموعات من أعضاء الإخوان يعملون على تصنيع الطائرات المسيرة والصواريخ لغايات إرسالها إلى المقاومة في الضفة الغربية حسب قولهم، سبق ذلك العملية الاستشهادية التي قام بها اثنان من شباب الإخوان عبر الحدود. 4/6 في الأزمة الأخيرة التي تخص المجموعات التي تعمل على تصنيع الصواريخ والطائرات المسيرة، ذهب الإخوان نحو محاولة قلب الرأي العام على الدولة، من حيث القول إن ذلك هو دعم للمقاومة في الضفة الغربية وليس داخل الأردن، ثم القول إن مدى الصواريخ التي يتم العمل على تصنيعها هي متوسطة المدى وليست قصيرة المدى، مع أن هذا الأمر يقرره الخبراء الفنيون وليس إفادات المتهمين. هذه التصريحات تعني أن الإخوان من ناحية فعلية يقرون بامتلاك السلاح لغايات دعم المقاومة، مع أنهم سياسيًا وإعلاميًا يقولون إن ما تم هو حالات فردية لا تمثل الجماعة، كما أن تصنيع السلاح وامتلاكه هو حق الدولة وحدها. حقيقة، وحين التعمق في تصريحات الإخوان نجد أنها تصريحات تعكس حالة تناقض في الخطاب لديهم بين النظري والعملي. علاوة على ذلك، وفي ذات الاتجاه في مخاطبة الرأي العام، حرك الإخوان أهالي المتهمين عبر إصدار بيان يطالب النائب العام بالإفراج عنهم لأنهم يعملون على دعم المقاومة الفلسطينية، متناسين أن الدولة نفسها قد حاكمت من قبل النائب السابق عماد العدوان فيما يتعلق بقيامه بتهريب أسلحة إلى الضفة الغربية. السؤال هنا: لماذا لم يطالبوا بذلك من أجل عماد العدوان؟ أم أن تلك المطالبة هي فقط لصالح شباب الجماعة؟ 5/6 نذهب الآن إلى محاولة توقع الخيارات أو القرارات المتوقع صدورها من الدولة، مع التذكير أن الأردن لا يسير على ما سار عليه الآخرون خضوعًا لهم أو تقليدًا لهم، وإنما يتخذ القرارات التي تخدم مصالحه. من هنا، أتكلم بحدود قدرتي على قراءة قرارات العقل الرسمي للدولة التي يمكن أن يتخذها. أظن أن جذور المشكلة هي مع الإخوان أكثر من كونها مع الجبهة، لذلك لا أستبعد تفعيل قرار حظر الجماعة وبالتالي إغلاق مقراتها ومنعها من ممارسة أي نشاط، مع ترك المجال أمام الحزب، لكن مع إعادة رسم تركيبة مجلس النواب من جديد، والذي يعني زيادة احتمالية حل المجلس مع إجراء انتخابات جديدة، سواء بمشاركة حزب الجبهة أو مقاطعتهم. يسبق ذلك إيقاف عمل مجلس النواب خلال الشهر الأخير من دورته الحالية مع عدم دعوته إلى دورة استثنائية. 6/6 أخيرًا، حيث إننا وصلنا إلى مرحلة اللاعودة في تعامل الدولة مع جماعة الإخوان المسلمين ومع حزب جبهة العمل الإسلامي، فإنني أكرر القول إننا أمام خيارين اثنين: إما خروج الجماعة والحزب من المشهد نهائيًا كما حدث في مصر وتونس، يعقبه اعتقالات لكبار القيادات فيهما، أو أن يقتصر ذلك على خروج الإخوان من المشهد والإبقاء على الحزب، لكن ضمن مساحات أقل كثيرًا من المساحة الإضافية التي وصلوا إليها بسبب غزة. مع الإشارة هنا إلى مفارقة تقول إن غزة التي ساهمت في تمددهم أكثر كانت هي ذاتها من ساهمت في تراجعهم أكثر؟

1/6

في مصر، فاز الإخوان في الانتخابات التشريعية والرئاسية، ثم تم القضاء عليهم وعلى الديمقراطية خلال سنة من ذلك، أي في العام 2013م. في تونس، فاز الإخوان في البرلمان، ثم شكلوا حكومة، ثم بعد سنوات تم القضاء عليهم وعلى الديمقراطية في العام 2021م. كانت أبرز مظاهر القضاء على الإخوان في مصر سجن الرئيس الإخواني محمد مرسي مع حظر الإخوان وحزبهم. كما أن أبرز مظاهر القضاء على الإخوان في تونس كان سجن راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة، في العام 2023م، بعد أن كان يرأس البرلمان التونسي في العام 2021م، وكان في صراع مع رئيس الدولة، تبع ذلك سجن عدد من قيادات حزب النهضة وإغلاق مقراته مع توجيه عدة تهم إليهم، منها تأسيس جهاز عسكري سري داخل الحزب. في ذات المسار، العمل جاري على إسقاط حركة حماس من حكم غزة، وربما يتبع ذلك سجن كبار قادتها، مما يعني أننا أمام سلسلة متصلة في إسقاط الإسلاميين لأسباب داخلية وخارجية. السؤال اليوم: هل جاء دور الإخوان المسلمين في الأردن من أجل تكرار ذات مصير الإخوة في مصر وتونس وغزة؟ هنالك من يقول إن ذلك سيتم قريبًا؟'

