اخبار اليمن
موقع كل يوم -المشهد اليمني
نشر بتاريخ: ٢٨ كانون الأول ٢٠٢٥
مع كل نوبة من نوبات الصراع تتكشف حقائق الناس، وتتضح المواقف الهلامية من الحاسمة إزاء المحنة التي يمر بها الوطن، إذ ليس أهلًا لصدارة الموقف إلا من ثبتت صدق وطنيته، وبانت سريرته، واستقر الوطن جميعه دون تمييز في أعماق روحه، وصارت كل الجغرافيا والشعب همَّه وغاية وظيفته..
وقفت القيادة السياسية اليوم وسعت جادةً لإحراق المراحل قطعًا لطرق التفتيت، على الرغم من كل ما يُوجَّه إليها من انتقادات ومعايب، لم تحد يومًا عن خيار الوحدة الوطنية في إطار الوحدة اليمنية الشاملة، وحلول للاستقرار الدائم دون حروب..
وسَعت للحفاظ على حقوق وواجبات جميع أطياف الوطن ومكوناته. حاولت أن تسلك طرقًا تُرضي بها الجميع دون استفزاز طرف أو ترضي طرف على حساب طرف، أو الوقوف في وجه أي مشروع وطني سياسي مشروع..
ومع ذلك، وُصِفت بالضعف، وذهب البعض إلى أبعد من ذلك في نقده، وهو أمر يمكن تفهمه ما دام صادرًا عن غيورين على الوطن، سواء كان نقدهم متزنًا أم فيه شيء من المبالغة؛ فتلك حالة صحية ومقبولة تأتي ضمن سياق المطلب الديمقراطي الطبيعي، وفي إطار مساحة الحرية التي يناضل اليمنيون جميعًا من أجلها..
إن التصويب الوطني الحريص واجب، والاستجابة له من قبل القيادة السياسية من أوجب الواجبات، إذ لا تتحرر الأوطان إلا بتحرر الإرادات من القيود، والعقول من الذل، والقرار السياسي من الضعف والمجاملة. ومن هذا المنطلق تشكَّل المجلس الرئاسي من ثمانية أعضاء في محاولة لاستيعاب مختلف الأطراف، وتوحيد الجهود نحو مواجهة المشروع السلالي الحوثي، الذي يقف وراء الكارثة الراهنة والمستقبلية إذا ما استمر..
غير أن حاملي المشاريع القروية والسلالية لم يغيروا من نهجهم شيئًا، ولم يشعروا بعظم المسؤولية الوطنية، بل عكسوا أهداف تشكيل المجلس الرئاسي، وتعاملوا معه كمنصة شرعية لإحراق المراحل للقفز السياسي على كل الثوابت وما ور في اتفاق الرياض، ونافذة للظهور أمام العالم، يطيرون كممثلين لليمن في المحافل الدولية وهم محملون بأجندات ضيقة وأهواء متسخة..
يسافرون بجواز الجمهورية اليمنية، وباسمها وعلى خطوطها، بينما يمارسون نقيض هدف التمثيل، في مشهد يشبه الخيانة الزوجية على فراش الزوج؛ أو كإحراق طفل فاقد الوعي لدار أبيه وهو فيها. وققت الناس حائرة من الطيش المنفلت، أَهؤلاء هم أحفاد القامات الوطنية التي صنعت تاريخ اليمن الحديث؟ أولئك الذين ينطبق عليهم قول الفرزدق.. 'أولئك آبائي فجئني بمثلهم … إذا جمعتنا يا جرير المجامع'
آباء سطروا البطولات الوطنية الرائدة، فيما يسعى بعض الأحفاد اليوم إلى هدم بذخ التاريخ الذي تركوه. أؤلئك الآباء الذين وحدوا الوطن عقب جلاء الاستعمار، لتستقر الدولة ويتفرغوا لبنائها وتوحيد ما تبقى من شتاته.
لم يحملوا في نضالاتم إلا زادهم، وقوة إيمانهم، وزهدهم عن ترفٍ يضرب وطنية القائد في مقتل إذا ما طغى وأفسد. أفلا يقارن هؤلاء أنفسهم وبين تواضع الآباء ونزاهتهم، وبين إخلاصهم وارتهانهم للغير؟ بين شموخهم الوطني، والسعي الحالي لتفتيت الوطن استجابةً لمصالح خارجية؟..
ما الذي يريدونه وهم يمسكون بمفاصل الدولة ويمثلونها في كل اتجاه؟ لم يحدث في تاريخ الحكومات اليمنية أن عُيِّن وزيرا الدفاع والخارجية من مديرية واحدة، ولم يسبق أن أحاط بالرئيس هذا الكم من الشخصيات من منطقة بعينها..
ينظر إليه البعض في الشمال على أنه تحيُز للجنوب، بينما يراه بعض الجنوبيين عائقًا أمام مشاريعهم المجنونة، في مفارقة تلخص مأزق القيادة في مرحلة اشتثنائية في وطنٍ امتلكت أمته تاريخًا حضاريًا ضاربًا في عمق الزمن؛ أمة أنشأت الحضارات ونشرت الإسلام في نصف الكرة الأرضية، وانتشرت في نصفها الآخر طلبًا للرزق والعلم، وأسهمت في بناء مشاريع صناعية اقتصادية ومعرفية كبرى..
ما أيسر هدم المشاريع الوطنية وتقويض الأهداف السامية للدولة، وأصعب بنائها، سواء عبر تفتيت الوحدة الوطنية، نشر الفوضى، إفشال المصالح العامة، أو تغذية الصراع الداخلي.
وهو ما ترفضه القيادات الوطنية الساعية إلى حماية المشروع الوطني، وتوحيد الصفوف لمواجهة التحديات الداخلية كمشروع فارس التوسعي أو الخارجية الساعية لنهب اليمن واستغلال شعبه موقعه وجزره تحويله إلى حلبة للصراع الدائم ..













































