اخبار تونس
موقع كل يوم -أنباء تونس
نشر بتاريخ: ٢٧ أيار ٢٠٢٥
ما كان ليفعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما فعله أمام رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا أثناء زيارته البيت الأبيض مؤخرا وأمام الصحفيين لو لم ترفع جنوب إفريقيا قضايا ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية واتهامها بالإبادة الجماعية حتى لو اضطر إلى الكذب و تقديم معطيات مغلوطة لتمريرأجندته، بل أراد أن يبطش به أمام العالم بعد ضغط اللوبي الصهيوني الذي يبدو أنه يملي على الرئيس الأمريكي ما يجب عليه فعله وما ينبغي أن يقوم به.
فوزي بن يونس بن حديد
لا نستطيع أن نفسر ما قام به ترامب يوم أن استقبل رئيس جنوب إفريقيا في البيت الأبيض إلا بذلك لأنه ظهر وكأنه يلقّنه درسًا في حقوق الإنسان ويلومه ويجيب على أسئلة الصحفيين في حضرة رئيس دولة أجنبية لإحراجه.
غير أن الدبلوماسية العالميّة تفرض على الرؤساء نوعًا من المجاملة في العلاقات الثنائية أو الجماعية عندما يجتمع رئيسان أو أكثر خاصة في اللقاءات العلنية منعًا للإحراج، وفي هذا الاتيكيت تعبير عن حقيقة وكنه ما يدور في أروقة الرئاسة وما حولها، لكن الرئيس الأمريكي خرق هذا النوع من التعامل مع أقرانه ونظرائه واعتبر خصومه من السياسيين الذين يحملون أفكارا معارضة لأفكاره أو الذين يعادون السياسة الصهيونية أو العرب الذين يعيشون على المساعدات الأمريكية دون مقابل أو بمقابل يسيء إلى الشعوب، كأنهم تلاميذ مشاغبون وعليه تأديبهم أمام العامة وفي بيته الأبيض وأمام وزرائه ومن كان معهم، وهذا في حقيقة الأمر تصرف لا مسؤول من أكبر دولة في العالم.
الطوفان الصهيوني في أمريكا قوي للغاية
وقد سبق أن فعل ذلك في أشهره الأولى من الرئاسة مع عدة رؤساء، فقد رأينا الموقف المُحرج مع ملك الأردن، والرئيس الفرنسي ورئيس وزراء بريطانيا وغيرهم، ولعل المشادة الكلامية الشهيرة والساخنة التي حدثت بين ترامب والرئيس الأوكراني زيلنسكي هي الأبرز على الإطلاق حيث وصلت مرحلة من السخونة كادت تفتك بالعلاقات الأمريكية الأوكرانية، لكن سرعان ما تراجع الرئيس الأوكراني بعد أن أدرك أن الطوفان الصهيوني قوي للغاية فاستسلم له في وقت كان يظن فيه البعض أن هناك من سيقف في وجه ترامب ولا يبالي، غير أن لقاء الرئيس الأمريكي مع رئيس جنوب إفريقيا كان لقاء ليس عابرا بل كان درسًا في تأنيب الرئيس الضيف وتعنيفه وإحراجه أمام مسؤوليه وهو يتلقى الضربات واللكمات الترامبية وسط ذهول العالم مما يفعله ترامب بضيوفه.
لكن ترامب لم يكن عادلا في تأديب وتأنيب ضيوفه الكبار، لأن نتنياهو الرجل الذي أباد أكثر من 60 ألف فلسطيني على أرض غزة وهدّم قطاعًا بأكمله من الحجر والشجر، وهتك حقوق الإنسان وانتهك القانون الدولي والإنساني، ويحمل جنسية أكبر دولة عنصرية ونازية في العالم استقبله بحفاوة بالغة وكبيرة بالبيت الأبيض، وقدّم له كل المغريات التي لم يقدمها لأي رئيس قبله، ورفع الحظر عن السلاح الممنوع لإسرائيل وقدمها له هدية على طبق من ذهب، وزار بعد ذلك الدول العربية في عنجهية تامة وكبرياء لا مثيل لها في تاريخ رؤساء أمريكا بل كان يمشي الخيلاء وقد خدع من وثق فيه عندما بادرت قطر ومصر إلى ما يسمى بحُسن نية تجاه أمريكا وأطلقت حماس بموجبها الأسير ألكسندر عيدان مقابل أن يضغط ترامب على نتنياهو لفتح المعابر، ولكنه لم يفعل إلى الآن ولم يستطع ترامب أن يفعل شيئا في وجه تعنت نتنياهو وإصراره على تمزيق غزة دون السيطرة عليها ولا القضاء على حماس.
ماتت الدبلوماسية في عهد ترامب
ومن ثم نستطيع القول أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يتحرر من عبودية الصهيونية العالمية المتغلغلة في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم، والمسيطرة على الإعلام والاقتصاد والسياسة، وإلا ما كانت أمريكا لتتغنى بحقوق الإنسان طوال السنوات والعقود الماضية وتصدر تقارير حول العالم تقيّم فيه الدول كلها ومدى تطبيقها حقوق الإنسان، فتلوم هذه وتمدح تلك وتدعو أخرى إلى تحسينها، ولكن اليوم وبعد الإبادة التي مارستها الصهيونية الفاشية النازية في غزة والضوء الأخضر الأمريكي من الرئيس دونالد ترامب نفسه فإن عليها أن تصمت ولا تحاسب أحدا لأن نفسها واقعة في خضمّ هذه الجرائم البشعة في العراق وأفغانستان وغزة والصومال وغيرها من البلدان.
ولم يستطع ترامب أن يخرج من عباءة الصهيونية التي ألبسته لباسها، وقيّدته بقيودها، وها هو اليوم يصبح عبدًا من عُبّادها، ليقول للآخرين ما يقولون له حتى يردّدها على مسامعهم ويحرج من جاءه زائرا سواء من إفريقيا أو أوروبا وينصّب نفسه حاكمًا، والحال أن داره مخترقة من أكبر لوبي عالمي في التاريخ، ولذلك نستطيع أن نقول لقد ماتت الدبلوماسية في عهده، وماتت القيم والمبادئ، ولا حياة إلا للقوي الذي يملك المال والرجال والنفوذ، وليس من حق ترامب أن يحيد عن الطريق الذي رسموه له.