اخبار تونس
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٧ أيار ٢٠٢٥
يقول الرئيس قيس سعيد إنه يقود مساراً إصلاحياً يستهدف 'الحفاظ على الدولة واستعادة هيبتها
فجر تواتر الإقالات في الإدارة والحكومة التونسيتين خلال عهد الرئيس قيس سعيد امتعاضاً ومخاوف شملت حتى معسكر الموالاة نفسه، مما طرح تساؤلات حول آلية اختيار المسؤولين المحليين والحكوميين في البلاد.
وأقال الرئيس سعيد أخيراً وسام المرايدي والي بن عروس، وهي إحدى ولايات تونس الكبرى المتاخمة للعاصمة، وبررت رئاسة الجمهورية، في بيان، الإقالة بـ'رصد رئيس الجمهورية جملة من الإخلالات في هذه الولاية على هامش زيارته الأخيرة إليها'.
وباتت أخبار إقالة الولاة، الذين يملكون صلاحيات واسعة في تونس، أمراً روتينياً في البلاد مما أثار تساؤلات حول الدوافع الكامنة وراءه.
معلوم، على سبيل المثال، أن ولاية بن عروس شهدت إقالتين في غضون أشهر قليلة، إذ أقيل عز الدين شلبي من إدارة هذه الولاية في سبتمبر (أيلول) 2024 وعين المرايدي خلفاً له قبل أن يُقال الأخير.
مشكلة في الاختيار
ومنذ انفراده بمعظم الصلاحيات في الـ25 من يوليو (تموز) عام 2021 أقال رئيس الجمهورية أربعة رؤساء حكومات ووزراء ومسؤولين ومديرين عامين في خطوة أثارت انتقادات حتى من الموالين له أنفسهم.
وتسلم سعيد الحكم كمستقل، وكثيراً ما انتقد بشدة الأحزاب السياسية معتبراً أنها كرست 'المحاصصة' في اختيار المسؤولين.
وقال القيادي في 'حزب التيار الديمقراطي' الموالي للرئيس سعيد، محسن النابتي، إن 'بن عروس هي المدينة الصناعية الثانية بعد صفاقس، وتكتسي أهمية كبيرة، وتمثل شريان حياة للدولة التونسية وفيها مرافق جد حساسة، هل أصبحنا عاجزين عن إيجاد وال لها يكون في مستوى المرحلة؟'. وتابع النابتي أن 'هناك مشكلة حقيقية في طريقة اختيار المسؤولين، وفي الخيار نفسه، والشارع التونسي، وإن ما زال هناك تعاطف مع رئيس الجمهورية، لكن في النهاية هناك تساؤلات حول أسباب إصرار رئيس الجمهورية على هذه الخيارات'، وأضاف 'لماذا فشل في اختيار رئيس حكومة جيد لإدارة المرحلة الصعبة في تاريخ تونس التي تحتاج إلى رجال من طراز خاص جداً؟ رئيس الجمهورية يطرح شعارات كبرى مثل التحرر الوطني والتعويل على الذات والسيادة الكاملة وغيرها، وهي شعارات يحملها رجال كبار بالمعنى الكامل للمعنى، لكن رئيس الجمهورية يعترف، في كل مرة، بأن المسؤولين الذين عينهم ليسوا في مستوى التحدي الموجود'، وشدد النابتي على أن 'أول من هو مطالب بمراجعة طريقة الاختيار هو رئيس الجمهورية نفسه، لأن عدم الاستقرار الحكومي الحالي أصبح صفة ملازمة للمرحلة الراهنة التي تعرفها تونس، لأن النظام أصبح عاجزاً عن تعيين كوادر عليا في الدولة بصورة مستقرة مما يعكس أمرين، أولاً هناك سوء اختيار للأشخاص، وثانياً ربما هناك انعدام ثقة بين الرئيس وهؤلاء المسؤولين'. وختم أن معظم هؤلاء المسؤولين، وهم من الإداريين، 'لا يملكون رؤية باتجاه إدارة الشأن العام أو المحلي، وهم ليسوا في تناغم أصلاً مع رؤية رئيس الجمهورية'.
من جانبه قال الناشط السياسي الموالي للرئيس سعيد، عبدالرزاق الخلولي، 'من يقف وراء اقتراح تعيين والي بن عروس الجديد على رئيس الدولة؟ هل عدنا للتعيينات بالولاء؟'، وسأل في منشور عبر صفحته على موقع 'فيسبوك'، 'هل أن بنك المعطيات والكفاءات الوطنية فارغ من الأشخاص المناسبين؟'.
