تونس تراجع التوظيف خلال عقد والإخوان تحت المنظار

دراسة حكومية: نحو 7 آلاف من المنتفعين بالعفو العام وغالبيتهم من قيادات 'النهضة' وقواعدها حصلوا على وظيفة من دون إجراء مناظرة

يبدو أن الرئيس التونسي قيس سعيد ماض في ملاحقة أنصار جماعة الإخوان المنتمين لحركة النهضة، إذ أصدر قراراً من شأنه الانطلاق في مراجعة وتدقيق جميع الانتدابات التي تمت خلال العشرية السابقة، حيث سبق أن شدد سعيد خلال اللقاء الأول له برئيس الحكومة أحمد الحشاني على 'ضرورة المضي قدماً في تطهير الإدارة ممن تسللوا إليها وتحولوا إلى عقبة أمام إنجاز أي مشروع'.

صدر في الجريدة الرسمية بعدد يوم الجمعة 22 سبتمبر (أيلول) 2023 أمر يتعلق بإجراء تدقيق شامل في الانتدابات والإدماج في الوظيفة العمومية والهيئات والمنشآت والمؤسسات العمومية والشركات ذات المساهمة العمومية وسائر الهياكل العمومية الأخرى، وذلك من 14 يناير (كانون الثاني) 2011 إلى 25 يوليو (تموز) 2021.

وينص الأمر على تشكيل لجنة قيادة لعمليات التدقيق تضم رئيس الحكومة ورؤساء الهيئات الرقابية العمومية وثلاثة قضاة، وستتولى بدورها تكليف لجان تدقيق تنهي أشغالها في أجل شهرين منذ مباشرتها لمهماتها.

العفو التشريعي العام

في هذا الصدد يقول فريد المولهي أحد موظفي الدولة التونسية إنه 'من الجيد فتح باب الانتدابات والتدقيق لإنهاء كثير من المزايدات والمغالطات التي يروجها بعضهم، وبخاصة إذا كان الهدف إثارة ملف الإصلاح الإداري'، مواصلاً 'لا أحد يعترض على إصلاح حقيقي بخاصة التدقيق في الشهادات المزورة ومحاسبة كل من تورط فيها'.

لكن المولهي أبدى دهشته من استثناء الانتدابات التي تمت قبل هذا التاريخ ما دامت الدولة لا تبغي سوى الإصلاح.

حسونة جمعاوي، موظف بالدولة أيضاً، استحسن قرار التدقيق ومحاسبة من اعتبرهم أجرموا في حق الدولة التونسية. يقول 'على ذكر التدقيق في الانتدابات أريد أن أذكر بحادثة مرت علي عام 2012، وقتها كنت عضواً ممثلاً للدولة بمجلس إدارة شركة العجين والخلفاء وهي منشأة حكومية'.

مواصلاً 'في أحد الجلسات قدم لنا المدير العام منشوراً صادراً عن القيادي في حركة النهضة ورئيس الحكومة آنذاك حمادي الجبالي حول تشغيل جماعة العفو التشريعي العام وإعادة مسارهم المهني وهم عدد كبير يتطلب موازنة كبيرة على كاهل المؤسسة'.

وتابع جمعاوي، 'عارضت تطبيق المنشور نظراً إلى كلفته الباهظة ووضع الشركة المفلس، ومع الأسف أكد لنا المدير العام أن المنشور لإعلام أعضاء المجلس وليس للنقاش لأنه يحمل عبارة التطبيق آلياً وبصفة رجعية'. مضيفاً، 'بعد أسبوع علمت أنه تم تعويضي بعضو آخر يجهل المبادئ الأساس للحسابات والتصرف، وقد أدى تطبيق المنشور إلى توقف نشاط الشركة لمدة خمس سنوات'.