2/6

وفقًا لفهمي لعلم الاجتماع السياسي، الذي يدرس القاع الاجتماعي للظواهر السياسية، فإن الإخوان المسلمين في الأردن هم بنظر غالبية الأردنيين حركة دينية إسلامية بعمق فلسطيني من حيث القاعدة التنظيمية وليس الواجهات القيادية. هذه حقيقة اجتماعية. نتيجة لهذه التركيبة الاجتماعية، فقد لعبت الجماعة دورًا هامًا في كسر حدة الطروحات الإقليمية التي صدرت من عدة منظمات فلسطينية في عقود ماضية، ذلك أن الطرح الديني يكسر حدة الإقليمية. لاحقًا، ونتيجة التحولات في موازين القوى الفلسطينية وانعكاساتها على توجهات الأردنيين من أصول فلسطينية، فإن الإخوان باتوا المعبر الأكبر من ناحية فعلية عن المكون الأردني من أصل فلسطيني. هذه حقيقة أخرى. لقد استفادت الدولة الأردنية لعقود متتالية من ذلك في حماية النسيج الاجتماعي من أي شرخ على أساس الأصول الجغرافية الوطنية. لكن المشكلة الكبرى جاءت من البعد الخارجي، ذلك أن الإخوان هنا سريعو التأثر بطموحات وأفكار وأساليب الإخوان هناك، حركة حماس في فلسطين وإخوان مصر وإخوان تونس، مما أدى إلى زيادة الفجوة بين الإخوان هنا والنظام هنا. تزامن مع ذلك أن عدة دول عربية، هي مصر والسعودية والإمارات، قامت بحظر الإخوان كما حظرت أي واجهة لهم، ولم يكن يروق لهذه الدول العربية الثلاث حرية الحركة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين داخل الأردن. نتيجة لكل ما ذكر أعلاه، نجد أن هناك عوامل كانت تدفع نحو حفاظ الدولة على الإخوان وعوامل أخرى تدفع نحو القضاء عليهم، مع بداية التحول نحو زيادة عوامل القضاء عليهم أكثر من الحفاظ عليهم؟

3/6

أعود إلى الوراء قليلًا، ففي العام 2019م، كان لي محاضرة في رابطة الكتاب الأردنيين عنوانها (الدولة والإخوان: التقارب والتباعد في المواقف من أحداث الربيع العربي في عدة دول عربية خلال فترة 2011-2014م). كان هذا هو عنوان المحاضرة، وهو أيضًا في ذات الوقت عنوان المخطوطة البحثية التي أنجزتها مع الباحث محمد صبحي الشياب. مع الإشارة هنا إلى أننا حينما قمنا بإرسال المخطوطة لغايات نشرها إلى المركز العربي للدراسات في دولة قطر، كان الرد نعتذر عن النشر، لعل السبب أن نتائج الدراسة كانت لصالح الدولة الأردنية أكثر مما هي لصالح الإخوان المسلمين. أكمل حديثي، في هذه المحاضرة تناولت مخلص الدراسة ثم طرحت سيناريوهات العلاقات بين الدولة والإخوان. حينما نشر الخبر الصحفي عن أهم ما جاء في المحاضرة التي حضرها وقتها نائب المراقب العام للجماعة المهندس عزام الهندي، كان العنوان (الدباس يدعو الإخوان لحل الجماعة والاكتفاء بالحزب). هذا العنوان هو ما قاد لاحقًا إلى حوار معمق مع الدكتور رامي العياصرة أمين سر الجماعة حول أسباب هذا التصريح. كان الجواب وقتها أن هناك تحولًا في عدة دول عربية نحو حظر الجماعة، كما أن هناك أخبارًا عن قرار أمريكي مماثل، من هنا وحفاظًا عليكم فيجب حل الجماعة من قبلكم والاكتفاء بالحزب. في العام التالي، صدر قرار قضائي أن الجماعة غير مرخصة، مع ذلك سكت النظام السياسي على القرار من ناحية تنفيذية ولم يستكمل الإجراءات طيلة خمس سنوات. أما لماذا سكت النظام على ذلك، فالمؤكد أن لذلك أسبابًا كثيرة، منها أنه وعلى مدار عدة سنوات تلت صدور القرار لم يصدر منهم أو عنهم ما يعتبر أنه استهداف حقيقي للنظام السياسي بدرجة خطيرة، إلى أن وصلنا إلى طوفان الأقصى حيث كانت بداية توسع المسافة بينها تدريجيًا حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من وجود مجموعات من أعضاء الإخوان يعملون على تصنيع الطائرات المسيرة والصواريخ لغايات إرسالها إلى المقاومة في الضفة الغربية حسب قولهم، سبق ذلك العملية الاستشهادية التي قام بها اثنان من شباب الإخوان عبر الحدود.

4/6

في الأزمة الأخيرة التي تخص المجموعات التي تعمل على تصنيع الصواريخ والطائرات المسيرة، ذهب الإخوان نحو محاولة قلب الرأي العام على الدولة، من حيث القول إن ذلك هو دعم للمقاومة في الضفة الغربية وليس داخل الأردن، ثم القول إن مدى الصواريخ التي يتم العمل على تصنيعها هي متوسطة المدى وليست قصيرة المدى، مع أن هذا الأمر يقرره الخبراء الفنيون وليس إفادات المتهمين. هذه التصريحات تعني أن الإخوان من ناحية فعلية يقرون بامتلاك السلاح لغايات دعم المقاومة، مع أنهم سياسيًا وإعلاميًا يقولون إن ما تم هو حالات فردية لا تمثل الجماعة، كما أن تصنيع السلاح وامتلاكه هو حق الدولة وحدها. حقيقة، وحين التعمق في تصريحات الإخوان نجد أنها تصريحات تعكس حالة تناقض في الخطاب لديهم بين النظري والعملي. علاوة على ذلك، وفي ذات الاتجاه في مخاطبة الرأي العام، حرك الإخوان أهالي المتهمين عبر إصدار بيان يطالب النائب العام بالإفراج عنهم لأنهم يعملون على دعم المقاومة الفلسطينية، متناسين أ