اعتباطية وغموض
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2024 أعيد انتخاب سعيد لولاية رئاسية ثانية مدتها خمسة أعوام وسط انتقادات من المعارضة له في شأن نزاهة تلك الانتخابات وأيضاً طريقة إدارته البلاد. ودخل رئيس البلاد والمعارضة في مواجهة منذ عام 2021، عندما حل البرلمان والحكومة بعد تفعيله المادة 80 من الدستور التونسي في خطوة عدتها المعارضة 'انقلاباً'، فيما اعتبرها الرئيس سعيد 'إصلاحاً لمسار الثورة'.
واعتبر القيادي في 'حزب التيار الديمقراطي' المعارض، هشام العجبوني، أنه 'في حقيقة الأمر تعودنا في عهدة قيس سعيد على الاعتباطية في التعيينات وغياب معايير واضحة تتم على أساسها التعيينات في المناصب العليا للدولة'، وتابع العجبوني 'للتذكير، قيس سعيد هو الذي اختار وعين جميع رؤساء الحكومات بعد انتخابات 2019، وهم إلياس الفخفاح وهشام المشيشي ونجلاء بودن وأحمد الحشاني وكمال المادوري وسارة الزعفراني الزنزري وهو الذي أقالهم'، ولفت إلى أن 'هناك غموضاً يحيط بأسباب التعيين والإقالة، وهو أمر غريب، لأن الرأي العام لا يعلم تلك الأسباب، الإشكال أننا لا نعلم رؤية سعيد وتصوراته وبرامجه باعتبار أنه، بحكم الدستور الذي صاغه بنفسه ولنفسه، هو الذي يضبط السياسات العامة للبلاد، لذا لا نعرف ما الأهداف المنوطة بعهدة المسؤولين حتى يمكننا تقييم أدائهم ومدى تحقيقهم الأهداف المرسومة'.
تناقض
ويقول الرئيس قيس سعيد إنه يقود مساراً إصلاحياً يستهدف 'الحفاظ على الدولة واستعادة هيبتها، لكن تغيير المسؤولين المحليين والحكوميين المتواتر يجعله في مرمى انتقادات متصاعدة.
وفي رأي العجبوني فإن 'سعيد سبق أن صرح بأن أهم معيار بالنسبة إليه هو الولاء وليس الكفاءة، وهذا يتناقض مع مبادئ الحوكمة الرشيدة، على سبيل المثال الكل كان يعلم أن الوالي السابق لبن عروس عز الدين شلبي لا يملك أي كفاءة ولا خبرة ليُعين والياً على إحدى أهم الولايات في تونس، ولكن سعيد رأى عكس ذلك اعتماداً على معيار ولائه لما يسمى مشروع الرئيس، وهو مشروع هلامي يعتمد على شعارات خاوية ولا أحد يعرف مضمونه'، وأضاف 'أعتقد أن تواتر التعيينات والإقالات يعكس تخبطاً في إدارة الدولة وفي الوقت نفسه محاولة من سعيد لرمي فشله على الآخرين'، وشدد على أن رئيس الجمهورية 'لديه، بحكم الدستور، سلطات مطلقة، لكنه يحاول دائماً، من خلال خطابه وقراراته، التنصل من كل مسؤولية وإيهام الرأي العام أن سبب فشله هو تآمر بعض المسؤولين وكذلك المتسللين إلى الإدارة عليه، وعدم انتظامهم في حرب التحرير الوطني التي أطلقها، وهي كذلك مجرد شعار فارغ من أي مضمون، لتعبئة مناصريه'، وأشار إلى أن 'التجربة أثبتت أن سعيد لا يثق في أحد وسبق أن تخلى عن أقرب الموالين له، مثل نادية عكاشة وتوفيق شرف الدين ومالك الزاهي وكمال الفقيه'، وذكر العجبوني أن 'هناك مفارقة أخرى وهي أن سعيد يعبر دائماً عن عدم ثقته في الإدارة التونسية ويعتبر أنها مخترقة وتعطل المشاريع ومصالح المواطنين، ويدعو دائماً إلى ضرورة تطهيرها من اللوبيات، ولكن معظم الوزراء الذين يعينهم هم من أبناء الإدارة التونسية'.
وفي ظل استمرار التغييرات المتواترة في الإدارة التونسية، وأيضاً في الحكومة، من غير الواضح ما إذا كانت ستنجح تونس في تجاوز أزمتها الاقتصادية والسياسية خصوصاً أن كثيراً من الخبراء يقولون إن ذلك رهن تحقيق استقرار سياسي وحكومي.