انتدابات عشوائية

أشارت دراسة أنجزها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية إلى أن نحو 6 آلاف و839 من المنتفعين بالعفو التشريعي العام وغالبيتهم من قيادات حركة النهضة وقواعدها تم انتدابهم عشوائياً في الوظيفة العمومية بعد عام 2012 من دون إجراء مناظرة.

وتم إقرار العفو التشريعي العام بعد فترة وجيزة من إطاحة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي خلال حكومة محمد الغنوشي الثانية، وتم البدء عملياً في تطبيقه بعد عام 2013 عندما تمكنت حركة النهضة من الحكم.

وفي تصريح سابق لوزير الوظيفة العمومية والحوكمة الأسبق عبيد البريكي، قال إن عدد المنتدبين في الوظيفة العمومية قفز من 330 ألفاً خلال عام 2010 إلى أكثر من 630 ألفا، أي إن إجمال الانتدابات لتلك الفترة يناهز ما تم انتدابه في تونس منذ عام 1956 تاريخ الاستقلال إلى عام 2010.

وأعلنت وزارة الداخلية التونسية في بيان نشرته على صفحتها الرسمية بموقع 'فيسبوك' قبل يومين أنه 'تبعاً لصدور الأمر عدد 591 لسنة 2023 المؤرخ في 21 سبتمبر 2023 والمتعلق بإجراء تدقيق شامل لعمليات الانتداب والإدماج بالوظيفة العمومية والهيئات والمؤسسات والمنشآت العمومية والشركات ذات المساهمة العمومية وسائر الهياكل العمومية الأخرى والمنجزة من 14 يناير 2011 إلى 25 يوليو 2021، أصدر وزير الداخلية برقية تم تعميمها بتاريخ اليوم 23 سبتمبر 2023 على جميع هياكل وزارة الداخلية تتضمن ضرورة تأمين الأرشيف الخاص بالأعوان المعنيين'.

وأوضحت الوزارة أن 'إجراء هذا التدقيق يشمل مختلف الانتدابات وعمليات الإدماج التي تمت خلال الفترة المحددة والتي تخص الأعوان التابعين لوزارة الداخلية والجماعات المحلية من مجالس جهوية وبلديات ومؤسسات ومنشآت عمومية خاضعة لإشرافها والشركات ذات المساهمة العمومية المعنية وفقاً لأحكام الفصل الأول من الأمر المذكور'.

في المقابل يقول القيادي في حزب التيار الديمقراطي المعارض هشام العجبوني في تصريح خاص إن قرار التدقيق في الانتدابات 'جاء بعد تبرير رئيس الجمهورية فشله طوال سنتين بالمتآمرين والخونة والمحتكرين واللوبيات وبقية الأشباح' بحسب تعبيره.

إلهاء الرأي العام

يواصل العجبوني 'والآن يمر الرئيس إلى المرحلة الثانية من تبرير الفشل وهي المتآمرين من الموظفين الذين يعرقلون المشاريع ويتسببون في تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي فإن شعار المرحلة المقبلة سيكون (تطهير الإدارة) بدلاً من العمل على الرؤى والبرامج والتصورات لاسترجاع نسق النمو والثقة في الاقتصاد التونسي، بالتوازي مع تحجيم سطوة الاقتصاد الريعي وسيطرته على كل القطاعات'.

ولا ينكر العحبوني أن حركة النهضة سعت إلى توظيف أنصارها، بخاصة ممن ظلموا في عهد بن علي، لكنه يشير إلى أنهم نسبة ضئيلة ممن تم توظيفهم بالمؤسسات الحكومية، موضحاً 'بعد الثورة مباشرة وتطبيقاً لطلب الاتحاد العام التونسي للشغل قامت حكومة الباجي قائد السبسي آنذاك بإغراق الوظيفة العمومية بالآلاف الانتدابات'، محذراً من انعكاسات هذا القرار في إشعال فتيل الاحتقان الاجتماعي، داعياً إلى إيجاد طرق أنجع من أجل الإصلاح الإداري الحقيقي، بحسب تعبيره.