تسفير الشباب إلى بؤر القتال... تونس تنبش الملف المعقد

مذكرات إيداع بالسجن في حق قيادات بـ'النهضة' ومحللون: خطوة إيجابية لتصفية إرث الإخوان

فتحت تونس أكثر الملفات غموضاً وتعقيداً بعد انتفاضة الـ14 من يناير (كانون الثاني) على أثر إصدار مذكرات إيداع بالسجن في حق مسؤولين سابقين وقيادات بـ'حركة النهضة' في قضية تسفير الشباب إلى مناطق القتال في دول مثل سوريا وليبيا والعراق.

وأعلنت السلطات أول من أمس الجمعة إصدار مذكرة إيداع بالسجن في حق المسؤول الأمني البارز السابق فتحي البلدي في إطار هذه القضية، فيما تم تأجيل التحقيق مع رئيس الوزراء السابق حمادي الجبالي بسبب ظروف صحية، بعد ساعات من إصدار مذكرة أخرى في حق القيادي البارز في 'حركة النهضة' ووزير العدل في الفترة من 2011 إلى 2013 نور الدين البحيري.

ومنذ اندلاع الانتفاضة الشعبية التي أسقطت الرئيس الراحل زين العابدين بن علي عام 2011، انتشرت الخيام الدعوية في تونس بهدف تعبئة الشباب للقتال مع جماعات متشددة تنشط في دول كانت تشهد حروباً أهلية مثل سوريا والعراق وليبيا.

واستغل هؤلاء، سواء الدعويون أو الشباب الذين وقع استقطابهم، حال الارتباك التي طرأت على أجهزة الدولة لتعزيز صفوف الجماعات المتشددة، مما دفع أوساط سياسية إلى اتهام 'حركة النهضة' التي كانت تدير دفة الحكم إلى حدود 2014 بتسهيل 'عملية التسفير' الذي تنفيه الحركة.

تحقيق واسع

وملف التسفير إلى مناطق القتال الذي كثيراً ما شكل محور السجالات السياسية في تونس هو ملف واسع، إذ سبق أن قدمت النائبة التونسية فاطمة المسدي دعوى قضائية ضد 126 شخصاً بسبب شبهات بالتورط سواء في نقل التونسيين إلى الخارج أو تسهيل دخول متشددين إلى تونس وغير ذلك.

ومذكرتا الإيداع بالسجن الصادرتان في حق البحيري والبلدي تتعلقان بمنح جوازات سفر لأجانب متورطين في قضايا إرهابية، بحسب ما ذكرت المتحدثة الرسمية باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب حنان قداس، لوكالة تونس أفريقيا للأنباء (وات).

وقالت المسدي لـ'اندبندنت عربية' إن 'ملف التسفير يشمل نقاطاً وأجزاء عدة، الأول هو الجزء الدعوي ويتمثل في السماح لبعض الإرهابيين والمتشددين بالتواصل مع الدعاة الأجانب ومتشددين آخرين من أجل استقطاب التونسيين للجهاد'.

والأمر الثاني بحسب المسدي، أنه 'تم رصد تواطؤ أمني لتسهيل مرور الإرهابيين نحو مناطق القتال من خلال منح جوازات السفر وغير ذلك، وأعتقد بأن هذا الملف بدأ يتحلحل تدريجاً بعد أعوام من التهميش المتعمد، لكنه ملف متشابك ويشمل أبعاداً عدة منها الأمني والدعوي وما يخص النقل وغير ذلك'.

ولا توجد إحصاءات رسمية حول التونسيين الذين نجحت الجماعات المتشددة في استقطابهم للقتال ضمن صفوفها، لكن تقارير دولية تقدرهم بالآلاف، ونفذ بعضهم هجمات حتى داخل دول أوروبية.

وبدأت السلطات التونسية التحقيق مع 14 مسؤولاً سابقاً وقيادات سياسية في هذا الملف، فيما اتهمتها 'حركة النهضة' بتصفية حسابات سياسية.

ويقبع عدد كبير من قيادات الحركة في السجن على خلفية قضايا من بينها قضية التسفير إلى مناطق القتال وتشكيل جهاز أمني موازٍ للجهاز الرسمي وغيرها.

ورفض محامون عن قيادات 'النهضة' التعليق على هذه التطورات.

ومن أبرز الشخصيات التي تم إيقافها من دون إصدار أحكام قضائية في شأنهم بعد، القيادي في 'النهضة' الحبيب اللوز ووزير الشؤون الدينية السابق نور الدين الخادمي ورجل الأعمال المقرب من الحركة محمد فريخة وفتحي البلدي القيادي في ائتلاف الكرامة وهو حليف لـ'النهضة' وغيرهم.

استعداد وعزيمة

بهذه المذكرات استعاد ملف التسفير إلى مناطق القتال من تونس زخمه، لكن من غير الواضح ما إذا كانت السلطة ستنجح في حسمه، خصوصاً أن الجمود خيم عليه منذ عام 2017 الذي كان شاهداً على تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق فيه، لكن من دون أن يتقدم قيد أنملة.

وقال الباحث السياسي التونسي الجمعي القاسمي إن 'تحريك الملف بهذه الطريقة يعكس استعداداً وعزيمة للمضي قدماً في تفكيك عناصره، خصوصاً أنه تم دفع شباب تونس إلى المحرقة السورية وغيرها من الأماكن التي استغلتها حركات الإخوان المسلمين للتنكيل بالأنظمة الوطنية'.

وأوضح أن 'ما حدث خلال الساعات الأخيرة يمثل مقدمة ربما تفتح الباب أكثر فأكثر للغوص في عمق هذا الملف، وهو ملف معقد ويتضمن جوانب عدة يجب العمل على تفكيكها، تحديداً إعلان إفلاس شركة الطيران المتهمة بتسفير التونسيين'.

وشدد على أن 'هذه الشركة يعتقد على نطاق واسع بأن لها دوراً كبيراً في نقل التونسيين نحو بؤر القتال، لذلك يجب التحقيق في هذه المسألة، وفي كل الأحوال هذه خطوة إيجابية أتوقع أن تتواصل، خصوصاً أننا دخلنا مرحلة تتسم بتصفية إرث جماعة الإخوان المسلمين في تونس'.

وتعرضت 'حركة النهضة' لضربات موجعة بعدما دخلت معركة كسر عظام مع السلطة تم خلالها توقيف عدد من قياداتها وغلق مقرها الرئيس في العاصمة، لتقترب بذلك من العودة للنشاط السري كما كان الوضع قبل أعوام.