صندوق الضمان الاجتماعي: بين التحصين والانفتاح

د. عدلي قندح

يمثل صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي ركيزة أساسية في منظومة الحماية الاقتصادية والاجتماعية في الأردن، إذ يوازن بين حقوق الأجيال والتنمية الوطنية. وقد أظهر أداء متميزًا في النصف الأول من عام 2025؛ حيث ارتفعت موجوداته إلى 17.3 مليار دينار، وبلغ دخله الشامل 1.1 مليار دينار، بزيادة 119% عن الفترة المماثلة من العام السابق.

رغم هذه الأرقام الإيجابية، يبرز تحدٍ استراتيجي يتمثل في طبيعة وهيكل المحفظة الاستثمارية، التي يغلب عليها الطابع المحلي المحافظ: 57% في السندات، و17.1% في الأسهم، و14.1% في أدوات السوق النقدي. هذا التركيز، وإن وفر أمانًا نسبيًا، إلا أنه يكشف اعتمادًا مفرطًا على الاقتصاد المحلي، ويحدّ من التنويع اللازم لتقليص المخاطر.

وفقًا لنظرية المحفظة الحديثة لهاري ماركوفيتز، فإن التنويع الجغرافي والقطاعي هو وسيلة فعالة لتقليل المخاطر غير النظامية. الاعتماد الكبير على أدوات الدخل الثابت داخل الاقتصاد الأردني يعرّض الصندوق لمخاطر التضخم والتباطؤ الاقتصادي، ويعزز من 'المخاطر النظامية” التي كان يُفترض الحد منها.

ورغم عدم وجود مانع قانوني أمام الاستثمار الخارجي، إلا أن نسبته ما تزال رمزية، ما يحرم الصندوق من مزايا التنويع والمردود الأعلى على المدى الطويل. هنا تبرز الحاجة إلى تبني رؤية استثمارية متجددة تتعدى مجرد تحقيق العائد المالي، لتتماشى مع معايير الحوكمة البيئية والاجتماعية (ESG)، وتعزز ثقة المجتمع في الصندوق كمؤسسة وطنية راعية للعدالة بين الأجيال.

ويتقاطع هذا التوجه مع فلسفة المفكر جون رولز حول العدالة التوزيعية، التي تؤكد أهمية تمكين الأجيال القادمة، ومع نظرية القدرات لأمارتيا سن، التي ترى في المؤسسات الاستثمارية أدوات لتعزيز التنمية البشرية. فاستراتيجيات الصندوق يجب ألا تُقاس فقط بالعائد، بل بقدرتها على تمكين المجتمع وتحقيق رفاهه المستدام.

يُظهر نمو صافي الدخل من السندات والأسهم وأدوات السوق النقدي تنوعًا نسبيًا، إلا أنه يظل محصورًا داخل الاقتصاد المحلي، مما يحد من مرونة الصندوق أمام الصدمات. وهنا تبرز العولمة المالية كفرصة لا كتهديد، حيث أن الاستثمار الخارجي المدروس يمكن أن يوفر عوائد أعلى، ويحمي القيمة الحقيقية للأموال، ويمنح الصندوق قدرة أكبر على التكيف مع المتغيرات.

لكن الانتقال نحو الانفتاح يتطلب تطوير قدرات استثمارية متخصصة، وأطر حوكمة فاعلة تضمن الشفافية والمساءلة، مع تفعيل النص القانوني الذي يُلزم بالحصول على موافقة مجلس الوزراء على الاستثمارات الخارجية. ويُقترح أن تُخصص حصة بين 5% و15% من المحفظة لهذا الغرض، أسوة بالتجارب الدولية الناجحة.

اجتماعيًا، فإن تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص المحلي في مشاريع إنتاجية واستراتيجية، ينسجم مع مفهوم النمو الشامل المستدام، ويعيد صياغة العلاقة بين الصندوق والمجتمع ضمن إطار 'العقد الاجتماعي الجديد”، حيث لا تكون المؤسسات الاقتصادية مجرد كيانات ربحية، بل أطرافًا فاعلة في تحقيق العدالة والاستقرار.

وفي الخلاصة، فإن صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي أمام فرصة تاريخية لإعادة هيكلة محفظته، عبر الموازنة بين التحصين المالي والانفتاح المدروس على الأسواق العالمية. وبذلك، يمكن أن يتحول إلى نموذج ريادي في المنطقة، يجمع بين الصلابة المالية والدور الاجتماعي التنموي.